|
مقالات فوضى كتاب الطفل العربي .... ما بين مأزق الكتابة واشكالية الترجمة
مهند صلاحات / كاتب وصحفي فلسطيني تشهد المنطقة العربية حالة من الهبوط في المشهد الثقافي الخاص، مرده بحسب العديد من الباحثين والمختصين فوضى التعاطي مع الثقافة منذ مرحلة التأسيس الأولى للمواطن العربي في سن الطفولة، وصولاً للمرحلة ما بعد الأكاديمية، ولعل الخطورة في حالة الفوضى هذه أنها تبدأ في مرحلة التأسيس لدى الطفل، حيث أن كتاب الطفل الذي يعتبر نواة الثقافة الأولى، يعاني من فوضى عارمة في التعاطي معه، فلا يتم تأسيس الطفل ثقافياً بشكل صحيح، مما ينتج جيلاً ركيكا، ويرى البعض كذلك: أن السبب يعود لأن كتب أدب الطفل التي يتم إنتاجها لا يراعي المقاييس الأدبية والعلمية الصحيحة. بالإضافة لأنه لم يتم تحديد الفارق ما بين الكتب الأكاديمية وما بين الكتب الثقافية، أو ما بين الكتب التي تُكتب عن الطفل، وبين ما نكتبه للطفل وهو ما يسمى أدب الطفل حتى أصبح الأمر خلطا بين الأنواع الثلاثة. في خضم هذا التوصيف للمشكلة والبحث إلى أي مدىً يمكن أن يكون هذا الكلام دقيقاً، وما هي الحلول أو البدائل ؟. وهل اللجوء للتراجم الأجنبية يوقعنا بذات المشكلة أم يخلصنا منها أم أنها لا تناسب بيئتنا الاجتماعية والثقافية؟ الشيدي. ترى الكاتبة والباحثة فاطمة الشيدي من سلطنة عُمان أن البحث يجب أن يكون في تطوير أدوات الطفل الثقافية قبل البحث في تنظيم فوضى كتابه، وخاصة في عصر التكنولوجيا التي تسيطر على عقلية الطفل وتستهويه أكثر من الكتاب. تقول الشيدي أن الحديث عن ثقافة الطفل في المجتمعات العربية تبدو نظرة طوباوية جداً، أو جزئية في ظلّ مجتمعات لا تزال تعيش حالة الفقر المادي، وترزح تحت وطأة الجهل، الذي لا ينبغي أن تمتد آفاته حتى ناشئة هذا العصر. واعتبرت الشيدي أن ثقافة الطفل التي تحويها معظم الكتب الخاصة به تشكل فعلاً إشكالاً تربوياً حقيقياً في عالمنا العربي، ولا تعتقد أن الكتاب في عصر التكنولوجيا لا يزال يشكل إغراءً وفيراً لطفل المعلومة الجاهزة، والثقافة السريعة، لذا ينبغي عند الحديث عن أدب الطفل مدًّ النظر للبحث عن مواد وأوعية ووسائط ثقافية أكثر جاذبية وخفة لطفل القرن الحادي والعشرين. كما أن الخلل الثقافي وفوضى الكتب كما تراه في أدب وثقافة الطفل العربي لا يرجع لعدم وجود مقاييس لأدب الطفل بل في جمودها، لأن مقاييس أي عمل أدبي ثقافي موجه، ليست ثابتة وينبغي أن لا تكون، لذا ينبغي مراجعتها وتحديثها أولاً بأول وفق المناهج التربوية الحديثة التي تأخذ بعين الاعتبار ثقافة البيئة والعصر معاً، أو توجيه الطفل نحو وسائل تكنولوجية متقدمة أكثر كنوع من تطوير الكتاب وليس استبداله. كما أن المعلوماتية الأساسية ضرورية لثقافة الطفل ووعيه، ولكن يبقى الوسيط المادي الذي تقدم هذه المعلومة من خلاله كالأدب القائم على السرد والحوار كالقصة والمسرحية، أو الوسائط التكنولوجية واللوحات التي تشد تلك الروح الغضة للمتابعة والافتتان بالثقافة لتنمو محبة للعلم تواقة للمعرفة.
قدر فياض الباحثة السورية قدر فياض من ناحيتها ترى أن المشكلة لا تكمن فقط في الكتاب، فهي متعلقة في تقديم المادة التربوية والأدبية ذاتها للطفل، سواء كانت كتاباً أو مادة إعلامية، أو مادة أكاديمية، أو غيرها، فأدب الأطفال في مجمله يحمل في النهاية هدف واحد، هو إيصال المعلومة للطفل بالنهاية في أبسط صورها. تهميش الأدب الشرقي في مقابل الغربي: ففي مجال أدب الطفل تعتبر فياض أن هنالك عجزاً حقيقياً فيما يتم إنتاجه من كتب في مجال أدب الطفل وخاصة في مجال الإبداع الأدبي، كالقصة والأغنية، ويجري أحياناً الخلط بينها وبين المادة الأكاديمية التي تقدم له لتساعده على التقدم التربوي والتعليمي. وكثيرا ما يتم اللجوء إلى كتب الأدب المترجم بديلاً عن كتب الأدب الشرقي سواء في مجال أدب الطفل أو الحكاية الشعبية، فتلاقي الأخيرة التهميش والانتقاص منها في مقابل أدب الطفل الغربي، وهذا ما يزيد من فجوة الطفل مع واقعه ويزيد من عدم ثقته بإنتاجه الأدبي مستقبلاً. أزمة الترجمة وإشكالياتها: وتعتبر فياض أن قصصاً مثل سندريلا، والأقزام السبعة، الأميرة النائمة، وغيرها من القصص المترجمة للأطفال، والتي نجد منها كتباً مترجمة بصيغ مختلفة، كل صيغة منها تخدم دار نشرْ محددة، وكذلك قصصاً مثل:علاء الدين والمصباح السحري أو السندباد، وهي قصص مترجمة أيضاً، كأنها ليست من تراثنا العربي، فتعود دور النشر إلى ترجمتها، عوضاً عن تأصيلها والبحث في أصولها. وهنا تقع الإشكالية في سوء التعامل مع المادة الأدبية المقدمة للطفل العربي في الكتاب بإعادة ترجمتها عن الأجنبية بدلاً من تناولها من لغتها العربية الأم، وكان الأولى البحث عن بدائل شرقية كأدب الطفل لدى المجتمعات الشرقية غير العربية مثل الكردية والأشورية والأرمنية والفارسية والتركية وغيرها. فيما تختلف فاطمة الشيدي مع فياض في سياق الترجمة، فهي تعتبر أن كتب التراجم الأدبية خاصة في العلوم والإنسانيات والآداب أيضاً، تشكل مساحة خصبة لذاكرة وعقل الطفل ومنطقة ثرية بالجديد والمثير، ولكن بعد تمريرها في دوائر المراجعات الثقافية والفكرية، كي تحقق الفائدة دون أن تحدث بلبلة ذهنية في عقل الطفل العربي وثقافته المجتمعية، كما تكون باستحداث مباشر وترجمة متجددة دون تكرار ممل لأن روح الطفل سريعة الملل والانكفاء والابتعاد عن كل مالا يبهرها أو يبهجها. وفي مجال الإنتاج الأدبي والثقافي للطفل تعتبر فياض ما سلف حول إشكاليات الترجمة، والظروف الأخرى، هو فقط جزء من المشكلة، والجزء الأخر يكمن بمشكلة كتابة أدب الأطفال في المنطقة العربية، ففي الكثير من الكتب التي تقدم للطفل العربي نقرأ قصصاً محوّلة عن أفلام كرتون، مثل: الرجل العنكبوت أو الرجل الخارق، والتي يشار إليها على أنها قصص للأطفال، دون الأخذ بعين الاعتبار ما تفعله هذه الكتب ومحتواها بروح الطفولة، أو الخصوصية العربية والشرقية لأطفالنا، فهي تنبع من مجتمعات غريبة من مجتمعاتنا، لينتج لدينا ثقافة أطفال هجينة ذات مضمون غير حقيقي أو هدف مركّز حول ثقافة أطفال شرقية. أما عما يكتب للأطفال عربياً فهو قليل جداً بالنسبة إلى ما يكتب للكبار، أو نسبة لما يكتب للصغار خارج الوطن العربي، إذ أننا نصطدم بأرقام خيالية تدور نسبها حول كتاب لكل 5 إلى 15 طفل مثلاً في دول غربية، ونحن اليوم نبحث عن كتاب للطفل كل عام. مشكلة الإنتاج وأزمة كتابة أدب وثقافة الطفل في المنطقة العربية: وترى قدر فياض كذلك أن ما أزّم الكتابة للطفل تحوّلها إلى مهنة، بحيث تشير بحوث ودراسات عديدة في ذات الشأن على أن من امتهن كتابة أدب الطفل في الحقيقة هم أدباء كتبوا بفشل أدباً للكبار، فتحولوا للكتابة للصغار، متناسين الأبعاد التربوية، أو الشروط الثقافية في ظلًّ غزو الفضائيات وأفلام الكرتون الغربية لثقافة الطفل العربي، بالتالي فإن كمّ الإنتاج من الكتب الأدبية للأطفال ضئيل ويعاني من مشكلة تفريغ معظمه من القيم المطلوب تضمينها. وهنا تبقى الإشكالية الكبرى تطرح تساؤلاً كبيراً، حول أهمية العودة للتراث الشرقي بشكل عام وإعادة إحياء ما اندثر منه فيما يخص ثقافة وأدب الطفل، وتنقيته، وتقديمه للطفل على أنه أدب خاص، بالإضافة لمضاعفة الجهود بإنتاج أدب طفل شرقي وعربي يحمل خصوصية المنطقة وثقافتها، عبر تقديم الدعم لكتّاب أدب الطفل المختصين وليس الأكاديميين فقط في هذا المجال، بالإضافة لإيجاد مراكز تحوي باحثين مختصين في مجال الطفل للبحث عن أطفال موهوبين يستطيعون الكتابة لتقديمه للطفل، لأن الطفل أوعى وأقدر على إدراك وعي جيله.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |