|
مقالات الهلال بين أشكاليات الرؤية والتكليف د. وليد سعيد البياتي / لندن حقائق واوهام كنت أود ان اتوقف عن كتابة المقالات والبحوث الصغيرة لاتفرغ للتاليف لكن يبدو ان الهموم تلاحقنا حتى في لحظات البحث عن السكينة، وهنا اردت ان اقف عند مسألة اصبحت مشكلة اجتماعية ثقافية وفقهية في آن. ففي كل بداية شهر رمضان، او ليلة عيد الفطر، يواجه المجتمع الاسلامي مشكلة البحث عن الرؤية الصادقة للهلال بعيدا عن التكهنات والحسابات السياسية مرة والتداعيات الفقهية بين اصحاب المدارس من جهة، والداخلين على العلم ومن غير اصحاب المعرفة من جهة اخرى. وقد حضرت عدد لايحصى من الجلسات والندوات ولم اجد يوما حوارا يحسم الموقف، كما ان الفقهاء يتحملون مسؤولية الايضاح حيث ان الكثير من مقلدي المجتهدين لايدركون مدى تعلق الامر ( رؤية الهلال) بالتقليد ام لا، فالفقهاء يعلمون ان الرؤية لاتتعلق بالتقليد ولكنها تتعلق بالكيفية (بالطريقة)، اي انه لايجوز تقليد المرجع في قضية الرؤية (رؤية الهلال)، ولكن تقليده في كيفية الرؤية. فالمرجع الذي يتبع منهج ان تتحقق الرؤية بالعين المجردة، يختلف في رأيه عن المرجع الذي تتحقق الرؤية لديه بالحسابات الفلكية، وقد نجد بعض الفقهاء يجمع بين النظريتين ( تحقق الرؤية بالعين المجردة وتحققها بالحسابات الفلكية)، وقد نجد فقهاء يمنعون استعمال العدسات المقربة ( النواضير اوالتلسكوبات الصغيرة) في البحث عن الهلال حتى وان ساعد ذلك في تحديد الاتجاه وبالتالي يمكن رؤيته بالعين المجردة. كل ذلك يحدث سنويا ولا نجد من يعلم الناس انه لاعلاقة لرؤية الهلال و للصوم والافطار بالتقليد، فالرؤية تعتمد على الكيفية وهذه حقيقة يجب على الفقهاء نشرها وتعليم الناس وتثقيفهم عليها.
في مسؤولية التكليف والتقليد إن الكثير من المكلفين بواجباتهم الشرعية يعتمدون في مسائلهم الشرعية اعتمادا كليا على مراجعهم دون ان يدركوا حقيقية الاعتماد على المرجع، او مفاهيم وواجبات التقليد (بصدد ان نضع دراسة مكثفة في الموضوع) كما في مسألة التحقق من رؤية الهلال سواء في شهر رمضان او ذي الحجة او بقية الاشهر الهجرية (العربية)، فالانسان بالدرجة الاولى مكلف ان يتعلم الفقه، عليه ان يعرف ما أراد الله منه، وعندما يعجز او لايبلغ من العلم مبلغا هناك عليه الرجوع الى العالم ليقوده الى طريق المعرفة، فالمسؤولية تقع على المكلف اولا فهو من تتوجه اليه الشريعة باحكامها، وهو الذي عليه ان يتحمل مسؤولية نفسه، وطبعا نحن لانطالب جمهور المكلفين ان يصبحوا كلهم فقهاء ومراجع فذلك يخالف الواقع، ( فالعلم بالتعلم وفوق كل ذي علم عليم ) فالمجتهد قد نال من العلم بعد ان اجهد نفسه في البحث والتحقيق، وافرغ عقله وقلبه في طلب العلم، وهو يختلف عن الرجل العادي الذي لم يتفقه او حتى ذلك الاكاديمي الذي اختص بمجال آخر من العلم غير العلم الديني، لكن كل هؤلاء من المكلفين من الرجل البسيط الى الاكاديمي والمختص عليهم ان يحملوا شيئا من الفقه ولو بشكله البسيط فهذا جزء من الواجب الشرعي.
إشكاليات الرؤية من الغريب ان العالم الاسلامي لا ينشغل بقضية رؤية الهلال وتحققها إلا في شهر رمضان، اما في شهر ذي الحجة فهم يتكلون في الاغلب على العربية السعودية لانها تدير مسالة الحج. وكاننا غير مكلفين بان يتم التحقق من الرؤية شهريا وفي مطلع كل هلال، ومن هنا نواجه هذه المشكلة سنويا وفي كل رمضان وكاننا نرفض ان نتعلم. فاذا كان الفقهاء يحمل كل رؤياه الخاصة فما ذنب المكلف البسيط؟ وقد دارت الاشكالية بين نظريتين: أولا: نظرية وحدة الافق: التي تقول بان الافق واحد في كل مكان فإذا تم تحقق رؤية الهلال في العراق، فقد تم التحقق في الدول التي افقها قريب او متحد مع افق العراق فتتحقق فيها الرؤيا، وإذا رؤي في المغرب العربي فقد تحقق هناك أو هنا في بريطانيا. ويرى السيد السيستاني (دام ظله) وعدد من العلماء شرط وحدة الافق، فثبوت الهلال بالرؤية الشرعية في العراق يعني ثبوته في الكويت والبحرين والسعودية، كما ان ثبوته في السعودية عن طريق شهود غير ثقات يصبح موضع شك ولا يجوز الاخذ به الا بعد التوثيق. وهناك موقف للسيد الخوئي(قدس) يرى انه لا حاجة الى وحدة الافق بل ان رؤية الهلال في اي بقعة في العالم يعتبر محققا في كل بقاع الارض، فرؤيته في موقع واحد تعتبر حجة وتكفي. ثانيا: نظرية تعدد الافق: وتقول انه لكل موضع افقه الخاص به، فيمكن ان يصوم الناس في بلد باعتبار تحقق الرؤية لديهم ( وهذا ايضا يتبع الوسائل)، ولايمكن لاخرين ان يصوموا في بلد آخر باعتبار ان رؤية الهلال لم تتحقق لديهم وان تحققت في موضع آخر. لكل من النظريتين اتباع ومؤديدن، ولكن هل سأل اي واحد منا هل تتفق أي منهما أو كلاهما مع الموقف الشرعي اتفاقا كليا يحسم الجدل؟ فلو كان اي منهما يتفق مع الموقف الشرعي، فيجب ايقاف العمل بالاخرى وعلى الفقهاء اعتماد تلك التي تتفق مع الموقف الشرعي فقط. والغريب ان الجدل لايزال سائدا، والاشكالية تتكرر كل مرة دون حل.
نظرية الافق المنظم طرحت هذه النظرية للبحث والنقاش في عدد من الجلسات والمناضرات هنا في لندن لحسم الجدل السائد، وتقول النظرية بتحديد مساحة واسعة يتم الاتفاق عليها بين خطوط الطول والعرض بحيث تكون هي محل الافق لتلك المساحة، ويتم تقسيم الكرة الارضية الى مساحات كل واحدة منها تختص بافق، وهذه الفكرة قريبة الى حد كبير من نظرية وحدة الافق، لكن الفرق انه يتم التحديد وفق المساحات الارضية والرؤية الفلكية، كما يلاحظ في ذلك كبر فرق بين الليل والنهار على سطح الارض، والذي هو نتاج للفرق بين مشارق الشمس ومغاربها، فهناك فرق في شروق الشمس بين خطي (صفر- 30) شمالا وبين خطي (40 – 60) شمالا. وذلك بسبب كروية الارض لاغير.
الحكم الشرعي في نظرية الافق المنظم: أن عملية تشخيص ولادة الهلال وتحديد المواقيت ( وحتى مواقيت الصلاة) هي مسالة ترتبط بالموضوع ولا شأن للفقيه بها، بل موضوعها يرتبط بالاعتماد على اهل الخبرة كما هو في تشخيص كافة الموضوعات، حيث ان الموضوع اذا أمكن تشخيصه فلا غبار عليه، اما إذا كان صعب المنال أي يصعب التحقق منه، فيجب البحث عن طريقة للتحقق منه والوصول الى تشخيصه، وهذا يعرف في الفقه الاسلامي (بالطريقية) والذي عبرنا عنه سابقا (بالكيفية). وبهذه العملية لابد من الاعتماد على اهل الاختصاص من الفلكيين في تحديد ولادة الهلال وامكانية رؤيته من عدمها في المناطق التي يستهل بها. ان الجهل بالعلم مسؤولية يتحملها المكلف الذي تقع عليه اعباء تطبيق الشريعة، كما يتحملها الفقيه الذي تصدى للحكم الشرعي، فالشريعة الاسلامية شريعة تطبيقية، وهي ليست مجرد مواد قانونية أو ادبية فكرية توضع على الصفحات من اجل قرائتها، فالمكلف مكلف شرعا في معرفة ما هو مكلف به، فالعقيدة الاسلامية لاتريد منا ان نتوجه لتطبيق الاحكام تطبيقا اعمى دون معرفتها، فهذا يخالف الواقع العقلي، ويجافي حقيقة الشريعة. فالمعرفة تعني ترسيخ الحكم الشرعي وتكريسه للتطبيق بالاتجاه الصحيح، والاسلام لايمنع من النقاش والبحث والتحقيق وصولا الى المعرفة، ولكن العجز وتحجر الموقف عند مسائل معينة تمنع من تطور المعرفة.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |