|
مقالات صورة بشاربين معقوفين! علاء الزيدي / لندن تدخل إلى غرفة الاستقبال في بيت صديقك، فتفاجأ بصورة تتوسط الحائط الرئيسي المواجه للباب، صورة رجل بشاربين كثين معقوفين في نهايتيهما، أو لحية كثة أو خفيفة، أو وجه حليق، ولكن بنظرات مسمرة على وجهك، في كل الأحوال ؛ نظرات تحاول إرهابك وتخويفك، على سبيل إقناعك بأن هذا الرجل هو رب هذا البيت! هذه هي الصورة التقليدية لمعظم البيوت العربية والمسلمة، تقريبا ً. حتى في البيت الإيراني الذي تلعب فيه أم البيت دورا ً محوريا ً يصل أحيانا إلى مصاف الإدارة الفعلية على الأرض، وليست النظرية أو التي على ورقة عقد الزواج، حتى في هذا البيت، لاينازع أحد رب البيت على صورته التاريخية والمرعبة هذه! في بيتنا، لم تكن عندنا مثل هذه الصورة. مات أبونا وأنا، أكبرهم، في الخامسة. الصور التي تركها بالغة الصغر، وتكبيرها يحتاج إلى مبلغ باهظ. ألح صاحب استوديو شكري للتصوير، على والدتي أن تسمح له بتكبير إحدى تلك الصور. قال لها إن والدي كان صديقه وبعض الوفاء لذكراه أن يهدي إلى روحه صورة مكبرة بلا مقابل. رفضت. لعلها رأت أن الأمر يتعلق بـ " قيادة " انتهى زمنها، أو لعلها لم تشأ أن " تسرق " جهد هذا الفنان الكادح. تم الاتفاق في نهاية هذه الجولة من المباحثات على أن يلتقط لي أنا ( 10 سنوات ) صورة رب البيت، ويقبض ثمنها عدا ونقدا. لماذا لم تفكر والدتي، مجرد تفكير، بالتقاط صورة لها هي، ووضعها موضع الصدارة في " حائط الزعامة العائلية "؟ كانت زعيمة العائلة بكل ماللكلمة من معان محتملة : تغزل الصوف في ليالي " الشتاء " الحزينة والمغرقة في الطول تلك، على صوت مذياعنا الهرم وهو ينقل إليها اخبار الانقلابات والنكسات والهزائم والانتصارات، ثم تأخذ خالتي الغزل إلى الحائك، ليتحول بحركات رشيقة من يديه وقدميه إلى بساط جميل زاهي الألوان بديع النقوش، يباع على الفور ولمّا ينقل إلى السوق بعد بثلاثين دينارا ً كانت تعادل راتبا ً شهريا ً لمعلم محترم في عقد الستينات ذاك، ونروح نسبح ونتنعم في بحبوحة الدنانير لاهين ضاحكين، غير متسائلين : لـِمَ لم تتصدر صورة أمنا حائط الزعامة؟ لم يكن لدى أمي من يرهبها، فلاترفع صورتها أو صوتها عاليا. هو المجتمع الذي يوزع البطولات على من هب ودب من الرجال، أكان بواقع على الأرض أم لم يكن. المجتمع الذي يستحيي فيه الرجل من اسم أمه. لماذا تتصدر صور الرجال، حتى المتقاعدون منهم أو العنينون، حائط القيادة في غرفة الاستقبال؟ ولماذا يفرضون على المستضعفين من نسائهم وولدانهم مشاهدة الأخبار السياسية وأنباء الحروب و الكوارث والهزائم والانتصارات والنكسات صباح مساء؟ لمن خلق الجمال والموسيقى والدراما والفكاهة والترويح إذن؟ أيننا من نبينا الصبوح و ابتسامته العذبة وصوته الخفيض. أيننا من ذلك المتساوي مع أضعف الناس فلا صورة ولا صدارة ولا خشونة إلا المكذوب والمنتحل؟ لماذا تلاحقنا الصور الرجالية والعنف والخشونة والتحليلات المتخشبة في كل مكان؟ لقد " زهجـتَ " كما يقول إخوتنا السودانيون!
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |