|
مقالات بابا نوئيل أم بابا...؟ لؤي قاسم عباس
سانتا كروز بملابسه الحمراء ولحيتهِ الطويلة البيضاء يسكن مخيلتي منذ نعومة أظافري وفي كل عيد يمرُّ انتظر هداياه بفارغ الصبر... كنت أتساءل دوماً أين يفرغ بابا نوئيل كيس هدايا الأطفال التي يحملها على ظهره، ولماذا لم يأتي لزيارتي لحد الآن، ومتى يجيْء دوري لاستلام هدية منه. في كل عيد أمني النفس بان دوري قد حان وان هدية بابا نوئيل ستكون تحت وسادتي او ربما سيعوض حرماني تلك السنين الخوالي بهدية كبيرة يضعها تحت السرير. كنت اترك الباب مفتوحاً على مصراعيه وافتح جزءاً من نافذتي، واحتمل برد كانون على مضاضةٍ لأيسر عليه مهمته رغم إيماني بان له قدرات خارقة تمكنه من اختراق الجدران والنوافذ ، لكنني كنت احسب لمجيئه ألف حساب فربما أصاب خللاً ما بعض قدرات الاختراق لديه لذلك أضع الحل البديل للمشكلة الطارئه، كنت أتحين الفرصة لاصطياده والإيقاع به فانصب له الشباك واحتال عليه، فأغمض عينُ وافتح أخرى، وأتظاهر بالنوم لعلي أستطيع الإمساك به، ولو حصل وتمكنت من الظفر به لسكبت العبرات عنده حتى ابلَّ لحيته بسبب تأخره كل هذه السنين عني، فقد كنت أجهد نفسي في البحث عن كلمات عتاب القيها على مسامعه وألومه على هجره إياي. كان ابن جارنا يخبرني في كل عيد أن بابا نوئيل قد حمل إليه الهدايا ولم أتمالك نفسي من أن اقضم أظافري لأُنفِّس عن ثورة الغضب العارمة في داخلي... لماذا يتجاهلني السيد العجوز؟ ولماذا لا يعدل في توزيعه لهدايا الأطفال؟ هل أصيب بابا نوئيل بالخَرَفِ؟ أم انه اخطأ هذه المرة فأراد أن يأتي إلي فذهب مرة أخرى إلى بيت ابن جارنا؟ كنت أدعو بسري على بابا نوئيل وأطلب من الله أن يأخذ عمره ليحل محله بابا آخر أكثر عدالة منه. في آخر عيد لعهد الطفولة طلبت من صديقي أن أبيت ليلتي عنده لكنه رفض بشدة ولؤم شديد. عدت الى البيت وبينما انا انتظر هدية بابا نوئيل أخذتني غفوة فطاف بعالمي حيث أعطاني هدية واعتذر إلي وقدم لي كيس الألعاب بأكمله. سررتُ جداً بهداياه وسامحته على ظلمه. كنت أتمنى أن أطير من مكاني إلى بيت جاري لأخبر صديقي بأنه ليس أفضل مني... وفي الصباح كنت ابحث عن الهدايا في كل مكان فلم أجد لها أي اثر فربما يكون أخي الكبير – المشاكس - قد خبأها عني أو إن أبي يحاول أن يمزح معي. كانت صدمة بالنسبة لي بأن هدايا بابا نوئيل كانت مجرد حلم فليس هناك بابا نوئيل ولا هم يحزنون.. سنين طفولتي أشرفت على الانتهاء فما هي إلا سنوات وسأطرد من عالم الطفولة البرئ إلى عالم آخر لا يعترف به بابا نوئيل وغير مشمول بهداياه. كانت الحرب على أشدها حين سألت والدي عن سر عدم مجئ بابا نوئيل فأجابني مازحاً : بأنه أصيب بعيار ناري أثناء عبوره إلى العراق، فخط الجبهة يشتعل وأنا ابحث تحت السرير عن اثر لبابا نوئيل. لكنَّ صديق – اللئيم - أكد لي مجيء بابا نوئيل إلى العراق ليلة أمس.حينها لم يبق عندي اظفر لأقضمه، بل أكلت حتى جلد أصابعي .. مرت الطفولة البريئة مثل شعاع أو طيف أو سراب وعرفت إن بابا نوئيل الذي كان يأتي إلى ابن جارنا هو والده وهو الجندي المجهول الذي يقوم بدور بابا نوئيل ليدخل السعادة الى قلب أبنه _ على حساب تعاستي طبعاً _ . كم تمنيت أن اخبر ابن جارنا بهذه الحقيقة لأفسد عليه فرحته لكنه كان قد انتقل إلى مكان آخر ولم اعد اعرف أخباره. صرت أنا بابا نوئيل لأطفالي فكنت احملُ لهم هدايا الأعياد واضعها تحت الوسادة أو تحت السرير، لكنني قررت ان أكون بابا نوئيل مختلف عن ذاك النوئيل فكنت أقدم الهدايا لهم في كل الأعياد : عيد الفطر وعيد رأس السنة وعيد الأضحى وعيد نوروز وعيد المولد النبوي وعيد الميلاد المجيد واعياد ميلادهم الخاصة. في عيد الأضحى الفائت وبينما احمل الهدايا لأضعها تحت السرير ظفرت بي ابنتي الصغرى ( ربى ) فأطلق صرخة أشبه ما تكون بصرخة ( ارخميدس ) حين صاح وجدتها... وجدتها، انه بابا لؤي وليس بابا نوئيل كتمت أنفاسها وتوسلت إليها أن تحفظ سري عن أخوتها ووعدتني بأن تحفظ السر. وأخبرتها بأن بابا نوئيل موجود لكن الظروف غير ملائمة للمجئ الى هنا واني أنوب عنه لحين تحسن الوضع الأمني ، في العام القادم سوف يعم الأمان والمحبة والسلام وسيأتي بابا نوئيل ليوزع بنفسه هدايا الأطفال. اقتنعت او تظاهرت بالاقتناع، لكنها كانت تتوعدني قائلة :- بابا اخبر بابا نوئيل بأن يجلب لي ( عروسة فلة ) وألا افضحه أمام الجميع. أمام هذا الابتزاز الواضح لا املك الا ان استجيب لأوامر ابنتي او يفتضح أمري أمام الاخرين ...
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |