الحب والعبادة

 أم رضا الحيدري / بغداد

إن للإنسان ميل فطري يدعوه للتجاذب والارتباط الوجودي والإدراكي، فكل شخص يجد في نفسه تعلقاً وميلاً وارتباطاً يجذبه إلى شيء ما، وتختلف مراتب الجذب من شخص إلى آخر، من صفاء الروح وتوجيهاتهم في الجاذبية. فتلك الفتاة التي كانت بالأمس لا تغادر فراشها إلا بعناء، فتراها اليوم كالبرق الخاطف انطلاقاً إذا سمعت صوت طفلها. انه الحب والحنان الذي برز بصبغة وردية، فأزال عنها الكسل واستبدله بنشاط وحيوية. فان اجل وأوضح محبة فطرية تتضح في الأمومة، فالأم تغرق في عالم اللذة حينما تنظر إلى طفلها فتداعبه وتلاعبه وتلاطفه وتحرص على مراقبته، فالمرأة تُوجت بالرحمة المتجلية في صفات الخالق (جل وعلا) فتبدأ من مجتمعها الصغير ألا وهو الأسرة فتستطيع أن تربي رجالاً ونساءاً بارعين وصالحين يشيدون مجتمعا إسلاميا وحضاريا فذا وشامخا ليصل إلى الكمال الحقيقي والذوب في المعشوق الأزلي دون أن يخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق. والقرآن الكريم يصف حال أم موسى وهي تفارق ولدها وتودعه في الصندوق على سطح الماء (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) ومن آثار الحب والقوة والقدرة استطاعت تلك المرأة الصابرة أن تقف موقفا شجاعا أمام المشاعر والأحاسيس الكامنة في قلبها لترسم للأجيال نوعا من أنواع التضحية والفداء في سبيل خالقها (جل وعلا).

 ويقول الشيخ مصباح اليزدي: (وبشكل عام يمكننا إن نتصور الحب من حيث الشدة والضعف في ثلاث مراتب:

1- المرتبة الضعيفة التي تقتضي القرب إلى المحبوب في الظروف الاعتيادية دون أن يصحب ذلك أي نوع من أنواع التضحية والإيثار.

2- المرتبة الوسطى التي تتضمن بالإضافة إلى القرب الإلهي من المحبوب نوعا من التضحية في سبيله ولكن إلى مستوى لا ينافي المصالح الأساسية للأشخاص.

3- مرتبة الإعجاب العميق التي لاتمنع عن تقديم أي نوع من أنواع التضحية في سبيله، فلا لذة إلا بأتباعه بل يعتبر كمال لذته في تعلقه وارتباطه الوجودي ولذا فهو يعيش غاية اللذة عندما يخضع لمعبوده. فهذه المرتبة هي آية من المحبة التي تجعل الإنسان المحبوب غالبة على أي شيء سوا ه.

 وقد صرح القران الكريم بآيات المحبة والمودة التي تتجانس مع الميل الفطري حينما وصف حب المؤمنين (والذين آمنوا أشد حبا لله).

 (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءا ولا شكورا) صدق الله العلي العظيم.

 

في بنت الرافدينفي الويب