|
مقالات رموز حيَّة عقيلة آل حريز هل تتمثل عقائد الناس في رموز، وهل لهذه الرموز من طريقة تدافع عن نفسها وتثبت أهليتها للاحتفاظ بخصوصية عقائدهم فتبرهن على أنها تعبير لحياة حيّة وليست جامدة أو منطفئة . ماذا إن كان الرمز خرقة سوداء تلتف حول حجر عتيق يطوف به الناس ويتعبدوا، أو وأرض غير ثابتة يقاتلون عليها، أو ورق مكتوب به آيات ملفوفة بالجلد، هل عليه أن يحتفظ بقدسيتها ويدافع عنها دفاع مستميت يفقده حياته وحياة من يتعلق بركابه ؟. أتستحق الرموز منه كل هذه التضحية، ربما يرى البعض أن هذا كثير، فأن يخسر المرء ماله وحياته في سبيل رمز، يبدو غير مقبول كلياً وغير منطقي دوماً، نعم، لربما هذا القول يبدو صحيحاً لو كان الرمز يمثل قيمة جامدة ليست حية، ولا تحوي أمر آخر غير جمود فقط، لكن إن مثل الرمز حياة ومبادئ ورسالات يعيش عليها آلاف الناس وتعني الخلاص لهم بوجودها فالأمر هنا مختلف . إن القناعة بعدالة المبادئ التي تقوم عليها القضية تخدم القضية ومدى مستوى النجاح الذي تحرزه، وليس كل رمز يشكل حياة سيعيشها بشر وسيطالبون بوجودها ذات يوم . لا بد أن يقاتل الإنسان عادة على المبدأ الذي يجسده الرمز، وحين يكون هذا المبدأ أخلاقي فإن الرموز تلتحم من أجل أن تشكل كيان لقضية ينتصر فيها صاحبها، ويحقق على إثرها غاية نبيلة يسع لها، ولهذا فالقناعة بعدالة القضية هي من تخطط لسير المعركة بلا توترات مهما كانت النتائج أليمة وغير مرضية ظاهرياً . لا بد أن نقارن بين ما هو حقيقي وبين ما هو زائف فالمسؤولية تحتم علينا هذا، يستطيع الكثير من الناس أن يتبنوا مواقف مختلفة ويدافعوا عنها، وسواء كانت هذه المواقف صحيحة أم لا فإنها تخصهم، لكن الثبات على موقف واحد طوال الوقت ومع اشتداد الظروف بكل مقاييسها النفسية والبيئية والاجتماعية فهذا يعني أنه يدلل على قضية ذات مبدأ مختلف عن القضايا الأخرى . فإذا ما أمعنا التأمل وعدنا لشخصية قائدها فإننا سنقف طويلاً أمامه وننحني لتاريخه الحافل بصفحات بيضاء وناصعة من الشجاعة والإقدام والمسؤولية وطهارة الروح ونقاء الضمير، ونعرف أنه كان أهلاً لأن يتصدى لقضية كبرى يحمل أبعادها ويمثل رموزها . تعلمنا الحروب بكل ما ترمز إليه، سواء الحروب النفسية أو الحروب البدنية أو هي الاثنين معاً أن نتأمل طبيعة الأشياء وطبيعة الأشخاص وهوية الأمور معها، فالمرء لا يخلو من أن يتعرض لحرب ما، والحرب لا تعني دوماً حمل السلاح والتواجد وسط المعركة، ولا تعني جوع وعطش ودماء، الحروب قد تحدث بالداخل، وقد تأتي من أشخاص نعيش معهم، وأناس نعرفهم ومواقف كثيرة وحياتية نتعرض لها . لقد كان الإمام الحسين (ع) يتبنى قضية الدفاع عن الإسلام، وهي قضية مقدسة، وكان يدافع عنها بماله وأولاده وأصحابه ونفسه التي هي أغلى ما يمتلكه إنسان، كان يقاتل فوق أرض غير ثابتة ويدافع عن بضعة خيام متناثرة، وكان يتلو آيات الله ويذكرهم بدينه، ورغم كل الظروف النفسية والبيئية التي أحاطت بهم، فهو لم يضعف ولم يتراجع ولم يهمه ولا من معه مصير يعرفونه مسبقاً ويدركون كيف أنه سيكون بنهاية مأساوية مفجعة. هنا يمكن أن نفرق بين الرمز الحقيقي والرمز المزيف، خاصة إن عدنا لشخصية صاحب الرمز الحسين عليه السلام ومن معه، وعرفنا من هو وكيف تربى وكيف نشأ وكيف كان يمثل رمز لمقاومة الظلم والدفاع عن الحرية والحقيقة.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |