|
مقالات الحلة في الذاكرة (14).. أطباء عراقيون في الحلة لكنهم ليسوا منها
الدكتور عدنان الظاهر
تناولت في الحلقة 13 من مسلسل الحلة في الذاكرة قصص بعض الاطباء العرب ممن خدموا مهنة الطب في مدينة الحلة لسنين طويلة تجاوزت العشرين عاما [ 1940 ـ 1962 ] حتى ان البعض منهم اقام في الحلة ولم يبرحها بعد حملهم الجنسية العراقية ولا اعرف ما الذي اغراهم بالبقاء في الحلة والعراق. الحلقة 14 تتناول فئة اخرى من اطباء عراقيين لكنهم في الاصل ليسوا من مدينة الحلة. فمن بين الاطباء غير الحليين الذين عاصرت طفلا ثم شابا للفترة الزمنية المذكورة اذكر الاتين :
1 ـ الطبيب حميد شلاش طبيب نجفي الاصل اصهر مع الوجيه الحلاوي المعروف السيد عبد الرزاق شريف واقام معه في بيته الكبير على ضفة نهر الفرات / فرع الحلة الواقع في قلب المدينة ليس بعيدا عن مبنى متصرفية لواء الحلة كما كانت تدعى يومذاك، تقابلها تماما بناية كبيرة كانت مدرسة خاصة لليهود تُسمى ( أسكول ). كما كانت لهذا الطبيب عيادة خاصة تقع في ركن من اركان بيت عمه. اتذكر جيدا اوائل اربعينيات القرن الماضي اللوحة المعلقة فوق باب عيادة الطبيب حميد شلاش تحمل اسمه في السطر الاعلى وفي السطر الاسفل منه كتابة اخرى تقول (( طبيب أخصائي )). كنا نحن اطفال ذلك الزمان نجد متعة خاصة في متابعة وقراءة وفك الغاز لوحات الاعلانات واسماء دوائر الحكومة وعيادات الاطباء وغير ذلك. اتذكر جيدا اني كنت احسب ان الدكتور حميد شلاش طبيب مختص بعمليات اخصاء الرجال... هكذا فهمت كلمة (( أخصائي )) !! كان المالوف ان يكتب غيره من الاطباء (( طبيب إختصاصي بامراض القلب مثلا )) وليس أخصائي... المهم، غاب شلاش عن الحلة لاسباب اجهلها.
2 ـ الدكتور علي الحلي طبيب آخر جاء الحلة من النجف او كربلاء وتزوج وبقي فيها حتى وافته المنية المحتومة. تزوج الطبيب الحلي هذا كريمة السيد عبد الكريم الفلوجي شقيقة المحامي إقبال الفلوجي. تدرج في وظيفته فغدا مديرا لمستشفى الحلة ثم رئيسا لصحة اللواء. لكن عليه مؤآخذتين كبيرتين معروفتين في الوسط الحلي. ما كان نزيها في علاقاته ببعض الممرضات اولا (( الحلة تعرف قصته مع احداهن في الاقل ))، ثم إنه كان يقوم بعمليات جراحية رغم انه ليس جراحا مختصا. لذا جاء الحلة عام 1951 طبيب جراح نمساوي اسمه هانس هانزل وطبيبة نمساوية اسمها جيرترود ماير، كانت لهما عيادة مشتركة مقابل محطة البنزين / البانزينخانة في محلة التعيس من الحلة بجوار دار السيد عبد العباس مرجان. كانت عيادة لهما ودارا للسكن في عين الوقت. بمجئ الطبيب الجراح النمساوي توقف الطبيب علي الحلي عن اجراء العمليات الجراحية وقيل في حينه انه مُنع من ذلك منعا باتا. دأب الجراح النمساوي على قطع المسافة بين داره ومبنى المستشفى مشيا على قدميه رغم برودة بعض ايام الشتاء القارصة. كنت الاقيه صباح كل يوم تقريبا انا في طريقي للدوام في ثانوية الحلة للبنين وهو في طريقه للدوام في مستشفاه. اتذكر جيدا كيف كان يرد على تحية من يحييه من اهل الحلة اكراما له واعترافا بما كان يقدم من خدمات في مجال الطب والعمليات الجراحية بشكل خاص. ما كان يصافح من يسلم عليه ولا يتكلم بل كان يرفع قبعته من على راسه مع خفض الراس قليلا من باب الاحترام وما كنا على دراية بهذا الاسلوب من التحية او رد التحية في ذاك الزمن. يروى عن زميلته الطبيبة جيرترود ماير انها ـ وكانت طبيبة نسائية ـ عالجت ذات ليلة وكانت خفيرة في المستشفى رجلا يعاني من احتباس في امعائه وكان امامه خياران : اما ان يموت او ان يطلق الغازات المحتبسة في احشائه. كانت تشجعه ان يضغط على بطنه وان يحاول جادا اخراج ما فيها من هواء محبوس ولكن دون جدوى. تذكرت وهي المختصة بالامراض النسائية والتوليد ان النساء في الحلة ممن عالجت ساعات ولاداتهن يصرخن مع كل ( طلقة ) بنداء مجلجل : يا علي تسهيلا لمهمة نزول الطفل من بطن امه. وهكذا صارت تصرخ وهي تشجع الرجل المعاني من خطر الغازات السامة في امعائه في ان يضغط لاطلاقها [[ أن يضرط ]] مستعينة بصرخة (( يا علي )) حاسبة ان هذه الصرخة تصلح لجميع الحالات المشابهة لعملية ولادة طفل !! كان الطبيب علي الحلي مستاءً جدا من ثورة تموز 1958 حيث اقصي عن رئاسة الصحة لذا رفض تسديد بدل عضويته في نقابة اطباء الحلة واعرف تفاصيل هذه المسالة. لعلي الحلي اشقاء اخيار منهم باقر ( درس في كلية الحقوق في بغداد كما كانت تسمى حينذاك ) والمهندس عبد الامير وثالث لا اتذكر اسمه كان ميالا كثيرا للعزلة ولا يختلط باحد. لماذ اطلق على نفسه لقب ( الحلي )، وهل لهذا الامر من علاقة بتمشية المهنة والعيادة بالانتساب الى الحلة ؟ ام ان اصل اهله واجداده من الحلة فعلا ؟
3 ـ الطبيب ضياء حلاوي ما الفرق بين حلي وحلاوي ؟ طبيب آخر لا اتذكر اصل مدينته جاء الحلة وفتح له عيادة خاصة ليس بعيدا عن متوسطة الحلة للبنين في وسط المدينة. التحق به بعد فترة ليست طويلة اخوه المحامي فشارك مبنى عيادة اخيه ليفتتح بها له مكتبا للمحاماة. كان الطبيب ضياء حلاوي يزور كل امسية صيفا بيت السيد مرزة القزويني على شاطئ الفرات المخصص لاستقبال الضيوف ويسهر هناك لكنه لا يشارك بما كانوا يخوضون من موضوعات. كان يتخذ مكانه على طرف احدى القنفات المعدة للضيوف بعيدا قليلا عن الباقين ويدخن من سجائره الخاصة وليس مما يقدم له خادم آل القزويني المخلص الامين وهو رجل زنجي يعيش مع كامل عائلته في كنف أبي فخري السيد مرزة. مع السجائر كانت تقدم للضيوف الدائمين فناجين القهوة الرائعة الطعم والرائحة من تهيئة الخبير اياه حارس وخادم اهل البيت. نعم، حارس، كنت اراه يجلس في سيارة الجيب خلف أبي فخري وبدري في حضنه رشاشة حينما كان أبو فخري يزور مزرعته واراضيه الزراعية في ضواحي الحلة. علاقتي واخوتي الاقوى بالسيد بدري الرجل الكريم خلقا وسلوكا وادبا وثقافة والجم التواضع. كان حريصا في اربعينيات القرن العشرين على حضور مجالس قراءة التعازي نهار يوم عاشوراء وكنت مع اخي الاكبر مني نحضر معه ونجلس في غرفة خاصة معدة لبعض الضيوف في بيت قريبه ابي موسى السيد جعفر القزويني حيث كانت تنتهي المواكب وتختتم الشعائر والطقوس من لطم مصاحب لقراءة المقاتل. تركت العراق وكان الصديق الجليل والاب السيد بدري مرزة القزويني قاضيا في المحاكم فهو خريج كلية الحقوق. لبدري وفخري شقيق هو الاصغر والاخير فيهم... انه السيد فائق، كما ان لهم شقيقة وحيدة هي وداد. لبدري ابن عم طبيب درس في النمسا اسمه شجاع علاء الدين القزويني اقام هناك وسمعت قبل بضعة اعوام انه للاسف رحل الى العالم الاخر. جرني الحديث عن الطبيب ضياء حلاوي للحديث عن اصدقائنا من آل القزويني ممن تربطنا بهم وشائج قوية جدا خاصة وما كانت المرحومة والدتي تفارق السيدة عمة فخري وبدري وديوانها العامر على مدار السنة تثقف نساء الحلة وتقدم لهن الاستشارات والطعام والمعونات المالية فضلا عن مجالس العزاء الحسينية المتميزة تحت اشراف هذه السيدة الجليلة. عودة للطبيب السيد ضياء حلاوي. إذا كان علي الحلي يجري عمليات جراحية في المستشفى العام مغامرا بارواح المرضى فان الطبيب ضياء حلاوي قام بما هو اشنع من ذلك.عالج في عيادته اصبع قدم طفل يقرب لي ففشل العلاج وتفاقمت حالة الطفل الصحية. عرض على ذويه ان يجري له عملية استئصال معظم الاصبع المصاب مقابل عشرين دينارا من دنانير ذاك الزمان. وافقت عائلة الطفل واجرى العملية فاستاصل الكثير من اصبع قدم الطفل اليسرى علما انه غير مختص بالجراحة. تماثل الطفل للشفاء لكنه ظل طوال عمره لا يستطيع المشي كباقي الناس. طب ام شعوذة وجوع لجمع المال الحرام ؟ لقد ابتاع الدكتور حلاوي قطعة ارض كبيرة في بستان في منطقة لا احلى منها وابتنى قصرا له فيها ليس بعيدا عن النهر وثانوية الحلة القديمة للبنين والمكتبة العامة ومقابل قاعة المسرح والعروض الموسيقية والغنائية. يحيا الطب !! بقرة حلوب وسماء تمطر اموالا وجاها.
4 ـ الدكتور حسين هاتف العطية طبيب آخر جاء الحلة آواخر اربعينيات القرن المنصرم فاقام فيها وتزوج فتاة حلاوية وقيل عنه في حينه انه من اهالي الشامية. لكن احد اصدقائي المخضرمين نفى ذلك وقال انه حلاوي لكني احسب ان الرجل من الشامية. له اخوان هما السيدان محمد علي وصفاء وشقيقة واحدة.
5 ـ اطباء آخرون جاءوا الحلة ولم يمكثوا فيها طويلا اتذكر من بين هؤلاء الاطباء اقدمهم وهو طبيب الاسنان مهدي الصندوق. الطريف ان شقيقة الطبيب الصندوق جاءت الحلة عام 1951/ 1952 مع زوجها الضابط الموصلي السيد عزت رفعت البكري والد الصديق سعد لكن هذه العائلة لم تمكث في الحلة طويلا فضباط الجيش دائمو التنقل بين الوحدات والمدن. ثم الطبيب النجفي احمد العندليب خريج الجامعات التركية وكان طبيبا عسكريا يخدم الجيش العراقي لفترة محددة كما كانت تقضي قوانين ذاك الزمان. افتتح له عيادة في احد بيوت مجمع بناية السيد سعيد الامين الضخمة الواقعة بين المدرسة الشرقية الابتدائية ومتوسطة الحلة للبنين على ساحة دائرية كبيرة. كما جاء الحلة طبيب العيون السيد موسى الشابندر وشغل واحدا من دور سعيد الامين آنفة الذكر عيادة ً وسكنا له وزوجه الانجليزية. كثرة من الاطباء سكنوا بيوت هذه العمارة او اتخذوا منها عيادات لهم منهم امين الرفاعي ثم الطبيبة زينب الراوي وغيرهما.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |