|
مقالات قضية المرأة / قضية الإنسان (7) محمد الحنفي
المرأة والإسلام وقد بقول قائل ان ما ذهبنا إليه في الفقرات السابقة مجانب لما جاء به الإسلام، وهو قول مردود خاصة وان الدارسين لنصوص الدين الإسلامي يقرون بان الإسلام هو دين الرحمة، ودين الحق والعدالة. وهو ما يجعلنا نتساءل: هل من الرحمة استبداد الرجل بالمرأة؟ وهل من العدالة تكريس دونية المرأة باسم الإسلام؟ وهل من الحق حرمان المرأة من حقوقها المختلفة؟ إننا أمام تناقض صارخ بين القول بان الإسلام الذي جاء ليحرر الإنسان وفي نفس الوقت يتم الاستبعاد القانوني للمرأة باسم الإسلام. فكيف يعمل الإسلام على تحرير الإنسان، و المرأة إنسان؟ كيف يستعبد المرأة ويكرس تبعيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية للرجل؟ والواقع ان الإسلام جاء فعلا ليساهم في تحرير الإنسان لينقل الرؤية إليه من واقع الى واقع آخر.فهو قبل الإسلام شيء وبعد ظهوره شيء آخر، والمرأة كانسان نالت بعضا من حربتها وملكت بعضا من قيمتها كالرجل،وأصبحت مساوية له في الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وما ورد من فروق بينها وبين الرجل يرجع الى الطبيعة البيولوجية للمرأة وللرجل كذلك وتلك الطبيعة تجعل مطالب المرأة اكثر إلحاحا في عصرنا هذا، كما يرجع الى الشروط الموضوعية التي كانت في ذلك الوقت تفصل الرجل على المرأة. وتجعل المجتمع ككل تحت رحمة الرجال. والإسلام في مرحلة نزول القران الكريم كان يراعي هذه الشروط التي تتغير بشكل سريع، فتتغير بذلك الأحكام بنزول الآيات التي تنسخ آيات سابقة وهو ما اصبح يعرف عند المفسدين بأسباب النزول،وبالناسخ، والمنسوخ الذي رصدت له كتب بكاملها. وقد وردت نصوص عدة عن المرأة في القران الكريم تكرس المساواة بينها وبين الرجل مع مراعاة الفروق الجنسية الذي يؤدي الى اختلاف في الخطاب الموجه لكل منهما، ومن تلك النصوص نجد: 1- قوله تعالى: ( والمومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض ) 2- قوله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها. وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) وهو قول يؤكد المساواة بين الجنسين في الأصل والتقوى وفي الآفاق المستقبلية. 3- قوله تعالى:( قل للمومنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون،وقل للمومنات يغضضن أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن... ) وهو قول يساوي بين الرجل والمرأة. ومن جهة اخرى باعتبار التحلي بالوقار والحشمة كأخلاق حميدة تعني الرجل كما تعني المرأة، ومن جهة اخرى يزيد من الخطاب الموجه للمرأة كخصوصية نظرا للقصور الذي أصابها في ذلك الوقت بسبب العقلية التي كانت سائدة قبل مجيء الإسلام. 4- إعادة تربية المرأة على قيم الاحترام والكرامة الإنسانية. والقضاء على كل القيم الجاهلية التي كانت سائدة من قبل. وإذا كانت الآيات التي أوردناها في هذا السياق لا توحي بتكريس دونية المرأة، فان ما ينسب الى الإسلام مما يرد في القران الكريم قد يكون باطلا إذا لم تثبت صحته. وما ورد من فرق واضح بين المرأة والرجل يخص الإرث ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) يعتبر متقدما بالنسبة الى ما كان سائدا في الجاهلية حيث كانت المرأة تورث ولا ترث بالإضافة الى مراعاة الشروط الموضوعية في ذلك الوقت. والتي كانت تحكم على المرأة بالمكوت في البيت. والاكتفاء بالإنجاب وتربية النشء. وإذا أجاز القران الكريم للرجل ان يتزوج اكثر من واحدة كما جاء في قوله تعالى: ( احل لكم النساء مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم ان لا تعدلوا فواحدة او ما ملكت إيمانكم ) فان ذلك ناتج عن: أ- ازدياد عدد النساء على عدد الرجال في المجتمع بسبب كثرة من يموتون في الحروب التي صاحبت ظهور الإسلام. ب- استحالة تحقيق العدالة بين النساء مما يرجح اكتفاء الرجل بامرأة واحدة. ج- استمرار تأثير ثقافة ما قبل الإسلام في المجتمع الذي امن أفراده بالدين الإسلامي. د- مراعاة الشروط الموضوعية التي تقطع مع ما قبل الإسلام. ه- الرغبة في تطهير المجتمع الإسلامي من الدعارة التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي حيث كانت تنتشر الدور الخاصة بها. كما تنتشر صواحبات الرايات. 7 ) وإذا ورد قوله تعالى: ( الرجال قوامون عن النساء ( للقول بمبدأ قوامة الرجل على المرأة )، فان القوامة في ذلك الوقت تقتضيها ظروف المرأة التي كانت تعاني من القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهذه الشروط تغيرت الآن ولم تعد قائمة و أصبحت أيضا قوامة على الرجل في أمور، والرجل قوام على المرأة في أمور اخرى. وهو ما يجعل مفهوم القوامة متبادلا بين الرجل والمرأة وهو ما يفيد معنى الاية الكريمة ( والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض ). وقد انصف القران الكريم النساء في قوله تعالى: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها في زوجها وتشتكي الى الله والله بسمع تحاوركما) وهو إنصاف يزكي المساواة بين الجنسين في الإسلام. وما رصدنا بعضه من خلال الآيات الواردة في القران الكريم يحيلنا الى بعض ما ورد في الحديث الشريف حيث نجد ان: 1) قول االرسول ( ص ): ٌ لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض واسود إلا بالتقوى ٌ يساوي بين الناس جميعا بقطع النظر عن جنسيتهم او لغتهم، او لونهم ماداموا يتقون الله، وتقوى الله تعني في عمقها احترام كرامة الإنسان. وفي نفس المعنى نجد قول الرسول: الناس كأسنان المشط. 2) وقول الرسول ( ص): كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها وهو قول يحدد مجال المسؤولية انطلاقا من الشروط الموضوعية التي تحكم المجتمع ككل. وتحكم الرجل والمرأة معا. هذا من جهة ومن جهة اخرى نجد ان الحديث يقرر ما يفهم من قوله تعالى ٌ والمومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض ٌ 3 ) وبعض الأحاديث تعطي للمرأة الأفضلية على الرجل كما جاء في الحديث: ٌ من احق الناس بحسن صحابتي قال أمك قيل ثم من؟ قال أمك. قيل ثم من؟ قال أمك، قيل ثم من؟ قال أبوك ٌ وهذا الحديث يعكس الأهمية التي تحتلها المرأة في المجتمع، وان سلامة المجتمع رهينة بدور المرأة في إعداد الأجيال الصاعدة، وهو ما يكسبها مكانتها التربوية. واذا وردت في الكتب أحاديث تكرس دونية المرأة فان ورودها يرجع الى أحد أمرين: الأمر الأول: كون تلك الأحاديث تنطلق من الشروط التي كان يعيشها المجتمع في ذلك الوقت، والتي تكرس سيادة الرجل على المرأة. الأمر الثاني: كونها لا ترقى الى مستوى الاستشهاد بها واعتمادها في القول بشرعية دونية المرأة الذي ينفذ قول الرسول ( ص): ٌ اتقوا هذه الحميرى فإنها نصف دينكم ٌ يشير الى عائشة رضي الله عنها ويوحي بأفضليتها على الرجال علما وعملا، وفهمها لرسول الله ( ص ) وحبها لنبوته. كما قالت عنه: ٌ كان خلقه القران. وحسب هذه النصوص المأخوذة من القران الكريم ومن الحديث الشريف فان نظرة لإسلام الى المرأة لا يمكن ان تكرس الدونية بقدر ما ترفع من ما كانت عليه قبل الإسلام. إلا ان المتنبئين الجدد وبحكم ادلجتهم للدين الإسلامي وقولهم بجمود الشريعة الإسلامية، وحرصهم على تأويلاتهم المغرضة لنصوص القران الكريم واعتمادهم الأحاديث التي تخدم أهدافهم يصرون على تقرير دونية المرأة في الإسلام وهو ما يتنافى مع روحه. وإذا ما انتقلنا من النصوص الى ما صار يطلق عليه الإسلام الشعبي نجد ان هذا الإسلام وبسبب الأمية التي لازالت تسري على نسبة كبيرة من الطبقات الشعبية الكادحة يمتزج بالفكر الخرافي، وبالأساطير والفكر المغرق في المثالية. وبالتالي فموقف الإسلام الشعبي لا يعتد به, ولا يمكن اعتباره صائبا، لأنه مجرد خليط من الخرافات والإيديولوجيات. وكل ما يسئ الى المرأة ويحط من كرامتها. وهذا الإسلام يحتاج الى التطهير من الفكر الخرافي. ومن الإيديولوجيات ومن كل الممارسات التي لا علاقة لها بالإسلام حتى يلعب دوره في إعادة تربية أبناء الشعب المسلم والكادح على القيم النبيلة، واحترام كرامة الإنسان. سواء كان رجلا او امرأة. وتعمل العادات والتقاليد والأعراف على تشويه صورة الإسلام الشعبي لكونها تحسب من الإسلام، وهي لا علاقة لها به، وقلما نجد ان ما يمارس من العادات والتقاليد والأعراف يحترم القيم الإسلامية الحقة إلا ان أد لجة الدين الإسلامي تتدخل لتوظيف الإسلام الشعبي مما يزيده إفسادا ومخالفة للقيم الإسلامية النبيلة. ولذلك فاعتبار العادات والتقاليد والأعراف الممارسة في البلدان الإسلامية من الإسلام يجانب الحقيقة نظرا لتوظيفها لإهانة المرأة، وهو ما يتنافى مع حقيقة موقف الإسلام الذي أشرنا إليه اعلاه.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |