فهم
آيات القرآن الكريم، يجب أن يرتبط بالشروط الموضوعية في
الزمان، والمكان(2)
محمد
الحنفي
3) وأئمة المساجد المؤدلجون
للدين الإسلامي، والذين يشكلون الغالبية العظمى على مستوى
البلاد العربية، وعلى مستوى باقي بلدان المسلمين في نفس الوقت،
يكونون محكومين بهاجس إشاعة الفكر الظلامي المتخلف، من أجل
إعداد مجال استقطاب المسلمين، الذين يرتادون المساجد، إلى
مختلف التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي. فنشر الفكر الغيبي في
مستوياته المختلفة، وإشاعة الفكر الخرافي، وتسفيه الفكر
التنوير، والعلمي، واعتباره فكرا مستوردا، وفكرا للكفار،
والملحدين، والعلمانيين، والصهاينة، وغير ذلك من الأوصاف التي
صار يوظفها مؤدلجو الدين الإسلامي، يعتبر من السمات التي صارت
تميز أئمة المساجد، الذين يعملون على إشاعة أدلجة الدين
الإسلامي.
وكون غالبية أئمة المساجد من مؤدلجي الدين الإسلامي، فان ذلك
يهدف إلى:
ا ـ الحرص على توظيف الدين الإسلامي إيديولوجيا، وسياسيا، من
أجل العمل على فرض استبداد بديل، يتجسد في إقامة "الدولة
الإسلامية"، التي تعتبر الإطار المناسب لتحقيق التطلعات
الطبقية لمؤدلجي الدين الإسلامي، وبالسرعة الفائقة، وباسم فرض
"تطبيق الشريعة الإسلامية".
ب ـ الحرص على الاستئثار بتجييش القطاعات الاجتماعية العريضة،
التي تعاني من الأمية، والفقر، والمرض، والعطالة، وغيرهم. حتى
يصيروا وسيلة ضغط في اتجاه تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل
على فرض استبداد بديل، حسب التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي.
ج ـ استدراج ذوي الثروات الهائلة إلى الارتباط بمؤدلجي الدين
الإسلامي، بقطع النظر عن مصادر ثرواتهم، هل هي مشروعة؟ أو غير
مشروعة، لأن الذي يهم مؤدلجي الدين الإسلامي، هو ضمان مصادر
التمويل الاقتصادي، والاجتماعي، حتى يستطيع مؤدلجو الدين
الإسلامي التغلغل في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة.
د ـ العمل المستمر على تغيير ميزان القوى لصالح الحزبوسلاميين،
من أجل ضمان وصولهم إلى مراكز القرار، والى الحكومة، حتى
يعملوا على تسريع عملية التسلق الطبقي لمؤدلجي الدين الإسلامي.
وعملية توظيف الدين الإسلامي في الأمور الأيديولوجية،
والسياسية، من قبل معظم الأئمة المؤدلجين للدين الإسلامي، تؤدى
إلى:
ا ـ تسييد العداء المطلق لمرجعيات حقوق الإنسان: الإقتصادية،
والإجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والمتمثلة في
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مختلف المواثيق الدولية
المتعلقة بحقوق الإنسان.
ب ـ تسييد العداء للدولة الحديثة، التي تتمثل فيها دولة الحق،
والقانون، باعتبارها دولة غير "إسلامية"، تجب محاربتها، والعمل
على انهيارها في حالة قيامها، من أجل إقامة "الدولة الإسلامية"
على أنقاضها.
د ـ تسييد الفكر الغيبي، الذي يرهن حياة البشر بالغيب، كأساس
لتكيس الاستبداد القائم، أو للعمل على فرض استبداد بديل.
ه ـ العمل على اعتبار الفكر الخرافي، وأساطير الأوليين، من
مصادر بناء الفكر المؤدلج للدين الإسلامي، حتى لا تتسرب إليه،
المقولات العلمية، التي قد تدفع في اتجاه التخلي عن أدلجة
الدين الإسلامي.
وبذلك يتبين للقاصي، والداني، أن أئمة المساجد، الذين يقوم
وجودهم على أساس أدلجة الدين الإسلامي، والذين يشكلون الغالبية
العظمى من أئمة المساجد في البلاد العربية، وفي باقي بلدان
المسلمين، يعملون، وبدون هوادة، على إغراق البلاد العربية،
وباقي بلدان المسلمين، في عملية الأدلجة الدينية، التي تدخل
هذه المناطق الشاسعة في بحر ظلمات أدلجة الدين الإسلامي، وهو
ما يعطينا الحق، لأن نسمي هؤلاء الأئمة ب "فقهاء الظلام".
والظلام بالنسبة إلينا نقيض التنوير. فالظلام يؤدي إلى التوقف،
ثم التراجع إلى الوراء، مما ينتج عنه التخلف في جميع المجالات:
الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، والسياسية. أما التنوير،
فيضيء الطريق، مما يساعد على التقدم، والتطور المستمرين.
2) وبعد الوقوف على ضرورة التمييز بين الأئمة التنويريين،
الذين يقدمون الدين الإسلامي على حقيقته، وبين الأئمة العاملين
على ضرورة أدلجة الدين الإسلامي، التي تحولهم إلى مجرد أئمة
ظلاميين، ينشرون الظلام في جميع البلاد العربية، وفي باقي
بلدان المسلمين، نمر إلى مناقشة ما دعانا إليه السيد فايز عزيز
من لندن، مما يتعلق بتفسير آيات تدعو إلى مواجهة الكفار،
والملحدين، والمشركين، واليهود، والمسيحيين، وغيرهم، ممن نصبوا
أنفسهم أعداء للمسلمين في عصر البعثة النبوية، فتمت مواجهتهم
بالوحي، وبالعمل. فنقول للسيد فايز عزيز:
ا ـ إن الآيات التي بعث بها ألينا عير البريد الإلكتروني، جاءت
في سياق المواجهة بين المسلمين، وبين من يسعى إلى القضاء عليهم
من المشركين، والكفار، واليهود، والنصارى، في ذلك العصر.
ولذلك، فلا يمكن اعتمادها في عصرنا هذا، الذي صار يعرف وسائل
أخرى تمكن المسلمين من تقديمهم الدين الإسلامي إلى البشرية،
وبجميع اللغات؛ أي أن اعتماد السيف في الدفاع عن الدين
الإسلامي، لم يعد واردا، نظرا لتوفر البدائل.
ب ـ أن تفسير الآيات المذكورة، أو شرحها، أو تأويلها، يجب أن
يرتبط بالزمان، والمكان، وبمدى استيعاب لغة القرآن، وبمدى ضبط
آليات القراءة، والفهم، قبل التفسير، والشرح، والتأويل؛ لأن
ضبط الآليات يعتبر شرطا للقراءة، والفهم، والشرح، والتفسير،
قبل الإقدام على التأويل. وأئمة المساجد، في معظمهم، لا يضبطون
الآليات، ولا يفهمون، ولا يفسرون، وإنما يحفظون عن ظهر قلب،
التأويلات التي يصدرها أمراء المؤدلجين، ويقيسون عليها في
تأويل ما قاربها، من أجل التمرس على أدلجة الدين الإسلامي، حتى
يتقربوا بذلك من أمرائهم. وهذا النوع من الأئمة، لا يقرأ آيات
القرآن انطلاقا من الشروط الموضوعية التي يعيشونها، بل من
منطلق ما يتناسب مع التأويلات المركزية، التي يعتمدها كل تيار
أيديولوجي داخل منظومات مؤدلجي الدين الإسلامي.
وانطلاقا من ضرورة اعتماد تفسير القرآن على الشروط الموضوعية
القائمة في الزمان ، والمكان، نجد أن التفاسير تختلف من مكان،
إلى مكان، ومن زمن، إلى زمن، لاختلاف الشروط الموضوعية، ولتطور
العلوم، والمعارف، والآداب، والفنون، ولاستمرار تعميق الفكر.
فمفسرو عهد نزول الوحي، الذين يرتبطون بفطرية اللغة، والفهم،
والحياة، ليسوا كمفسري عهد الخلفاء الراشدين، الذين يختلف عنهم
مفسرو عهد بني أمية، ثم مفسرو عهد بني العباس، ثم مفسرو مرحلة
العثمانيين. ومن جهة أخرى، فمفسرو المشرق العربي، يختلف عنهم
مفسرو المغرب العربي، وهكذا...
وبناء على ذلك، فالتفسير لا يكون إلا نسبيا. أما الإطلاق، فأمر
يصعب الأخذ به، إلا من باب الادعاء.
وما قلناه في تفسير القرآن، نقوله أيضا في تأويلات مؤدلجي
الدين الإسلامي، الذين تختلف تأويلاتهم بحسب الزمان، والمكان،
نظرا لاختلاف الشروط الموضوعية، التي تحكمهم. وهذا الاختلاف في
الزمان، والمكان، هو الذي يجعل تيارات، وتوجهات، وتأويلات
مؤدلجي الدين الإسلامي أيضا، تختلف من زمن، إلى زمن، ومن مكان،
إلى مكان آخر، بل إننا نجد أنه في المكان الواحد، نجد أن
الشروط الموضوعية التي لها علاقة بالتصنيف الطبقي، والذاتية
التي لها علاقة بطبيعة الأفراد، تؤدي إلى تعدد التيارات،
والتوجهات، التي تؤدي بدورها إلى اختلاف التأويلات، كما هو
حاصل في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين.
ج ـ أن عصر نزول الوحي عرف شيئا اسمه الناسخ، والمنسوخ من آيات
القرآن، مما يؤدي إلى أن نزول الوحي ارتبط بالشروط الموضوعية،
المتحولة، والمتغيرة، التي أحاطت بحياة الرسول، وصحابته في ذلك
الوقت. وارتبطت، في نفس الوقت، بنزول الوحي. ولو رجع مؤدلجو
الدين الإسلامي إلى مرحلة نزول الوحي، ودرسوها دراسة علمية
دقيقة، وبدون خلفيات إيديولوجية، وبدون توظيف هذه المرحلة
لتحقيق أهداف سياسية، لأدركوا أن معظم ما جاء به الوحي نسبي،
وأن المطلق فيه يتجسد في الإيمان بالله، وأن هذا الإيمان تختلف
درجة عمقه من مسلم إلى مسلم آخر، وأن ما يترتب عن الإيمان من
عبادات، حتى وإن كان يتخد طابع الإطلاقية، فهو أيضا نسبي، كما
تدل على ذلك المذاهب الدينية المختلفة، وما يعتمده كل مذهب في
إعطاء فهم معين للنصوص الدينية، وخاصة ما ورد في القرآن.
د ـ إن الفقهاء، وعلماء الدين الإسلامي، حاولوا، على مر
العصور، أن يفهموا الكتاب، والسنة، انطلاقا من شروطهم
الموضوعية: الزمانية، والمكانية، مما جعلهم يكتسبون مصداقية
تاريخية، من خلال مساهمتهم الفعالة، والفاعلة في الواقع
المعرفي العام، وفي الواقع الفقهي الخاص. على خلاف مؤدلجي
الدين الإسلامي في عصورهم المختلفة، الذين كانوا يستنسخون ما
تبلور من تأويلات لدى المؤدلجين الأوائل، والذين كانوا يصوغون
المقولات التي كانوا يدفعون في أفق جعل جميع أفراد المجتمع
المعجبين يرددونها. وهؤلاء المؤدلجون الذين كانوا يشكلون أمل
كبح لمختلف الحركات الهادفة إلى تطوير الواقع في تجلياته
المختلفة، لا يصح أن نسميهم بالفقهاء، ولا بعلماء الدين
الإسلامي، لأن مهمتهم تنحصر في البحث عن الكيفية الأنجع لخدمة
المصالح الطبقية للمؤدلجين بواسطة أدلجة الدين الإسلامي، ليس
إلا:
وبذلك، يتبين أن ما اقترحه علينا السيد فايز عزيز، من تفسير
لآيات كريمة، اعتمدت في العمل على حماية المسلمين من المشركين،
ومن الكفار، ومن اليهود، ومن المسيحيين، الذين كانوا
يستهدفونهم، ويستهدفون دعوتهم إلى اعتناق الدين الإسلامي، الذي
كان يشكل خطورة كبيرة على مصالحهم الطبقية، كما تبين ذلك من
خلال ممارستهم اليومية أثناء نزول الوحي، لا يصلح في عصرنا
هذا، لاختلاف الشروط الموضوعية.
ففهمنا للقرآن، وللسنة الثابتة، والصحيحة، يقتضى استحضار
الشروط الموضوعية، والسريعة التحول، حتى يصير فهمنا، وتفسيرنا،
بل تأويلنا، إن دعت إليه الضرورة، متلائما مع الشروط الموضوعية
التي نعيشها، من أجل أن لا يقوم في الواقع تناقض بين ما نفهمه
من النصوص الدينية، وما نعيشه على ارض الواقع؛ لأن التناقض
الوحيد القائم، وعلى مدى تمرحل التاريخ، بما في ذلك مرحلة نزول
الوحي، هو التناقض الطبقي في مستوياته الأيديولوجية،
والسياسية. وما سوى ذلك التناقض، ما هو إلا افتعال لتضلل
الكادحين، لصالح الاستبداد القائم، أو لصالح الاستبداد البديل،
الذي يسعى مؤدلجو الدين الإسلامي إلى فرضه على المسلمين في
البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.
فهل بعد هذا يمكن القول: بان الشروط الموضوعية، التي تحكمت في
فهم المسلمين الأوائل للقرآن، والحديث الثابت، والصحيح، هي
نفسها التي لا زالت تتحكم في عصرنا هذا، كما يريد ذلك مؤدلجو
الدين الإسلامي؟