مقدمة
في المجتمع
البورجوازي الاستغلالي القائم على أساس ادعاء احترام حقوق
الإنسان بصفة عامة، وحقوق المرأة بصفة خاصة، يقولون بأن
المرأة، بوصولها إلى الحصول على أعلى الدراجات العلمية،
وباشتغالها في مجالات التعليم، والصحة، والمهن الحرة،
وباشتغالها في مختلف الوظائف، وانخراطها في الجمعيات،
والنقابات، والأحزاب السياسية، وبوصولها إلى المؤسسات
التمثيلية المحلية، والإقليمية، و الجهوية، والوطنية، في
المجتمعات البورجوازية، تكون قد وصلت إلى درجة عليا،
تؤهلها لتحمل المسؤوليات الحكومية. تكون قد بلغت، في هذه
المجتمعات، درجة الريادة.
ونحن، في تتبعنا لواقع المجتمع البورجوازي في تطوره، وفي
احتلال نظامه الرأسمالي لبلدان آسيا، وإفريقيا، وأمريكا
اللاتينية، وتحوله بفعل المقاومة العربية، والإفريقية،
والأسيوية، والأمريكية اللاتينية، وبعد حصول مختلف البلدان
المحتلة على استقلالها السياسي، إلى استعمار جديد، يتخذ
طابع الاستعمار الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني،
والسياسي، لتتحول مختلف البلدان إلى خدمة الدين الخارجي،
في إطار ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، الذي كان مرحلة
للوصول بالبشرية إلى عولمة اقتصاد السوق، الذي يمكن
الشركات العابرة للقارات، من نهب كل شئ في البلاد التي
كانت محتلة من قبل.
ولذلك، فالنظام الرأسمالي الذي يرعى مصالح البورجوازية،
وتنمية مواردها، ويحافظ على تلك المصالح، وتلك الموارد،
سعى، ويسعى، وفي جميع مراحل الاستغلال الرأسمالي للطبقة
العاملة، ولسائر الكادحين، وسواء تعلق الأمر بالمرحلة
الاستعمارية المباشرة، أو في مرحلة ما كان يسمى بالنظام
العالمي الجديد، أو في مرحلة عولمة اقتصاد السوق، وفي
بلدان المركز، والأطراف، على حد سواء كما يسميها سمير
أمين، إلى فرض سيادته على العالم.
والبورجوازية، في استغلالها للطبقة العاملة، تميز بين
النساء والرجال على مستوى الأجور، وعلى مستوى القوانين،
وعلى مستوى الحقوق، وتعمل على إشاعة دونية المرأة في
النظرة البورجوازية ، وفي الممارسة، وتشجع المرأة على
تسليع نفسها، وتدفع بها إلى ممارسة الدعارة، حتى تزداد
البورجوازية اطمئنانا على مستقبلها، بالإضافة إلى الدفع
بالرجال إلى الحط من قيمة المرأة واعتبارها كائنا يفقد
قيمته، لا لشئ، إلا لأنه امرأة. وهو ما يعني معاناة المرأة
من ازدواجية الاستغلال، استغلالها مع العمال، في إطار
الاستغلال العام للكادحين، واستغلال الرجل لها، بالإضافة
إلى معاناتها من الدونية، التي تفقدها الشعور بالكرامة
الإنسانية.
ووصول المرأة إلى مختلف الوظائف، والمهن، والمسؤوليات
التمثيلية، والحكومية، لا يعني أبدا أنها تخلصت من
الدونية، كما لا يعني أنها صارت تتمتع بحقوقها كامرأة
أول،ا وكانسان ثانيا. فهي في حاجة إلى الانخراط في النضال
الديموقراطي، الذي يعتبر وحده طريقا إلى تحقيق الحرية،
حرية الرجل، والمرأة، في إطار المساواة الكاملة بينهما في
الحقوق، والواجبات، وفي الممارسة الديموقراطية، عن طريق
تمكن الرجل، والمرأة، على السواء، من تقرير مصير كل بلد
على حدة، واختيار من يمثل كل شعب في المؤسسات المحلية،
والوطنية، من قبل الرجل، والمرأة، على السواء، و الترشيح
للمسئوليات التمثيلية والمسؤوليات الحكومية، لا فرق في ذلك
بين الرجل، والمرأة، والعمل على ممارسة مختلف المهام،
وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية،
والمدنية، والسياسية، التي تستهدف المرأة، كما تستهدف
الرجل على السواء، مع ضرورة مراعاة خصوصية المرأة، بسبب
طبيعتها كمنجبة، ومرضعة، وكمعنية، بالدرجة الأولى، بتربية
الأطفال. وللوصول إلى ذلك، سنتناول في موضوع " ريادة
المرأة، أو الأمل الذي لا زال بعيدا " الفقرات الآتية:
1- حرية الإنسان / حرية المرأة.
2- العلاقة بالواقع، علاقة بالاستبعاد.
3- المرأة تحت المجهر.
4- علاقة المرأة بالإيديولوجية.
5- هل يمكن أن تكون للمرأة إرادة؟
6- آفاق تحقيق كرامة المرأة.
7- المرأة/ الواقع والأفق الجديد.
8- علاقة المرأة مع نفسها.
9- النظرة الموضوعية للمرأة.
لنصل من خلال تحليلنا إلى القول: بان المرأة لازالت بعيدة
عن تحقيق الريادة كما يدعى البورجوازيون، على لسان
منظريهم، والمشرفين على وسائل إعلامهم، الرسمية، وغير
الرسمية، في بلدان المركز، والمحيط، على السواء. وإن
ريادتها ليست في بلوغ بعض النساء إلى شغل مناصب في أجهزة
الدولة، أو في القيام بأعمال حرة، أو في تحول بعض النساء
إلى بورجوازيات، أو حتى في وصول بعضهن إلى المؤسسات
التمثيلية، أو إلى المناصب الحكومية، لان كل ذلك ليس إلا
ممارسة تهدف إلى إبراز البورجوازية، على أنها تحترم حقوق
الإنسان. وهي في الواقع إنما تمارس التضليل على أفراد
المجتمع، لضمان استمرار استغلالها للكادحين، رجالا، ونساء،
وطليعتهم الطبقة العاملة، رجال،ا ونساء، ولتأبيد سيطرتها
على المجتمع، في كل بلد من بلدان المركز، والأطراف، على
السواء.
فهل تدرك المرأة في المجتمع البورجوازي، أنها ليست إلا
كائنا مستهدفا بالاستغلال؟
وهل تستطيع أن تمتلك وعيا بأوضاعها الاقتصادية،
والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية؟
وهل تنخرط في النضال من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية،
والعدالة الاجتماعية، باعتبارها الوسيلة، التي تمكن المرأة
من التمتع بحقوقها المختلفة، كما هي في المواثيق الدولية
المتعلقة بحقوق الإنسان؟
وهل تنخرط لأجل ذلك في الجمعيات، و في النقابات و في
الأحزاب المناضلة؟
وهل تلتزم بالبرامج النضالية، التي تمكنها من تحقيق
إنسانيتها، وحفظ كرامتها؟
لأن المجتمع الذي لا تكون فيه المرأة سيدة نفسها، لا يرقى
إلى مستوى أن يكون مجالا لإشاعة الحرية، والديمقراطية،
والعدالة الاجتماعية، حتى وان كان هذا المجتمع بورجوازيا،
وديموقراطيا، حسب المفهوم البورجوازي للديموقراطية، التي
لا تكون إلا وسيلة لتكريس الاستغلال، وتعميقه، ولا تسعى
إلى تمكين المرأة من التمتع بحقوقها، بقدر ما تعمل على
تسلعيها، حتى تصير وسيلة لتحقيق المزيد من التراكم
الرأسمالي، لصالح البورجوازية، التي تدخل المجتمعات
البشرية في المزيد من الظلم، والقهر الاجتماعيين، اللذين
ينعكسان، بالدرجة الأولى، على مصير المرأة، مهما كان
مستواها الاجتماعي.