والآلية الثالثة: هي
الآلية الأيديولوجية، التي تقتضي الاهتمام بمختلف
الإيديولوجيات، لمعرفة طبيعتها، والسعي إلى تفكيكها،
والعمل على تفنيد أوهامها، لإزالة إمكانية قيامها بتضليل
الكادحين، الذين يمارس عليهم الاستغلال الإيديولوجي، الذي
يعدهم لقبول أشكال أخرى من الاستغلال المادي، والمعنوي .
ومن هذه الإيديولوجيات التي يجب تفكيكها وتفنيد أوهامها
نجد:
1)الإيديولوجية الإقطاعية: التي تقوم في جانب منها على
أدلجة الدين، أي دين، وفي جانب آخر على الخرافات،
والأساطير، التي تنسج حول البطولات الإقطاعية، مما يجعل
الإقطاع مثالا للاقتداء، وجلبة لقبول الاستغلال الإقطاعي،
لعبيد الأرض، ولسائر الكادحين، مهما كان مستواهم
الاجتماعي، لان كل أفراد المجتمع، غالبا ما يكونون مؤمنين
بأدلجة الدين، التي يمارسها الإقطاعيون، على يد من
يوظفونهم لهذه الغاية، ولذلك نرى ضرورة التركيز على تفكيك
ادلجة الدين الإسلامي من جهة، وتفكيك الجانب الخرافي،
كمكونين للإيديولوجية الإقطاعية من جهة أخرى، من أجل نقض
الأوهام الإيديولوجية التي تضلل الطبقة المستهدفة
بالاستغلال الإقطاعي، وسائر الكادحين، لأنه بدون نقض تلك
الأوهام، تبقى الإيديولوجية الإقطاعية مهيمنة في صفوف
المستهدفين بالاستغلال الإقطاعي.
2) وإيديولوجية البورجوازية التابعة: التي لا تتخلص من
إيديولوجية الإقطاع، نظرا لكون البورجوازية التابعة متأصلة
من الإقطاع، إلى جانب استيراد الجوانب المتخلفة، من
الإيديولوجية البورجوازية، في المركز لخدمة وحماية الطابع
الاستهلاكي، للبورجوازية التابعة. وهذه الإيديولوجية، ومن
هذا النوع، تزرع نوعين من الأوهام: وهم التمسك بالشريعة
الإسلامية، وحماية الدين الإسلامي الذي يمكن اعتباره مصدرا
للعدل، الذي ينشده المقهورون، ووهم تحقيق التطلعات
البورجوازية، والوصول إلى مستوى ما عليه البورجوازية
التابعة، أو البورجوازية. ثم البورجوازية الغربية، وصولا
إلى السيطرة على أجهزة الدولة، التي تكون وسيلة لتحقيق
المصالح البورجوازية التابعة، وحمايتها في نفس الوقت،
اعتمادا على السلطة.
وهذان الوهمان: وهم المحافظة على الدين الإسلامي، كمصدر
للعدالة، ووهم تحقيق التطلعات البورجوازية، يقودان إلى
القول بان البورجوازية التابعة، تجمع بين الأصالة،
والمعاصرة، وبين التقليد، والتجديد، وبين الدين، والدنيا.
ولذلك فهي تتجاوز الإقطاع، الذي يغرق في التقاليد، وفي
الخرافات، إلى الانفتاح على الآفاق، وهذا الاعتقاد ليس إلا
وهما آخر، حكم العقلية في البلدان ذات الأنظمة التابعة،
وجعل الناس يستغرقون، في الحلم، برجوع الماضي، كمصدر
لعدالة الله، في الأرض، هروبا من المآسي التي تغرق فيها
البشرية، بسبب الاستغلال الهمجي الذي تتعرض له، كما
يستغرقون في الحلم بانتقال المجتمعات المتخلفة، في البلدان
ذات الأنظمة التابعة، إلى مستوى ما عليه الواقع الاقتصادي،
والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، في الغرب
الرأسمالي ، وإلى ما عليه وضعية المرأة، التي تتمتع
بالعديد من الحقوق، التي تحرم منها، في البلدان ذات
الأنظمة التابعة. وهذان الوهمان: وهم الانشداد إلى استرجاع
الماضي، ووهم تحقق ما عليه الغرب من تقدم، هما اللذان
انتجا لنا صراع التقليديين، ضد التجديديين، الذي وصل إلى
درجة الصراع التناحري. وهو الذي استغلته الأنظمة
الرأسمالية، بقيادة أمريكا لدعم المؤدلجين للدين الإسلامي،
الذين كانوا، ولازالوا، يسعون إلى القضاء، وبصفة نهائية،
على الفكر التقدمي، وعلى حاملي هذا الفكر، وعلى الأنظمة
التقدمية. كما تدعم البورجوازية التابعة، التي تسخر خيرات
البلدان، ذات الأنظمة التابعة، لخدمة النظام الرأسمالي
العالمي، من خلال الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي،
والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، وتمهيد الطريق
أمام سيطرة الشركات العابرة للقارات على الاقتصاد الوطني،
في كل بلد من البلدان ذات الأنظمة التابعة.
وتفكيك إيديولوجية البورجوازية التابعة، يعتبر مسالة
أساسية، وضرورية، لتبديد وهم استرجاع الماضي، الذي لا يرجع
أبدا، ووهم الارتباط بالغرب، والالتحاق به، الذي يغرق
البلدان ذات الأنظمة التابعة في التبعية للغرب، ويحول
نظمتها إلى مجرد وكالات رأسمالية، تتلقى الأوامر، وتنفذ
تلك الأوامر، بدون نقاش، حتى يتبن ما العمل؟ من أجل تحرير
الإنسان من وهم استرجاع الماضي، ومن وهم الالتحاق بالغرب،
على مستوى التقدم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي،
والمدني، والسياسي، كما هو عند الغرب الرأسمالي، حتى يصير
الإنسان قادرا، فعلا، على التحرر من الأوهام البورجوازية
التابعة.
(3 وإيديولوجية البورجوازية الليبرالية: التي توهم الناس
بأن في إمكان كل واحد منهم، أن يحقق ما يريد، إذا عمل من
أجل ذلك، وانطلاقا من مبدأ " دعه يعمل ، يدعه يمر" وهذا
الوهم هو أكبر كذبة عاشتها البشرية، خلال القرن الثامن
عشر، والقرن التاسع عشر، قبل تحول النظام البورجوازي
الرأسمالي، إلى نظام إمبريالي، يصادر كل إمكانية للحرية
الفردية، والجماعية. ولذلك فهذه الإيديولوجية التي ليست
إلا تضليلية، فندت نفسها بنفسها، بتحولها مع مرور الأيام،
وتطور الصراع بين البورجوازية، والطبقة العاملة، إلى
إيديولوجية تابعة، وجزءا من تلك الإيديولوجية، بصيرورة
البورجوازية الليبرالية، بورجوازية تابعة، فتفقد
البورجوازية الليبرالية بريقها، ويفقد الإنسان حريته، التي
اتخذت طابعا ليبيريا، ليصير محروما منها. ولتصير
الإيديولوجية الليبرالية، في خبر كان.
(4 وإيديولوجية البورجوازية الصغرى، التوفيقية،
والتلفيقية، المليئة بالأوهام المختلفة، والمتناقضة
أحيانا، لتنوع المصادر الإيديولوجية للبورجوازية الصغرى.
ذلك التنوع الذي ينتج تنوعا في الأوهام الإيديولوجية:
الإقطاعية، والبورجوازية التابعة، والبورجوازية
الليبرالية، واليسارية، واليسارية المتطرفة، واليمينية
المتطرفة. فكل تلك الأوهام: تعمل الإيديولوجية البورجوازية
الصغرى على بثها بين الشرائح الاجتماعية المقهورة، التي
تصير مريضة بتلك الأوهام البورجوازية الصغرى، التي تحتاج
اكثر من غيرها إلى المزيد من التشريح، والنقد، والتفنيد،
لجعل الجماهير الشعبية الكادحة تتحرر منها، حتى تمتلك
وعيها الحقيقي، الذي يجعلها تدرك حقوقها المادية،
والمعنوية، وتعمل على تحقيق مطالبها المختلفة.
(5والإيديولوجية اليسارية المتطرفة: التي توهم الجماهير
الشعبية الكادحة، بأن في إمكانها أن تصير، في يوم ما،
قوية، وقادرة على قلب الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية،
والثقافية، والمدنية، والسياسية، لصالحها، بدون الاعتماد
لا على النضال الجمعوي الحقوقي، ولا على النضال النقابي،
ولا على النضال الحزبي السياسي: أي بدون الحاجة إلى أي
تنظيم، كيفما كان هذا التنظيم. وهو ما يدفع الجماهير
الشعبية الكادحة، إلى تأدية ضرائب خطيرة على حياتها، وعلى
مستقبلها، من قبل الطبقة الحاكمة. لذلك نرى ضرورة إخضاع
أوهام إيديولوجية اليسار المتطرف، إلى التحليل، والنقد،
والنفي، وتوعية الكادحين بخطورة السير وراء تلك الأوهام،
لما تشكله من خطورة على مستقبلهم الذي قد يرتبط باليأس من
كل شئ، حتى من إمكانية التنظيم الهادف، إلى النضال
الجمعوي، أو النقابي، أو الحزبي، من أجل انتزاع مكاسب
معينة، لصالح الجماهير.
(6 وإيديولوجية اليمين المتطرف: التي توهم الجماهير
الشعبية الكادحة، بان " تطبيق الشرعية الإسلامية"،
واستعادة "الحكم الإسلامي"، و إقامة " الدولة الإسلامية "
واعتبار الإسلام "دينا ودولة" وغيرها من الشعارات المترتبة
عن أدلجة الدين الإسلامي. فاليمين المتطرف المؤدلج للدين
الإسلامي، بالخصوص، يسعى باستمرار إلى نشر الوهم الناتج عن
تلك الأدلجة حتى يصير الناس لا يفكرون إلا في الأمور التي
لها علاقة بذلك الوهم، ويدخلون مباشرة في محاربة كل ما
تعارض معه، من أفكار، وقيم، وممارسات: حتى يصير " النظام
الرأسمالي" قائما، في كل مكان، من البلاد الإسلامية ،
ويعمل على السيطرة على العالم. وانطلاقا من ذلك، فالعمل
على تفكيك أدلجة الدين الإسلامي، واثبات أن التاريخ لا
يرجع إلى الوراء، وأن مؤدلجي الدين الإسلامي، إنما يستغلون
الدين من أجل الوصول إلى السلطة، وتسخير المجتمع لخدمة
المصالح الطبقية، لمؤدلجي الدين الإسلامي، وحماية تلك
المصالح. وبالإضافة إلى ذلك، لابد من الوقوف على عوامل
أدلجة الدين الإسلامي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،
والمدنية، والسياسية، والغاية منها، من اجل توعية المجتمع
في كل بلد من البلدان التي تعاني من أدلجة الدين الإسلامي،
ومن خطورة تلك الأدلجة، حتى تتكون عندهم مقاومة ذاتية،
ورفض تلقائي لأدلجة الدين الإسلامي، كبداية للتخلص منها ،
وبصفة نهائية، حتى تصير الممارسة الدينية صحيحة، وبعيدة
وعن الأدلجة، وعن استغلال الدين في الأمور السياسية، وتصير
الإيديولوجية خاصة بالطبقة التي تنتجها لحماية مصالحها،
ولتضليل الناس بها وجعلهم يخدمون تلك المصالح.
(7 والإيديولوجية الاشتراكية العلمية: التي هي إيديولوجية
الطبقة العاملة، التي لا تحمل في بنيانها أي شكل من أشكال
الوهم. فهي واضحة منذ البداية، وتجعل الكادحين، وطليعتهم
الطبقة العاملة، يمتلكون وعيهم الطبقي، ويدركون موقعهم من
علاقات الإتناج القائمة فتتحدد بسبب ذلك الطبقة التي
ينتمون إليها. كما يدركون علاقتهم بوسائل الإنتاج، وماذا
يجب عمله لتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، وما هي
الوسيلة التي يمكن اعتمادها لوضع حد للاستغلال. ولذلك كانت
ولازالت وستبقى الإيديولوجية الاشتراكية العلمية خالية من
الأوهام الإيديولوجية المضللة، بل إنها هي التي تساعد على
الكشف عن كافة أشكال التضليل التي تمارسها الإيديولوجيات
الأخرى ضد الطبقة العاملة، وتعمل على تفكيكها، وتفنيد
أوهامها، وتكسب الطبقة العاملة مناعة ضدها. وحتى
البورجوازية التي تستغل الطبقة العاملة، تعرف ما هي
الإيديولوجية الاشتراكية العملية ؟ وما هو دورها في جعل
الطبقة العاملة تمتلك وعيها الطبقي وتصارع من اجل تحسين
أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية،
والسياسية؟ في أفق وضع حد للاستغلال البورجوازي بصفة
نهائية. وحتى لا تمتلك الطبقة العاملة وعيها الطبقي، تعمل
البورجوازية التابعة، والبورجوازية الليبرالية،
والبورجوازية الصغرى، ومؤدلجو الدين الإسلامي، وبطريقة
تضامنية، على تضليل الطبقة العاملة، عن طريق بث الأوهام
الإيديولوجية المختلفة، في صفوفها. حتى لا تمتلك وعيها
وتصير غير قادرة على القيام بأي عمل، في اتجاه تحسين
أوضاعها المادية والمعنوية، لوقوعها فريسة الاستغلال
البورجوازي الهمجي.
وهذه الإيديولوجية، لا تحتاج إلى تفكيك، أو تفنيد، لان
المنهج الذي يمكن أن يتبع، في هذا الإطار، لا يرقى إلى
مستوى القدرة على تفنيد الإيديولوجية الاشتراكية العلمية.
وكل المحاولات التي جرت، في هذا الإطار، تفتقر إلى العلمية
والموضوعية، وتتم بمنطقات مثالية، أو غيبية، أو دينية.
وهذه المنطلقات ليست إلا وسيلة للتضليل، وبث الأوهام، ليس
إلا. والمنهج الوحيد الذي يمكن اعتماده في التعامل مع
الاشتراكية العلمية، هي الاشتراكية العلمية نفسها، لا من
اجل تفكيكها، ونفيها، بل من أجل تطويرها، إلى الأحسن،
باستيعابها، في تطوير المنهج الماركسي نفسه، حتى يصير أكثر
قدرة على التعامل مع التحولات الكمية، والنوعية التي
يعرفها الواقع، في جوانبه المختلفة. ولذلك فمحاولة تفكيك
الاشتراكية العلمية، ونفيها، لا يزيدها إلا قدرة على
الصمود، والمواجهة، ولا يزيد الإيديولوجيات الأخرى، إلا
ضعفا، وتراجعا، إلى الوراء. لذلك نجد أن الطبقات الحاكمة
تعتمد نهج القوة، لإخضاع الطبقة العاملة، ولتعميم
إيديولوجيتها، على جميع أفراد المجتمع، ولتضليل الطبقة
العاملة، وسائر الكادحين.