مقالات

من أجل ريادة المرأة أوالأمل الذي لازال بعيدا (6)

محمد الحنفي

والآلية الرابعة: هي الآلية السياسية، التي تقتضي معرفة المواقف السياسية للطبقة الحاكمة، ولمختلف الطبقات الأخرى، والأحزاب السياسية، وسائر التنظيمات النقابية، والجماهيرية، لأن اهتمام الجماهير الشعبية الكادحة بالسياسة يجعلها تتتبع مختلف المواقف السياسية، وخلفياتها، و أبعادها المختلفة، ومدى انعكاسها على حياة الكادحين، وهل يدركون خطورة تلك المواقف على مستقبلهم؟ أم أنهم بسبب التضليل الممارس عليهم لا يستطيعون ذلك؟
إن الجماهير الشعبية الكادحة عندما تمتلك وعيها الطبقي، فإنها تستطيع أن تدرك طبيعة السياسة الممارسة عليها، وتميز بين الجهات المتدخلة في فرض، وتكريس تلك السياسية، وتدفع في اتجاه تأبيدها، وتتعرف من خلال الممارسة اليومية على مواقف التنظيمات المختلفة، وتميز بين تلك المواقف التي لا تخدم مصلحة الشعب، والمواقف التي لا تخدم إلا مصلحة أصحابها، الذين يقودون مختلف التنظيمات. ومن ذلك نجد أن:
1) موقف حزب الإقطاع الذي لا يتخذ إلا المواقف السياسية، التي لا تتناسب إلا مع مصلحة الطبقة الإقطاعية، في تأييد سيطرتها على أجهزة الدولة، إن كانت حاكمة، أو تنتمي إلى التحالف الحاكم، أو تسعى إلى فرض نهج الدولة لسياسة تخدم مصالح الإقطاعيين على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما يخدم تواجدهم في المؤسسات " المنتخبة"، وفي الحكومة على السواء. وموقف كهذا يجب على الكادحين مواجهته، وتفنيده، وبيان خطورته على مستقبل الكادحين، لكونه يفرض استمرار المجتمع في التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والعمل على نهج سياسة نقيضة، للمواقف السياسية الإقطاعية؟، التي تتناسب مع الحاجة إلى التحول الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في اتجاه الأحسن، والمرحلة الأرقى.
2) موقف حزب البورجوازية التابعة، الذي لا يختلف كثيرا عن حزب الإقطاعيين إلا في جعل البلد تغرق في التبعية للبلدان الرأسمالية، وجعل الشعب في خدمة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، كما أن المواقف السياسية لحزب البورجوازية التابعة، تسعى إلى أن تصير معبرا للشركات العابرة للقارات، في اتجاه البلدان المختلفة، وبالتالي فإن البورجوازية التابعة باعتبارها راعية " الأصالة"، و" المعاصرة"، تسعى بسياستها إلى إغراق الجماهير الشعبية الكادحة في الماضي المظلم، حتى لا ترتبط بواقع الاستغلال الممارس عليها، وإلى جعلها تتخذ من الغرب الرأسمالي مثالا تسعى إلى الانتقال إليه، ولا ترغب في مقاومة سيطرته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، على البلدان ذات الأنظمة البورجوازية، التابعة بسبب الاغتراب الذي صارت تعاني منه، والذي يجعلها أكثر قبولا للاستغلال.
وسواء تعلق الأمر بحزب الإقطاع، أو بحزب البورجوازية التابعة، فان الحزبين معا لا يسعيان أبدا إلى إيجاد دستور ديموقراطي، والى إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وإيجاد مؤسسات تمثيلية تحترم في إيجادها إرادة الشعب. وإذا وجدت حكومة، فإنها لا تكون نتيجة الأغلبية البرلمانية، وإذا كان هناك دستور، فإنه لا يكون ديموقراطيا، وإذا كانت هناك انتخابات، فإنها لا تكون ديموقراطية، وتفتقد فيها الحرية، والنزاهة: أي أن الديموقراطية، لا تكون إلا للاستهلاك الخارجي، وهو ما يصطلح على تسميته بديموقراطية الواجهة.
ولذلك، فإخضاع المواقف السياسية لحزب البورجوازية التابعة، للتحليل، والنقد، من أجل النقض الذي يقود إلى وضح حد لسياسة الحزب البورجوازي التابع، لأنه بدون إخضاع مواقف حزب البورجوازية التابعة إلى النقد، تسري سياسته على الشعب وتزيد في إغراقه في التخلف إلى ما لا نهاية.
3) موقف حزب البورجوازية الليبرالية، على المستوى السياسي، الذي يسعى من ورائه إلى إبراز البورجوازية الليبرالية، وكأنها مستقلة عن البورجوازية التابعة، في قراراتها، وفي تصورها للنظام السياسي، الذي تراه ليبراليا، وفي تصورها للدستور الديموقراطي، وللانتخابات، وللتمثيلية، في المؤسسات، وللحكومة، وغير ذلك، حتى تظهر وكأنها تحرص على مصلحة جميع مكونات المجتمع. إلا أنها ونظرا لطبيعتها الاستغلالية، غالبا ما تنخرط في تبني المواقف السياسية، للبورجوازية التابعة، حتى لا تصاب بالتهميش، وحتى تنال نصيبها من الكعكة، بانخراطها في ممارسة ديموقراطية الواجهة، التي ليست إلا ديموقراطية شكلية، ولذلك نرى ضرورة الدفع في اتجاه أن يحافظ الحزب البورجوازي الليبرالي، على ليبراليته، وعلى تصوره للممارسة الديموقراطية، حتى لا ينخرط في ديموقراطية الواجهة، وحتى تكون الليبرالية، في حالة تحققها، مدخلا للنضال الديموقراطي، الحقيقي، الذي ينخرط فيه جميع الكادحين، من أجل تحقيق الديموقراطية من الشعب، والى الشعب، وبمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي. وإلا فإن مهاجمة مواقف حزب البورجوازية الليبرالية، صارت ضرورية، ولا مفر منها، لانخراطه في ديموقراطية الواجهة.
4) موقف حزب البورجوازية الصغرى، الذي يوفق بين موقف حزب الإقطاع، وحزب البورجوازية التابعة، وحزب البورجوازية الليبرالية، وحزب الطبقة العاملة، وحزب اليسار المتطرف، وحزب اليمين المتطرف، حتى يستقطب حوله جميع الأحزاب وجميع المتعاطفين معها، ليشكل بذلك قطبا جماهيريا، يجعل منه حزبا للجميع. وهذه الممارسة السياسية التي ينتهجها حزب البورجوازية الصغرى، هي ممارسة توفيقية، تلفيقية، تضليلية، انتهازية، لا تخدم إلى المصلحة الطبقية البورجوازية الصغرى، التي تستغل التفاف الجماهير حول الحزب، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، التي تنقل الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، لتصير طبقيا إلى جانب الإقطاع، والبورجوازية التابعة، والبورجوازية الليبرالية، وتنفصل، وإلى الأبد، عن البورجوازية الصغرى، وعن سائر الكادحين، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة.
ولذلك، كان لزاما على المخلصين إلى الجماهير الشعبية الكادحة، فضح، وتعرية ممارسات حزب البورجوازية الصغرى، في المجال السياسي، كما في المجال الإيديولوجي، وكما في المجال التنظيمي، حتى تدرك الجماهير الشعبية الكادحة حقيقة البورجوازية الصغرى الانتهازية، وتتجنب، أن تنخدع بممارساتها الهادفة إلى تضليل الجماهير، وحتى تصير الجماهير، اكثر وعيا من البورجوازية الصغرى نفسها، ومدركة لخلفيات انتهازيتها.
5) موقف حزب اليسار المتطرف السياسي، والمغامر، الذي يراهن على اندفاع الجماهير، من اجل تحقيق التطلعات الآنية، التي تبرز أهمية الدور الجماهيري، بعيدا عن أي تنظيم، كيفما كان نوعه، واعتبار أن الجماهير في غنى عن التنظيم، وعن نظرية التنظيم، ويكفي إطلاق الشعارات السياسية المحرضة، حتى تنطلق الجماهير من أجل " التغيير" الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، رغما عن الطبقة الحاكمة في كل بلد على حدة. فالجماهير في نظر اليسار المتطرف، المعتمد عل الرؤيا القاعدية للأشياء، هي المعنية بالتغيير، ولكن من هي هذه الجماهير التي تقوم بذلك؟
ولذلك، فعلى الجماهير الشعبية الكادحة، المعنية بأي تغيير، في أي مكان، أن تدرك أهمية التريث، وعدم الانسياق وراء الشعارات السياسية الآنية، والمندفعة، وغير المدروسة بدقة، والتي لا تصدر عن تنظيم مسؤول، وقانوني، حتى لا تتعرض للهلاك على يد الطبقات الحاكمة، التي تخدمها تلك المواقف السياسية المندفعة، باتخاذها مبرر قمع الجماهير، وللتخلص من المناضلين، الذين لا يد لهم في رفع الشعارات المندفعة، ولا في إصدار المواقف المغامرة. ولهذا فالضرورة تقتضي دراسة المواقف السياسية لليسار المغامر، التي تتراجع، وتندفع في نفس الوقت باعتبارها مواقف بورجوازية صغرى، تلتمس السرعة في تكريس الضغط على الطبقة الحاكمة، في كل بلد، حتى تستجيب لتحقيق تلك التطلعات. فالدراسة شيء أساسي بالنسبة للكادحين الذين يهتمون بما يجري في البلاد على المستوى السياسي، حتى لا يتحولوا إلى مجرد معبر لتحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى، حتى ولو كان ذلك عن طريق دفع الكادحين، إلى القيام بعمل مغامر.
6) موقف حزب اليمين المتطرف، الذي لا يختلف في الجوهر عن موقف اليسار المتطرف، إلا في كونه يصدر عن اليمين المتطرف، ويهدف إلى حشر الجماهير للقيام بعمل واسع، بقصد ممارسة الضغط على الطبقات الحاكم،ة في البلاد ذات الأنظمة التابعة، لجعلها تستجيب ل"تطبيق الشريعة الإسلامية"، وتعمل على إقامة "الدولة الإسلامية" لأن الإسلام: دين ودولة، ولأن الجماهير الشعبية الكادحة عندما يتم تجييشها من قبل اليمين المتطرف، فلأنها تسعى إلى فرض شعارات هذا اليمين على ارض الواقع، حتى وإن أدى الأمر إلى إصدار الفتاوى، التي تدفع الجماهير المجيشة، إلى القيام بها، رغبة في الحصول على الحق في الجنة. والواقع أن المواقف السياسية الصادرة عن اليمين المتطرف لا تخدم إلا مصالح الطبقات الحاكمة، التي تتخذها مبررا لتكريس كل أشكال القمع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، سعيا إلى تحقيق الأهداف المتعلقة بإخضاع الجماهير الشعبية، لارادة الطبقة الحاكمة، في كل بلد.
ولذلك كان من الأفيد العمل على دراسة مواقف اليمين المتطرف، حتى لا تنطلي الحيلة على الجماهير الشعبية الكادحة، وحتى لا يعتقد الناس: أن الغاية من المواقف السياسية الصادرة عن حزب اليمين المتطرف، تهدف فعلا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، و إقامة الدولة الإسلامية، التي تنشر العدل بين الناس: لأن غاية حزب اليمين المتطرف في الواقع، هي الوصول إلى إقامة نظام مستبد بديل، بدل النظام المستبد القائم، وقطع الطريق أمام إمكانية قيام ديموقراطية، حقيقة، من الشعب والى الشعب. وهو هدف يجب التصدي له، لأنه يؤدي إلى قيام نظام سياسي، يدعى انه نظام إسلامي، يحكم بـ " اسم الله"، في وقت لم يعد فيه ظهور الأنبياء، والرسل، واردا. ولذلك نرى ضرورة اعتبار المواقف السياسية، بريئة من الدين الإسلامي، وأنها مواقف يعتبر تجريمها بسبب استغلالها للدين، الذي يجب أن يبقى بعيد عن الاستغلال السياسي.
7) موقف حزب الطبقة العاملة: الذي تتحكم في اتخاذه الآلية الديموقراطية، التي لا تستحضر إرادة الحزبيين، وحدهم بقدر ما تستحضر الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، باعتبارها معانية من الممارسة السياسية للطبقة الحاكمة، والأحزاب السياسية، التي لا تخدم إلا مصلحة الطبقة الحاكمة، بطريقة، أو بأخرى، ومصلحة الطبقات التي تمثلها تلك الأحزاب، وبالدرجة الأولى مصلحة الحزبيين في علاقتهم مع الطبقة الحاكمة. فاستحضار الجماهير الشعبية الكادحة، قبل، و أثناء التخطيط، لاتخاذ موقف سياسي، يعتبر مسالة أساسية في ممارسة حزب الطبقة العاملة: لأنه لا يراهن إلا على الجماهير الشعبية الكادحة، ولا يراهن أبدا على غير الكادحين، مهما كانوا، على مستوى التأثير السياسي، إلا إذا عبروا عن اقتناعهم بإيديولوجية الطبقة العاملة، وعن سعيهم إلى الارتباط العضوي بها، وتخليهم نهائيا عن تطلعاتهم الطبقية، وذلك الاستحضار الذي يستهدف التعمق، في معرفة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، يجعل مواقف حزب الطبقة العاملة، معبرة عن إرادة الجماهير الشعبية الكادحة، وعن إرادة الطبقة العاملة، مما يجعل الجميع يستجيب لتلك المواقف، ويحتضنها ويعتبرها مواقف شعبية، تستجيب لمتطلبات الشعب، الذي يسعى إلى تحقيق الحرية، والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها أهدافا استراتيجية لحزب الطبقة العاملة.
ونظرا لكون موقف حزب الطبقة العاملة السياسي، يخدم مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، فإن هذا الموقف يخدم بطريقة مباشرة: قضية المرأة. لأن موقف حزب الطبقة العاملة هو الوحيد الذي يساوي في تنظيمه، وفي مواقفه السياسية، بين الرجل، والمرأة، وهو الوحيد الذي يسعى إلى محاربة كل المواقف المعادية للمرأة، سواء تعلق الأمر بموقف حزب الإقطاع، أو حزب البورجوازية التابعة، أو حزب البورجوازية، أو حزب البورجوازية الصغرى، أو حزب اليسار المتطرف، أو حزب اليمين المتطرف، والعمل على الكشف عن خلفياتها، وعن عمق معاناة المرأة بسبب تلك المواقف، وصولا إلى جعل المرأة تملك الوعي الطبقي، ككادحة تنتمي إلى الطبقات الكادحة، وكإنسان محرومة من حقوقها الإنسانية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية. فالمرأة في المجتمعات التي يحكمها الإقطاع، والبورجوازية، ليست إلا متاعا، والبورجوازية الصغرى لا تحسم مع تسليعها، واليمين المتطرف لا يعترف لها بإنسانيتها، واليسار المتطرف لا يؤطر حرية المرأة تأطيرا علميا، مما يجعل كرامتها مهدرة من خلال علاقتها بالرجل. ولذلك فالتماس حرية الناس بصفة عامة، وحرية المرأة بصفة خاصة، لا نجده من خلال المواقف السياسية الحزبية في معظم الأحيان إلا في موقف حزب الطبقة العاملة، الذي يسعى إلى تحرير المجتمع ككل، من خلال وضح حد للاستغلال، بالعمل على تحويل ملكية وسائل الإنتاج، من الملكية الفردية، إلى الملكية الجماعية. لأنه حينها يتساوى الناس جميعا أمام القانون، وعلى المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
فوضع حد للاستغلال يقتضي تحقق الحرية التي هي شرط وجود الأفراد والمجتمعات، كما يقتضي تحقيق الديموقراطية التي هي شرط استمرار سلامة المجتمع من مختلف الهزات التي قد يعرفها، فتؤدي إلى عكس المقصود منها، بالتراجع إلى الوراء، أو بإصابة الأفراد والمجتمع باليأس المستديم من أي أمل في الحرية والديموقراطية، كما يقتضي تحقيق العدالة الاجتماعية، التي تضمن التوزيع العادل للثورة، الذي يقف وراء قيام كل فرد بواجبه، في مقابل تمتعه بدخل يحقق حاجياته الضرورية، والكمالية، من خلال مبدأ: على كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته. وهو ما يعني زوالا أسباب قيام صراع تناحري بين أفراد المجتمع الذي تنتفي في بنياته الطبقات الاجتماعية المتناحرة. والصراع الوحيد الذي يبقى مستمرا هو الصراع الديموقراطي.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org