ونحن في تعاملنا مع
الطبقة المستفيدة من الاستغلال، نجد أنها توظف ما توفر
لديها من إمكانيات، لتغيير الواقع، بما يخدم مصلحتها
الطبقية، في اتجاه تعميق استغلالها للفئات المستهدفة
بالاستغلال المادي، والمعنوي، حتى تتم مضاعفة فائض القيمة،
الذي يزيد من التراكم الرأسمالي لديها، والذي يعتبر مصدرا
لعملتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وهو ما يعني: أن تغييرها للواقع، لا يستهدف إلا تطوير
وسائل الإنتاج، واليات التبادل التجاري، وإيجاد أسواق
جديدة، لتصريف البضائع التي تنتجها بمختلف المؤسسات
الإنتاجية التي تملكها.
أما علاقة الطبقة العاملة بالواقع، فإنه يكون محكوما
بالسعي المستمر إلى جعل الإنتاج في خدمة الطبقة العاملة،
وسائر الكادحين، عن طريق الحرص على تحسين الأوضاع المادية،
والمعنوية، للطبقة العاملة، ولسائر المقهورين، كخطوة في
اتجاه بناء الأداة الثورية، التي تقود الطبقة العاملة،
وسائر الكادحين، إلى وضع حد للاستغلال، وبصفة نهائية، عن
طريق امتلاك سلطة الدولة، واستغلال أجهزتها التشريعية،
والتنفيذية، والقضائية، لجعل ملكية وسائل الإنتاج في ملك
جميع أفراد المجتمع، حتى يصير الإنتاج في خدمة المجتمع
ككل. وتغيير من هذا النوع، لا يمكن اعتباره إلا تغييرا
استراتيجيا، يسبقه سعي إلى القيام بتغييرات مرحلية، قد
تكون قصيرة المدى، أو متوسطة المدى، وقد تكون طويلة المدى.
وهذه التغييرات المرحلية، لا تتم إلا في إطار ما صار يعرف
بالنضال الديمقراطي، و إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وتكوين
حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون مهمتها العمل على
التخفيف من المعاناة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،
والسياسية للجماهير الشعبية الكادحة.
ولذلك نجد أن العلاقة بالواقع تنتج مستويين من التغيير :
1) مستوى التغيير الهادف إلى تكريس الاستغلال المادي،
والمعنوي، عن طريق تطوير آليات الاستغلال المادي،
والمعنوي، للطبقة العاملة ولسائر الكادحين. وتغيير من هذا
النوع، يؤدي إلى تكريس الاستغلال، ويعمقه، ويساعد على
تأبيد السيطرة الطبقية، ويعمق تلك السيطرة.
2)مستوى التغيير الهادف إلى تحويل الملكية الفردية: إلى
ملكية جماعية، الذي يسبقه تغيير إيديولوجي، وثقافي،
وسياسي. وهذا النوع من التغيير يقضي على الاستغلال، وبصفة
نهائية، لصالح تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة
الاجتماعية، التي هي أمل الكادحين في كل أرجاء الأرض.
وبالنسبة لعلاقة المرأة بالواقع، فإنها يمكن أن تصنف ضمن
الإطار العام الذي رأيناه. فهي إما سيدة، أو إقطاعية، أو
بورجوازية، حسب التشكيلة التي وجدت فيها، وإما أمة ،أو
قنة، أو عاملة: أي أنها إما ممارسة للاستغلال، أو يمارس
عليها الاستغلال، وبالتالي فالمرأة المستفيدة من
الاستغلال، يحتويها الواقع، وتصير حريصة على تكريسه،
والمرأة التي يمارس عليها الاستغلال، ترفض الواقع القائم،
وتسعى إلى تغييره.
وبناء على هذا التصور: فالمرأة التي تنتمي إلى الطبقة
المستفيدة من الاستغلال، تسعى إلى تغيير وسائل الإنتاج،
بهدف تعميق الاستغلال، وتطويره، للزيادة في خدمة المصالح
الطبقية، للمستفيدين من الاستغلال.
أما المرأة المنتمية إلى الطبقة التي يمارس عليها
الاستغلال، فإنها في حالة امتلاكها للوعي الطبقي، تنخرط في
النضال المرحلي، من أجل تحسين أوضاعها المادية، والمعنوية،
كما تنخرط في النضال السياسي من بابه الواسع، من أجل العمل
على تغيير ملكية وسائل الإنتاج: إلى ملكية جماعية، لتحقيق
الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتبارها
الإطار الذي تتحقق فيه المساواة بين الرجال، والنساء.
وما يمكن الوقوف عليه: هو أن المرأة، في إطار علاقتها
بالواقع، تعاني من النظرة الدونية، سواء كانت مستفيدة من
الاستغلال، أو مستغلة (بفتح الغين).
وهذه النظرة: تبقى رهينة بطبيعة الثقافة السائدة، والتي
تأتي إما من الثقافة التقليدية المحافظة، أو المؤدلجة
للدين الإسلامي، التي تكرس كون المرأة مجرد متاع، يجب
حفظه، حتى لا يصير مبتذلا بين الناس، أو أنه مجرد عورة،
يجب سترها، كما تأتي من الثقافة الرأسمالية الغربية، التي
يسمونها ثقافة الحداثة، التي لا ترى في المرأة إلا كونها
سلعة؟، أو بضاعة تعرض في الأسواق، كباقي البضائع، حتى تقف
وراء الزيادة في استهلاك البضائع الرأسمالية: أي أن
المرأة، في نظر النظام الرأسمالي، هي أداة للزيادة في
استهلاك البضائع الرأسمالية.
ولإزالة النظرة الدونية للمرأة، نجد أنفسنا في حاجة إلى
ثورة ثقافية، لخلخلة البنيات العقلية، التي سادت في
المجتمع الرأسمالي، وفي غيره من التشكيلات الاجتماعية
السابقة عليه، من أجل اقتلاع النظرة الدونية للمرأة من
العقليات، ومن المسلكيات الفردية، والجماعية، حتى تسود
نظرة المساواة بين الرجال، والنساء، التي تقتضي القيام
بتفكيك البنيات الثقافية التقليدية، وتفكيك البنيات
الثقافية الرأسمالية، وتفكيك ادلجة الدين الإسلامي في نفس
الوقت، حيث تعتبر هذه الثقافات مصادر لدونية المرأة،
والعمل على إنتاج ثقافة تقود إلى احترام المرأة، وتقدير
عطاءاتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية،
والسياسية، والعمل على تطوير نظرة المرأة لنفسها، حتى لا
تستمر في تسليع جسدها، مما يؤدي إلى احتقارها.
والقيام بالثورة الثقافية، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إعطاء
النضال الديمقراطي بعدا جديدا، بانخراط المرأة الواسع فيه،
حتى تزول كل الفوارق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية،
والمدنية، والسياسية التي تميز بين الناس، في التشكيلات
الاجتماعية العبودية، والإقطاعية، والرأسمالية.
وتتحقق المساواة بين الناس جميعا في المجتمع الاشتراكي
الذي يعتبر وحده المجال الذي تتحقق فيه تلك المساواة.
والبشرية لا يمكن أن تتخلص من الكثير من الأمراض، إلا
بالتخلص من الاستغلال الطبقي، الذي هو المدخل لحرية
الإنسان، ولحرية المرأة.