وما رأيناه يؤطر علاقة
المرأة بالواقع على المستوى العام. أما على المستوى الخاص
فإننا نجد :
1) أن علاقة المرأة بالواقع: هي علاقة محكومة بالعادات،
والتقاليد، والأعراف، التي تسود في مجتمع معين، والتي تكرس
إما النظرة الدونية للمرأة، في حالة
سيادة تخلف المجتمع المحكوم بالتقليد الإقطاعي، أو بأدلجة
الدين الإسلامي، أو بالعقلية البورجوازية، التي تجعل
المرأة مجرد سلعة معروضة للتمتع بها، أو بنظرة احترام
المرأة في حالة تقدم المجتمع وتطوره، وفي حالة سيادة
الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وبطبيعة الحال، فهذه العلاقة تتجسد من خلال كون المرأة
متعلمة، أو غير متعلمة، وهل تتمتع بالحماية الصحية؟ أم
أنها لا تتمتع بها؟ وهل تتاح لها الفرصة لشغل المناصب
المختلفة في أجهزة الدولة ؟ وهل في إمكانها أن تقوم
بالأعمال الحرة؟ أم لا ؟ وهل تنخرط في الجمعيات المختلفة،
وفي النقابات، وفي الأحزاب السياسية ؟ وهل تتحمل
المسؤوليات الرئيسية في مختلف الإطارات الجمعوية،
والنقابية والحزبية؟ وهل تتحمل المسؤوليات الرئيسية في
أجهزة الدولة الحكومية والتشريعية والقضائية؟ أم لا ؟
فانخراط المرأة في مختلف التنظيمات، وتواجدها في مختلف
القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية،
وأجرأة ملاءمة القوانين المحلية لأجرأة احترام مساواة
المرأة للرجل، وتجريم مختلف الممارسات المؤدية إلى إهانة
المرأة، واحتقارها في الحياة العامة، ووضع قوانين لردع
مرتكبي جرائم إهانة المرأة، وتجريم حرمان المرأة من
التعليم، ومن الحماية الصحية، ومن العمل، كما هو الشان
بالنسبة للرجل، وإنشاء هيأة لمراقبة احترام حقوق الإنسان،
بصفة عامة، والحقوق الإنسانية للمرأة، بصفة خاصة، وصولا
إلى مجتمع بدون إهانة للمرأة، وبدون تكريس لدونيتها؟، حتى
يتأتى لها أن تعيش إنسانيتها، التي حرمت منها، ولقرون
طويلة، من خلال سيادة التشكيلات الاجتماعية المختلفة، التي
يسود فيها استغلال الإنسان، بصفة عامة، واستغلال الرجل
للمرأة، بصفة خاصة.
فهل يصير الواقع خاليا من تكريس دونية المرأة ؟
وهل يتم تجريم تلك الدونية سعيا إلى القضاء عليها؟
إن تطور الواقع في هذا الاتجاه، يحتاج إلى عمل خاص، من
خلخلة، وفضح الممارسات المسكوت عنها، والتي يأتي في
مقدمتها تكريس دونية المرأة على جميع المستويات، حتى يتحرر
الناس، في اتجاه نبذ كل مظاهر التخلف.
2)أن علاقة المرأة بالرجل، هي التي تحدد: إلى أي حد تتحرر
المرأة؟ أو إلى أي حد تعاني من القهر، والاستعباد،
والدونية، والتخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي،
والمدني، والسياسي؟
وهل في الإمكان التخلص من مختلف الأمراض، التي تحكم علاقة
المرأة بالرجل في المجتمع المحكوم بالعقلية الإقطاعية
المتخلفة، أو بعقلية مؤدلجي الدين الإسلامي، أو بالعقلية
البورجوازية التابعة، أو بالعقلية البورجوازية الليبرالية،
أو بالعقلية البورجوازية الصغرى، أو بعقلية اليسار
المتطرف، أو اليمين المتطرف؟
لأن علاقة الرجل بالمرأة كزوج هي علاقة محكومة بعقلية
الرجل، وبعقلية المرأة، في نفس الوقت، هل هي عقلية الإقطاع
؟ أو عقلية بورجوازية ؟ أم بورجوازية صغرى ؟ أم عقلية
الطبقة العاملة؟ أم عقلية اليسار المتطرف؟ أم اليمين
المتطرف؟ فطبيعة تلك العلاقة هي التي تحدد هل يتعامل الرجل
مع المرأة كإنسان؟ أم أنه يتعامل معها كمجرد متاع تجب
المحافظة عليه ؟ أو أنها مجرد سلعة تعرض في الأسواق؟
فإن كانت نظرة الرجل، كزوج، للمرأة ،كزوج أيضا، على أنها
إنسان، فإن المفروض أن يحترم إنسانيتها، التي تقتضي
تمتيعها بحقوقها الإنسانية العامة، وحقوقها كامرأة تتميز
عن الرجل، بخصوصيات معينة تفرض تمتيعها بأمور لا تجوز
للرجل. وإن كانت نظرته إليها على أنها مجرد متاع، أو سلعة،
فإنه بطبيعة الحال ينظر إليها على أنها يمكن أن تستبدل
بامرأة متاع، أخرى، أو تشترى إلى جانبها امرأة سلعة، أخرى.
وبالتالي فإن قيمتها في التمتع بها أو في استهلاكها كسلعة،
ولا داعي لان يستحضر الرجل، في ممارسته، أنها تستحق
التقدير، والاحترام من الرجل، وأن وظيفتها في إنجاب
الأولاد، وتربيتهم في أحسن الأحوال، وأن تكون رهن إشارة
الرجل، انطلاقا من أن الرجال قوامين على النساء، وإذا سمح
لها بالخروج فذلك منحة منه، أما إذا سمح لها بالعمل، فإنه
يرى فيها مشروعا اقتصاديا، يستثمره لصالحه، ويرى أن من حقه
أن يمنعها عن العمل متى شاء.
ولذلك نرى أن من الواجب إشاعة التربية على حقوق الإنسان
الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية،
كما هي في المواثيق الدولية، وعلى حقوق المرأة، كما هي في
الميثاق الدولي المتعلق بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد
المرأة، وعلى حقوق العمال، كما هي في المواثيق الدولية
الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وعلى حقوق الأطفال، كما
هي في الميثاق الدولي المتعلق بحقوق الطفل، من منطلق أن
التربية على الحقوق الإنسانية بصفة عامة، وعلى الحقوق
الإنسانية للمرأة بالخصوص، هي المدخل لقيام علاقة موضوعية،
و إنسانية، ومتساوية، بين الرجل، و المرأة. وهي المدخل
لوضع قوانين تقر تلك المساواة، وتفرضها في المعاملة
اليومية، وفي قوانين الأسرة التي يجب أن تتلاءم بدورها مع
المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تكون منطلقا
لبناء الأسرة، في كل بلد على حدة، ومرجعا لإقرار المساواة
بين الرجل، والمرأة، في الأسرة، والمجتمع على السواء.