|
مقالات الأغتراب والتشئة الأجتماعية
الدكتور/ حسن المحمداوي / أستاذ جامعي وباحث سايكلوجي للتنشئة الأجتماعية (Socialization) دور مهم وفعال في صياغة نمط الشخصية للفرد أبتداءاً من مراحله الآولى وحتى الممات، حيث أن الأسرة والمجتمع بمؤسساته التربوية وبفلسفته التي ينشد تحقيقها تحكم بناء الفرد النفسي والأجتماعي وتشكل مالديه من قيم وعادات ومعتقدات وسمات شخصية ، وبعنى أخر أن أسلوب التنشئة الأجتماعية يعد بمثابة القالب الثقافي الذي يهب الآنسان خصائصه الآنسانية ، وأن الأغتراب (Alienation) ماهو الاأنعكاس لدرجة الشدة والتسلط والهيمنة في اساليب التنشئة الآسرية والأجتماعية السائدة في مجتمع ما. وللاسف الشديد وخاصة في مجتمعاتنا العربية يولد الفرد ويترعرع في أجواء من التسلط والآكراه وينمو في مؤسسات التغريب، وهذه الآجواء تتأزر مع هذه المؤسسات لتقتل طموح الآنسان الفطري الذي يعيـش من أجله والذي نعبر عنه بتحقيق الذات (Self-actualization) ، أن أجواء التسلط والأفراط والتفريط والآكراه في التربية بشكل عام سلبت من الأنسان آدميته وحقرت عنده ذاته فأصبح كأن الواحد منا يحمل في طيات نفسه ضده أو أخر يكرهه ويشمئز منه وهنا تتجذر أول معالم الأغتـراب عن الـذات وخاصة بالنسبة للانسان العربي. أن هذه الآساليب في التنشئة الآسرية والآجتماعية المبنية على التسلط والآكراه والآستخفاف بالمقــابل والتربية التي تنشأ على اساس ألغاء الآخر وخاصة في الآسرة ونمطية التعامل مع الأطفال والمراهقيـن ، بحيث ينشأ أعضاء الآسرة يتملكهم الخوف والخجل اللامبرر ويشعرون بالهوان والذلة ويصبحون عرضة للاصـابة بالآضطرابات النفسية ثم بعـد ذلك تتلقفهم المؤسسات التربويـة التي تجهل الكثـير عن نظــريا ت التربيــة والآسس التي ينبغي إتباعها من أجل النهوض بهذا الجيـل وتطـويره وتحسين مساراته السلوكيـة والتي تنعكس ايجاباً على تحسين مستوى الأداء لديه ، الاأننا نلمس بان المؤسسات التربويـة تنهـج منهـج الآباء المتسلطين في الآسرة وهذا مايعمـق تجـذر الآضطرابات النفسيـة لدى الأبناء وبالتالي يصبح تحقير الذات والتعايش مع الهوان كأنه من بديهيـات الحياة في عالمنا العربي، ورحم الله أبو الطيب المتنبي حين يقول:
من يهن ، يسهل الهوان عليـه ما لجـرح بميت أيــــــلامُ ذل من يغبــــط الذليل بعيـــش رب عيـش أخف منه الحمام
وفي حقيقـة الأمر ، أننا شعوب لاتحب أن تتعلم ، لان التعلم ينطوي تحته تغير في سلوك الفرد واداءه وميوله وأتجاهاته وقد قال جلت قدرته (( أن الله لايغير في قوم حتى أذا غيروا ما بأنفسهم))، ونحن نقصد بالتغيـر هنا هو مدى أرتقاء الفرد من مستواه الغريزي الى مستواه المعرفي والآنساني ، تغير يبـعد عنـا تأثيـر الهالة في الأحكام والتقويم ويقربنا أكثر الى الموضـوعية والدقـة العلمية ومثل هذا التغير لايحدث مادامت أساليبنا التربوية وتنشأتنا الأجتماعية تؤكد على مسألة العقاب الجسدي والترهيب اكثر من تأكيدها على الأقناع والمجادلة بالتي هي أحسن. أننا نعيش حالة من الأغتراب عن حاضرنا وماضينا ولانستطيع أن نستلهم من فلاسفتنا العظام ماهو أهلاً لذكره وتطبيقه في حياتنا العملية وخاصة فيما يتعلق بالتنشئة الآسرية والآجتماعية، فهذا على سبيل المثال الآمام علي (ع) ، يصرح منذ أكثر من الف واربعمائة سنه بمقولة تربوية تؤازرها كل النظريات التربوية الغربية في المحتوى والمضمون وهو يقول( لا تقسروا أولادكم على عاداتكم فأنهم خلقوا لزمان غير زمناكم). والحقيقة ان تراثنا زاخر بالنظريات التربوية المنطقية والتي يعضدها العقل ولكن للاسف الشديد نحن نجهلها أكثر مما نجهل النظريات الغربية ، على العموم أن مسارات التنشئة الأجتماعيـة في بـلاد الشرق سواء كانت أسرية او مؤسساتيه تعمـل من حيـث تدري او لاتدري على تغريب الفرد من ذاته ومجتمعه وهي بالتالي تخسر طاقات خلاقة لوجدت لها المناخات التربوية المناسبة في الاسرة والمجتمع لغيرت هذه الطاقـات وجه العالم العربي ، وهنا يؤكد الكثير من الباحثين بأن مظاهر القمع التربوي والذي دللت عليـه الدراسات بأن هناك (75%) من الاطفال يتعرضون للعقاب البدني سؤاء في البيت او في المدرسة وهم بالتــالي يعيشون حالة أغترابيـة تتعاضم وتشتد مع التـطور الزمني للفـرد بحيـث تستمكن من سلوكــه وتصرفاته في المستقبل فيصبح أنساناً متمرداً على ذاته ومجتمعـه و حتى على المنطق، والصحيح ان هذا التمرد يسحبه الى التعصـب الأعمى والذي يلغي بالتـالي ملكاتـه العقليـة مما ينسحب على مختلف انماط السلوك لديهم فترانا لانزال نعمل بقانون القبيلــة التعصبي الذي يلغي ملكه التمييز ويجلعنا نقيس الأمـور بقمياس واحد أنطلاقاً من ( سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين) ، أو أنطلاقاً من ماسطره دريد بن الصمه وهو يقول: وهل أن الأ من غزيه أن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشد لقد أوضح بعض المشتغلين في مجال علم النفس التربوي ، ماهية دور الآب كمصدر أساسي للاغتراب والذي يكمن في أتساع المسافة العاطفية والوجدانية بين المغترب وأبيه وغياب أهتمام الآب بأ بنه وانشغاله عناه وغياب العـلاقات والروابـط العاطفيـة مع وجود الدكتاتورية والتسلط والقسوة الشديدة في المعاملة والعدوانية والكراهية أتجاه الآب والتفرقة في المعاملة بين الآبناء بالاضافة الى فقدان الآب بالغياب أو الطلاق أو الموت. أننا عندما نتحدث عن التنشئة الأجتماعية المشبعة بالقسر والقهر والتسلط فهذا يعني أننا نتحدث عن تخريج جيلاً من الآبناء ينطلق من أغترابة الى المجتمع، ويحمل كل أنواع السلوكيات غير المرغوب فيها، جيلاً يتصف بالعجز عن إستغلال طاقاته وإمكاناته متصلب غير مرن، جيلاًغير منفتح على الآخر يلغي الآخر متصف بالعزلة والآنغلاق وعدم مواكبة ماهو خير للانسانية ، وأنما تنزلق افكاره بعيداً لتنتـج مفخخات بشرية لاتمـت للآنسانية والدين بصلة مهما كانت ذرأعـها وتبريراتها .، جيلاً لامعياري ليس للمنطق والعقل حيز في مجاله النفسي ليس للحق والباطل محكات يرجع اليها أويقيس عليها، جيلاً لايزال يستلهم أفكار الجاهلية في معلجة المواقف والعلل إمتثالاً لقول شاعرهم:
وحملتني ذنب أمرؤ وتركته كذي العير يكوى غيره وهو راكع
جيلاً يفتقد الى الأمن والعلاقات الأجتماعية الحميمة والتي تنبض بالانسانية والمحبة والرحمة ، فهو مغترب عن العلاقات الاجتماعية ومغترب عن اهداف ذاته والمجتمع بحيث تقوده هذه المشاعر الى ألغاء معنى الحياة أو معنى الوجود بشكل عام، وتؤكد الدراسات التي تصدت لهذا المضمار وخاصة ماتوصل اليه لاوسون وآخرون (Lawson et al, 1998) ، من أن سؤ معاملة الآطفال في طفولتهم يرتبط بشكل عالي بارتفاع مستوى الأغتراب لديهم ، وأن الأغتراب ومايتضمنه من مشاعر عدم الآنتماء والعزلـة والعدوانية ينجم عن خلق ضغط واجهاد لمراحل النو وهذا ماتمثله اساليب التنشئة الأجتماعية البعيدة عن السواء مما يؤدي الى فقدان الآفراد لروابطهم التقليدية في الوقت الذي لم يجدوا فيه الروابط البديلة التي تنقذهم من فقدان الشعوربالولاء أو الآنتماء والذي يحققون فيه ذواتهم الآمر الذي يؤدي بهم الى الآنفصال عن التنظيم والمحيط الأجتماعي.، وهذا ماعليه جيلنا الحاضر وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية التي تزخر بالاميـة والقسوة وعدم المنطق ، مجتمعات تربي أبنائها على عدم الآنتماء او الشعور بالمسؤلية وهذا مايجعل المواطـن غير حريص على ممتلكات المجتمع فهو ميال الى تدميرها شعوراً قاصراً منه بأنها ليست له بل لآخر يتسلط عليه ويسحق آدميته وينتهكه في كل يوم ثلاثين عاماً!!! أن حرب البسوس التي تعمل في أوطاننا منذ الآزل لآتزال تعمل بوجه جديد ولكن بالعقلية ذاتها، وأنا أؤكد لكم بأن هذا الذي يخرج حاملاً مدفعه الرشاش ليضـرب بـها بيـوت أهله القديمة والمتهرئه أساساً ويدمر المؤسسات الخدميه والتي ان وجدت وهي للناس والمجتمع ، أقول بانني أؤكد لكم هنا أن مثل هذا الشخص لاقى تنشئة أسرية وأجتماعية تكللت بالآحباط والقسوة والأضطهاد والاذلال فأراد ان يفرغ مابه من ثورة وغضب وماكبت لديه من صراخ والم على شكل هذه الممارسات اللامنطقية واللامعيارية والتي هي سمة من سمات الأغتراب. هناك مقولة تربوية تؤكد على أن ( الآفراط يؤدي الى الآفراط)، ومما لاشك فيه أن الآفراط في أستخدام العقاب وتكسير الذات للابناء من شأنه أن يعوق عملية تكوين (الآنا الآعلى) أو الضمير عند الفرد بحيث تنعدم لديه مسألة الرقابة الذاتية وهذا مايجعله يرهب السلطة (أسرية أو أجتماعية) طالما كانت حاضرة أمامه ولايأبه بها مادامت غائبة عنه حيث يمكن أن يفعل مايشاء دون رقيب او حسيب. لست هنا بصدد التعميم في مسألة العنف الوراثي ولكن نتأئج الدراسات تشير الى أن المعاملة القاسية من الآباء للاطفال ترجع بسبب ماعاناه هؤلاء الآباء في طفولتهم من آلوان الحرمان وبالتالي من نعمة الحب كدراسة ( مولاني، بيلنسكي وآلن)، فنحن بهذا ننقل من جيل لآخر عدوانيتنا وتسلطنا ودكتاتوريتنا كل حسب موقعه ، وهذه مسألة في غاية الخطورة أذا لم يسلط عليها الضؤ من أجل أجتثاثها من سلوكنا وأنماط تصرفاتنا لآن نقل العنف والعدوانية من جيل لآخر معناه بروز سلوكيات متطورة من العدوانية والأغتراب وبذلك تمتلئ مؤسساتنا الأجتماعية بالمتسلطين والمجرمين لابالمصلحين والخيرين. كما ويترتب على ألأفراط في استخدام التسلط والقسوة بناء شخصية متمردة خارجة عن قواعد السلوك مفتقدة للرحمة والعطف وهذا ما ينسحب على الاجيال جيلاً بعد آخر، فالآنسان الذي يفتقر الى الحب والرحمة والحنو يصعب عليه ان يفيض حباً وحناناً ورحمة أتجاه ابنائه الآخرين، ففاقد الشئ لايعطيه. أن شعوبنا العربية وفي ظل هذه الآنظمة التي ليس للآخر مكان معها، تتغذى أغتراباً وتلبس أغتراباً وتسكن أغتراباً وتموت أغتراباً، لآن شعور الآنسان العربي بالعجز أزاء مايحدث من وضع وعدم قدرته على المشاركة في تغيير القوانين التي تحكمه وتتسلط عليه وترهبه كل هذا يعد من دواعي نمو التمرد اللامسؤل والعنف والشعور بالظلم حيث تؤكد جوين نتلر(Netler)، بأن الآفراد المغتربين يعانون الشعور بالعزلة مما يدفع هؤلاء الى الآنتحار وآدمان المخدرات الذي يصاحبه الآضطرابات الآنفعالية ، ومااكثر هذه الممارسات بين شبابنا العربي ولكنها تكون غير ظاهرة للعيان لآن أعلامنا العربي كقادتنا العرب، أعلام يجتر دائماً مايقوله وعاظ السلاطين. وأختم بقولي أننا ومن جراء هذه التنشئة المتسلطة والقهرية نهدر من الطاقات والعقول مالايمكن قياسه بمال أو مظاهر لاترقى الى حقيقة مانحن عليه.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |