|
مقالات بطولة خشبية عقيلة آل حريز لا يكمن النجاح في الوصول للقمة أو تحقيق الهدف فحسب ، وإنما في محاولة الاستمرار والسير قدماً في طريق يضمن النجاح والمحافظة عليه ، فحين توكل المهام للبعض أو يتصدرون بعض المواقف التي يعدها البقية مواقف هامة وتعتبر نقطة تحول واضحة في حياتهم ، فإن اهتمام الآخرين يرتكز عليهم وأحاديثهم تدور في فلكهم . ربما لهذا السبب لا يشعر البعض بالراحة وينزعج من اقتحام الآخرين لحياته وخصوصياته فيفر هارباً منها ، وربما يعيد صياغة قراراته بطريقة غير موزونة جراء هذا الاقتحام فتضطرب أفكاره وتهتز أركانه التي كان يؤمن ويعتقد بها . وعلى العكس تماماً ، فإن ثمة أشخاص تغريهم الشهرة وتبهرهم الأضواء لدرجة أنهم يصبغون المواقف أو المهام الجديدة بصبغة بطولية بأكثر من اللازم ويعطونها أكبر من قدرها الطبيعي، وربما كل ما يهمهم منها هو كلام الآخرين عن مدى انجازهم وبطولاتهم ، فلم يفكروا بأهمية ما يفعلونه وما يقفون عليه من أفكار ولا عن جدوى الوصول لها ، كذلك لم يتساءلوا بصدق هل يقفون على خطوات ثابتة منذ تصدروا حمل لواء البطولة أم لا ، وهل نجحوا فيها أم أنهم لازالوا متخبطين يقفزون فوق كلمات الناس ويرقصون على إيقاع التصفيق الذي يحجمهم ويقيد حرية تصرفاتهم . نعم البعض يتخبط في تقييم موقفه فيفر هاربا منه حين يتدخل الآخرون ويربطونه بقيود تسلبه حرية القرار فتخضعه لرقابة التحليل والرهان من جانبهم دون أن يدرك بأنه فقد القدرة على إدارة أمره ، والبعض يقوم هو بتحجيم نجاحه فيعرضه كما يعرض البضاعة الرخيصة فلا يعطه حق النمو والتطوير الذي يؤهله لاحتلال مساحات هي أعرض مما يمكن أن يهديها له المتطفلون هنا يظهر نوع من الاختلال في التوازن وفي مستوى التركيز والسيطرة على زمام الأمور ، فأن نعيش في دائرة واحدة قمة في التحجيم ، وأن نخرج منها لدوائر أوسع ينمي المدارك لكنه يصنع نوع من التشتت إن زاد اتساعها ، أما أن ننطلق بعفوية وعقلانية معاً خارج حدود هذه الدوائر والأطر لنشكل رؤيا عميقة نحتاجها كلما أردنا قراءة المجريات كما يجب لهو أمر ينطق بالحكمة التي هي غايتنا في الأخير . لكن للأسف ، قلة فقط من تدرك وتعي مستوى وحجم الموقف الذي تتصدره وبالتالي تعرف حدود ومآل الأمور فتستعد لكل تموجاتها وتتصدى لكل عوائقها . إن محاولة العثور على ذواتنا الضائعة في معرفة ما هو ممكن وما هو غير ممكن يبدو شبه عبث حين تصطدم إرادتنا بتأثير الغير، فليست القضية هي تلبية أهواء ممكنة ولا معقولة بقدر ما هي انجاز نريد تحقيقه ليس من أجل كونه بطولة فحسب فما أكثر البطولات الزائفة وما أكثر الأحصنة والسيوف الخشبية ، بقدر ما يشكل الموقف قناعة نؤمن ونعتقد بها ، وبالتالي فإن تحقيق النجاح والفوز هو مكافئة ننالها لأننا نستحقها لنستمر لا لنتوقف عند حدودها ونغلق ستار القصة . وكل ما سبق لا يتأتى إلا بفهم طبيعة الأمور ومعرفة خلفياتها بشقيها الإيجابي و السلبي . وللحقيقة ، ليست حياة الآخرين محطة تجربة ولا نافذة مفتوحة للفرجة دوما ، كذلك ليست هي معبر للتسلية ولا مكان للمقارعة والرهان ، فمن يملك حق العيش يملك حق الاختيار وقراره بيده كما أن نجاحه وفشله أمر مرهون بسلامة موقفه وسلامة تعاطيه مع الظروف والأشخاص من حوله ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحولنا المواقف إلى تماثيل جامدة يستدل بها على بعض العثرات أو يستمر من خلالها البحث عن سبل النجاة فقط ، لأنه وببساطة خالصة موقف واحد لا يقيم إنسان كذلك النجاح أو الفشل فيه لا يعطي مؤشر عن ارتهانه به ، فطالما تواجد المرء وتواجدت أنفاسه ، طالما تجددت أفكاره وطرأت عليه الكثير من التغيرات المرغوبة والمرفوضة ، وبالتالي تعددت مواقفه وامتلأ حقل التجارب الذي سيعيشه بقصص البطولات أو قلبها على أم رأسها . ملخص ما ذكر هو أن البطولة لا تقتصر على موقف واحد فقط ، وهي كذلك غير خاضعة لحكم فرد أو مجموعة لا تعنيهم بغير نهاياتها ولم يعيشوا تفاصيل الصراع من أجل تحقيقها بل لا تعنيهم بالمجمل ولا بالتفصيل ، وقضايا البطولة لا تعني معركة أو موقف دخلها المرء متحدياً ليثبت نجاحه فيها فحالفه الحظ وطاوعته الأقدار فنجح ، بل هي تعتمد على استمرارية وقدرة خاصة على التميز وقراءة مجريات ما يحصل بوعي وفهم لتكمل مسيرتها ، لذا فالوصول للهدف وحده ليس بطولة حقيقية فأي شخص قادر مع ضربة الحظ أن يحقق هذا ، لكن ضمان النجاح والعمل على استمراره كتجربة حية هو البطولة الحقيقية . إن من يحتفظ بأسرار نجاحه يستطيع أن يوجد منهج ثابت يُخضع الآخرين من خلاله لاحترامه مهما كانت تحفظاتهم عليه ويحد من تدخلاتهم في شئونه ، وبالتالي يمكنه إفساح المجال لمرور بعض التصفيقات التي من شأنها أن تعمق الفوز وترتقي به خطوة أخرى لا أن تغير هيكليته التي بناها على يقين فتقلب موازينها رأساً وتضعف أركانها عقباً، وللحقيقة كثرة التبريرات للحديث عن النجاح من شأنه أن يضعف النجاح نفسه ويفقده هويته أو يطغى على خصوصيته حين لا يدعم بالعمل الجاد المستمر للحفاظ عليه وحين يغر الأمر صاحبه فيختل توازنه . ربما يكمن الحل في أن لا نتصدر بعض المهام لمجرد أن نصنع من أنفسنا فيها أبطالاً فالبطولة ليست غاية كل شيء ومنتهاه ، ولربما تشكل مطب نوقع أنفسنا فيه دون أن ندرك فنفقد فيها كل مرتكزاتنا، بل في أن نكون قادرين على تحقيق نوع من الاستمرارية والصدق في التعاطي مع المجريات والأشخاص المعنيين بالأمر من حولنا ، لأن الوعي الذاتي والارتباط مع الحدث كحدث حقيقي نتصدره دون الولوج في رسم إطارات خارجية لا تخدم ما نريد بل تعرقله وتعمد إلى تصعيد حالة من التوتر شبه دائمة ربما تنهي هذه البطولة المزيفة وتضعف نجاح الموقف بصورة سلبية . من الحقائق الثابتة أن تلقي البطولة كنشوة ، بداية تؤدي إلى الإبادة فتصبح تماماً شبه غازات سامة أو قنابل موقوتة تنتظر أن يعبث بفتيلها أحد لتدمره ، لأن الكلمات الفلسفية والعبارات الرنانة لا تجدي وأي إنسان حين تختل قواه ويهتز توازنه يضعف موقفه . لكن ، ما بعد كل ذلك ، ما بعد مساحة حرة يستقطعها من فترة الفهم لما يدور حوله، ألا يسعه بعد معرفة طبيعة ما يحصل أن يعود لما كان عليه أم أن التغيير يعتبر تجربة تكشف الأقنعة وتميط اللثام عن حقيقة هذا الإنسان صاحب البطولة المزيفة التي صنع أدواتها من خشب ...!!
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |