|
مقالات تربية الذات...! د. مراد الصوادقي تتوطننا جميعا نزعة إسقاطية , خلاصتها أننا نجيد حمل الأقواس ورمي سهام "هو" على الآخرين, ولا نريد أن ننظر في ذواتنا ونتفهم سلوكنا وأنفسنا. جميعنا وبلا استثناء لدينا هذه الخاصية السلوكية التي نشأنا عليها وترعرعنا في أحضانها ومنذ الصغر وبتفوق نادر. فأساليب تربيتنا في البيت والمدرسة والمجتمع مبنية على تعزيز النزعة الإسقاطية في لا وعينا الفعال , والذي يأخذنا إلى حيث يشاء دون قدرة منا على توجيه حركته وتحديد نواياه. وهذه العاهة التربوية قد ساهمت في شل قدراتنا على التعبير والتفاعل الجماعي المتطور مع الحياة , لأنها تبرؤنا وتنزهنا , وترمي بكل ما فينا على الآخر المجهول أو المفترض. وهي التي تساهم في إبداعنا باختراع القميص المناسب لكل مرحلة في حياتنا , لكي نتهمه بما ليس فيه وإنما لغاية في صدر الغيب البعيد, ولكي تستريح نفوسنا ونبرأ من ذنوبنا وإحساسنا بالخطأ والعجز والمسؤولية. فقد تربينا على أن سبب الجهل والتأخر والجوع والفقر والحروب هو الآخر الذي كنا نسميه الاستعمار. وقد أمضينا القرن العشرين بهذا المنطوق التربوي التعجيزي, الذي ما منحنا أية قدرة على الخطو إلى الأمام. ومضت أنظمتنا العسكرية التي تسمي نفسها سياسية , على هذه القاعدة للحفاظ على بقائها في الكرسي مدة أطول, ولكي تمتص البشر امتصاصا مريحا ولذيذا. فما أن تجدها في محنة لا تستطيع أن تعرف لها حلا حتى تنادي بأن السبب "هو" ولا بد لها من تأكيد "هو" لكي تمضي في تسلطها على رقاب الناس. ولازلنا إلى اليوم نمارس نشاطاتنا على ضوء قاعدة "هو". وأصبح كل منا بريء والمجرم "هو". فترانا عندما نتكلم مع بعضنا نحسب أنفسنا أنبياء, والآخرين من حولنا مخطئين وجاهلين ومتخلفين , وما نريده من الصفات السلبية التي يمكننا أن نزيدها وفقا لقدرات "هو" الفاعلة في أعماقنا. ولا نجد أحدا منا ينظر إلى نفسه , بل ما أسهلها علينا أن نتهم ونرجم الآخرين بالسوء, وكل واحد من الآخرين المعنيين , يسلك ذات السلوك, فيكون الفرد من الآخرين, والكل في محنة تربوية صعبة, مفادها , تنزيه الذات الفردية واتهام المجموع وإسقاط الأسباب على "هو". وتبدو هذه المعضلة التربوية من خلال ما يكتبه بعض الأخوة من المثقفين والمتنورين, إذ يتضح دور "هو" وقوتها في منطق كتاباتهم وتعليقاتهم على الموضوعات القائمة في الحياة والمشكلات التي يتصدون لها, وكأنهم يحملون ذات المنطق الذي كتبت به الأقلام في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وربما قد ألغوا القرن العشرين , ومسحوه من الذاكرة والوجدان الثقافي. فلا زالوا يتهمون الناس بالجهل والتخلف وغيرها من الصفات, وما من أحد منهم يتحدث عن موضوع آخر يمكنه أن يحقق المنفعة الجماعية. وفي هذا الخضم المتلاطم , تغيب عنا الحقيقة المرة التي خلاصتها أن كل واحد فينا جاهل ومتأخر. فواحدنا يهمل نفسه ولا يراجع أرشيف أفكاره ومعتقداته رغم سرعة تطور زمانه وتواكب المستجدات فيه. وكل مَن لا ينظر إلى نفسه ولا يراجعها ولا يقومها فهو متأخر وجاهل , والبعض يقول بالتخلف , وما يوجد عندنا هو التأخر لسوء تعاملنا مع أنفسنا ومع بعضنا البعض بسبب عاهة "هو". فأبعدونا عنها أبعدكم الله عن الشرور , ولا ترجموا الآخرين بالسوء وتحتكرون الحسنات لأنفسكم فذلك بهتان كبير. ولننظر في أنفسنا ونهذبها ونصنع منها وجودا إنسانيا طيبا ومفيدا وراجحا , قبل أن نرى ما ليس في غيرنا فنكتب بأبجدية الأوهام ومداد الانحراف والتشويه. فعندما يربي كل منا ذاته سنصنع مجتمعا قويا معاصرا , ونحقق السلام ونسعى إلى إقامة أسس التفاعل الجماعي الخلاق , ونكون أفرادا إيجابيين نافعين في الحاضر والمستقبل.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |