|
مقالات النقد اللغوي يسبق الأدبي والفني عبدالكريم يحيى الزيباري في لغتنا الجميلة تاريخ عظمتنا، وأصالتنا، وهويتنا، ورسالتنا، وبعد مسيرة نصف قرنٍ حافلة، صدر العدد 593 من مجلة العربي في نيسان 2008، وطالما حَرَصَتْ مجلة العربي ولا زالت حريصةً على سلامةِ لغتنا العربية الفصيحة ونأت بنفسها عن التقعُّر والحوشي في اللغة، في هذه المجلة جزءٌ من هويتنا ورسالتنا، ليس لأنَّها تطبع 120 ألف نسخة كل شهر فقط، بل لأنَّها الأكثر انتشاراً، والأكثر نخبوية والأكثر صعوبةً في النشر، فيجب أنْ تكون صديقاً صَدوقاً صادقاً مخلصاً وفيا.....الخ كي ينشروا لك نصَّاً، ورغم أنَفَتِها وَعِزَّتِها وَكِبْريائها لا تتوانى عن خدمة الثقافة العربية ولا تتأخر في الاعتذار للروائي علاء الأسواني عَلَناً عن خطأ ربما ارتكبه الزميل أسامة الرحيمي في عدد 592 آذار 2008، من دون قصد، مما دفع الكاتب الأسواني إلى معاتبة مجلة العربي، وتتوسلُّ مجلة العربي عَلَنَاً الكاتب الشهير لِيَكْتُبَ في صفحات مجلة العربي لأنَّه(سجَّل طموحاً عربيا معاصراً في تجاوز آفاقه المحلية والإقليمية ليخرج بأكثر من لسان حي ويقرأه بأكثر من لغة، قرّاء المشرق والمغرب والشمال والجنوب/ مجلة العربي- العدد 593 نيسان 2008/ ص205). القارئ ينتظر من مجلة العربي أكثر من هذا خدمةً لثقافتنا العربية، أما نحن القرّاء الأوفياء كما ننتظر الراتب بشوقٍ ننتظر مجلة العربي، وإلى أن تصلنا العربي في منتصف الشهر يكون الراتب قد نفد، كما نَفَدَتْ مجلة العربي من الأسواق أو بقيَ منها النسخة الأخيرة. لكن الذي آلمني أشدَّ الإيلام هذا الكم الكبير من الأخطاء المطبعية والنحوية والإملائية، حيث نَعَت المجلة لقرائها الكاتبين الكبيرين رجاء النقَّاش وسهيل إدريس في كلمة المحرر بعنوان (عزيزي القارئ/ فقيدان كبيران)والنعي يتألف من 312 كلمة تقريباً، وحدثت فيه الكثير من الأخطاء، وفي الكلمة التاسعة من السطر 11(في ظل ثفافة عربية واحدة)ولأنَّ الثقافة العربية في حياتها لم تكنْ ثقافةً واحدة، بل متنوعة بحسب اللهجة والبيئة والزمكان، حتى أنَّ الله أنزلَ القرآن في سبعة أحرف وسبع قراءات للتَوْسِعَةِ على العرب، ولهذا جاءت ثفافة ولأنني لا أعرف ما هي الثفافة فلربما كانت لنا ثفافة واحدة(الثفافة مصطلح جديد ستعتمده موسوعة المصطلحات الثقافية والأدبية والنقدية والمجامع اللغوية العربية). وفي نهاية السطر الثالث(وكان دومًا ناقدًا محبًا)التنوين ليس في مكانه الصحيح والصحيح أن تكتب هكذا(وكانَ دَوْمَاً نَاقِدَاً مُحِبَّاً). وهناك مذهبٌ قديمٌ في الإملاء يقضي بوضع التنوين فوق الحرف لكن دون أن يلحقها ألف، وما دامت الألف قد التحقت بالتنوين فقد وَجَبَ إلحاق التنوين بالألف. وفي الكلمة السادسة من السطر 12(وكان يرى في هذا التنوّع جزءاً)وجزء إذا التحق بها التنوين لا تستدعي ألفاً زائدة، وللاستئناس نوردُ كلام الخليل بن أحمد الفراهيدي(والجازئات: الوحش، والجميعُ: الجَوازِئُ. قال: بها من كلِّ جازِئَةٍ صُوارُ والجزءُ في تجزئة السهام: بعض الشيء.. جَزَّأته تَجَزِئةً، أي: جعلته أجزاءً. وأجْزأتُ منه جزءً، أي: أخْذْتُ منه جزْءً وعزلته)الخليل بن أحمد الفراهيدي-كتاب العين-باب جأز-ج1/ص487. وفي الكلمة الثانية والكلمة الأخيرة من السطر الأخير(بدراسات ضافية عن آثار هذين الكاتبين الكبيرين في أعدادها القادمة)في الكلمة الثانية خطأ مطبعي وهو يحدث غالباً ولو كان في غير مجلة العربي لاكتفينا بابتسامة ونسينا كل شيء، لكنَّها مجلة العربي، وما أدراك ما العربي؟ وفي الكلمة الأخيرة قال السيد المحرر عن أعداد المجلة(القادمة)وكان المفترض به أن يقول المقبلة، لأنَّه كما لا يجوز أن يُقال الأيام القادمة، فلا يجوز من بابٍ أولى(أعداد المجلة القادمة) لأنَّ القدوم لا يكون إلاّ لذي أقدام، كالإنسان والحيوان حَصْراً، والمقبلة للتي تُقْبِلُ وتدبِرُ وليس لها أقدام، وإن قيل كان مجازاً، قلنا المجاز ليس للتخطئة وللخلاف ما اتفق عليه جهابذة اللغة، وها هو الأزهري يعيب على مَنْ أثبت للرحل قادمة(قلت: وللرَّحل شرخان: وهما طرفاه مثل قربوس السرج، فالطرف الذي يلي ذنب البعير آخرة الرحل ومؤخرته، والطرف الذي يلي رأس واسط الرحل، ولم يُسمَّ واسطاً لأنه وَسَطٌ بين الآخرة والقادمة كما قال الليث، ولا قادمة للرحل بتَّةً، إنما القادمة الواحدة من قوادم الريش، ويضرع الناقة قادمان وآخران بغير هاء، وكلام العرب يدَوَّن في الصُّحف من حيث يصحّ، إما أن يؤخذ عن إمام ثقةٍ عرف كلام العرب وشاهدهم، أو يُتلَّقى عن مؤدٍّ ثقة يروي عن الثقات المقبولين، فأما عبارات من لا معرفة له ولا مشاهدة فإنه يفسد الكلام ويُزيله عن صيغته).الأزهري- تهذيب اللغة-باب وسط- ج4-ص306. وقول الشاعر عن الفرس مقبلة(ودخل العتابيّ على الرشيد فأَنشده في وصف الفَرس: (كأنّ أُذْنيه إذا تَشَوَّفا ... قادمةً أو قلماً مُحرّفَا) ابن عبد ربه الأندلسي- العقد الفريد-باب ما أدرك على الشعراء-ج2-ص339. وقول الشاعر عن الحرب مقبلة ولم يقل قادمة(فقد عصيتهم والحرب مقبلةٌ/ لا بل قدحت زناداً غير صلاد)أبو الفرج الأصبهاني-الأغاني-باب ذكر نسب القطامي-ج6-ص143. ويقول أبو المشمرج اليشكري(لما رأوا راية النعمان مقبلة/ قالوا ألا ليت أدنى دارنا عدن) الميداني- مجمع الأمثال-ص187. وقال الكميت(والناس في الحرب شتى وهي مقبلة/ ويستوون إذا ما أدبر القبل)ابن عبد ربه الأندلسي- العقد الفريد-باب صفة الحرب-ج1-ص26. وكان أولُّ الأخطاءِ في الكلمة الأولى من السطر الثالث، ثمَّ في الخامسة والتاسعة من السطر الرابع(ينيرُ الأعمال التي يتناولها من ذات قلبه فيجعلها أكثر أشراقًا)وهل للقلب ذات وموضوع، أم أنَّ للراحل النقَّاش قلبٌ غير ذاته؟ وقلبٌ ثانٍ ذات، (ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه) كان الأولى حذف ذات أو كتابة من "نن ننونة قلبه". هل نحن أمام نظرية نقدية جديدة(نظرية النقد القلبي)؟ وهل يوجد نقد خارج من غير القلب؟ كشفَ العلم الحديث أنَّ القلب محلُّ الذاكرة والحفظ والذكاء والتمييز، وأنَّه بمثابة الصندوق الأسود في الطائرة، وبهذا فإنَّ جميع أعمال الإنتاج العقلي منوطة بالقلب. وإشراقاً تكتب بهمزة تحتية لا فوقية. والتنوين جاءت فوق القاف التي لا تستحق أكثر من فتحة، فتكتب إشراقَاً. وقد بدأت المقالة(ودّع الأدب العربي علمين كبيرين من أعلامه، طالما ملآ ثقافتنا العربية)ولأنَّ الهمزة التي في الفعل ملأَ أصلية فلا يجوز عند التثنية حذفها ولا استبدالها، بحسب قواعد تثنية الفعل الممدود، كالفعل ابتدأ، عند تثنيته يصير ابتدءا، وكذلك الحال في تثنية الاسم الممدود، والهمزة في الاسم إما أن تكون أصلية، مثل قَرّاء(بفتح القاف مفرد) أو أن تكون مُبَدَّلة من الواو كما في سماء وعَدّاء، (لأنهما من سما يسمو، وعدا يعدو) أو تكون مبدلة من الياء كما في بنّاء ومشّاء (لأنهما من بنى يبني، ومشى يمشي)، فإذا كانت همزته أصلية، كما في قرّاء، تبقى على حالها وتُزاد عليها علامات التثنية، قرّاءان. فيقال في المسجد قَرَّاءان جيدان. أما في السطر السابع والسابع عشر، قوله(منتصف الخمسينيات)(مطلع الخمسينيات)ولأنَّه لم يقصد النسبة فلو قلنا قصيدة خمسينية لكان جمعها قصائد الخمسينيات، لكنَّه يقصد السنوات، ولهذا كان كافٍ جمعها خمسينات. ولقد اتفق جهابذة اللغة على أنَّ قول "خمسينيات" هو من الخطأ الشائع. وفي الكلمة الأخيرة من السطر 21(تميزت بجرأة كبيرة في مواجهة التابوهات العربية التقليدية) والتابو جمعها تابوات ولا أدري من أين تسلَّلَت الهاء الدخيلة؟ وفي النهاية أحجمتُ عن إحصاء عدد الأخطاء بنسبة عدد الكلمات كي لا تذهب مثلاً !!! علماً أنَّ وضع التنوين فوق الحرف الذي يسبق ألف الإطلاق لكن ليس دائماً، والقاعدة كما يقول فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن السبيهين: أنَّ الألف التي تأتي عند النصب هي ألف الإطلاق، وهي خاصة بحالة النصب، تذكر مع تنوين النصب، فتقول: "أكرمت سعداً" ولا تكتب" أكرمتُ سعدً" لكن حين تقول: "جاء رجلٌ" تأتي بـ"رجل" وحدها وبعدها تنوين بالضم، بدون أية زيادات، "مررت برجلٍ"، تأتي بـ"رجل" فقط بعد تنوين بالكسر، لكن "أكرمت رجلاً" ما تكتفي بتنوين النصب، بل تزيد ألفًا، يسمونها: ألف الإطلاق، هذه الألف تلحق تنوين النصب خاصة، ويشترط للحاقها لما كان آخره همزة، ألا يكون قبل الهمزة ألف، فلا تجمع ألف قبل الهمزة وألف بعدها، فقولك: "جزْءاً" مثلاً ليس قبل الهمزة ألف، فتضيف ألفًا بعد الهمزة وتجعل التنوين عليها. أما لما كان قبل الهمزة ألف: "جزاءً" فإنك لا تجمع ألفاً قبل الهمزة وألفاً بعدها ، فتكتفي بالألف التي قبلها، وتضع التنوين على الهمزة مباشرة، ولا تضيف ألفاً بعدها. إذا وجدت ألفًا قبل الهمزة، كان الاسم ممدوداً، والأسماء الممدودة هي التي آخرها همزة قبلها ألف زائدة. مثل السماء. وبناء وشقراء وحمراء وصفراء، طبعا هي في حالة كونها ألف تأنيث ممدودة فإنها علة قوية تقوم مقام علتين فتمنع الاسم من الصرف فلا ينون، فلا تقول أصلاً: "شقراءً" ولا "حمراءً" هذه ممنوعة من الصرف، لكن إذا صارت مثل "جزاءً" هذه التي ليست الهمزة زائدة فيها، وحينذاك ليست للتأنيث فلا تمنع الاسم من الصرف فينون، وحينذاك لا تأتي بألف بعد الهمزة لوجود ألف قبلها فلا يجمع عليها ألفان. وتنعى مجلة العربي كاتبين كبيرين، وتتوسل كاتبين كبيرين آخرين، والفرق بين الهمزة والنون تكشفه صناعة التابوات، والسرُّ لن يبقى سرّاً، وبينَ النعي والتوسل أمورٌ نكاد نجهلها، وتنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه. وكما قال الشاعر جرير: فإن لم أجد في القرب والبعد حاجتي تشأمت أو حولت وجهي يمانيا وقائلةٍ والدمع يحدر كحلها أ بعدَ جريرٍ تكرمون المواليا؟ لساني وسيفي صارمان كلاهما وللسيف أشوى وقعةً من لسانيا
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |