هل
أن تربيتنا إسلامية...؟!
د.
مراد الصوادقي
"الدين العمل"
قد يندهش القارئ ويغضب من هذا
السؤال, لكنه من أشد الأسئلة إلحاحا في الوقت الحاضر الزاخر
بالخطايا والآثام. فلو سأل كل منا نفسه هل أن تربيتي إسلامية؟
فماذا سيكون جوابه؟
هل أن أبوينا علمانا وسلكا معنا سلوكا إسلاميا تربويا يحقق
فينا وعيا فعالا لمعاني الدين والعمل به في البيت والشارع
والمدرسة؟
ليعود كل منا إلى طفولته وصباه وينظر بسلوكه وسلوك أبويه
وجيرانه وأقاربه ومَن في محلته ومدرسته وكل الميادين والنشاطات
التي تفاعل معها, فهل سيجد ما يؤكد على أن تربيتنا كانت تربية
إسلامية؟
فالإسلام سلوك وتفاعل إنساني, وليس صلاة وقراءة قرآن بجهل مروع
وكفى. ويبدو أننا لم نتربى تربية إسلامية صحيحة, والدليل
الدامغ الذي يشير إلى ذلك هو ما جرى في ديارنا في السنوات
الماضية , ولا زال قائما ومؤكدا على غياب تربيتنا الإسلامية
وجهلنا بالسلوك الإسلامي القويم. كل ما جرى ويجري منافي لأبسط
القواعد والأصول الإسلامية , ولا يتفق مع تعاليم الدين الحنيف
الذي حمل رايته محمد (ص) ونقله إلى الناس كافة, بلسان عربي
فصيح.
لو أن تربيتنا إسلامية لما استطاع رجل دين مغرض واحد أن يأخذنا
إلى حيث تريد أهواءه وتطلعاته النكراء.
لو أن تربيتنا إسلامية ووعينا إسلامي صحيح , لحسب الآخرون لنا
ألف حساب وترددوا كثيرا في الإقدام على فعل أي مكروه ضدنا.
لكنهم يعرفون جيدا بأننا ندعي ما ليس فينا وعندنا ونحن في أكبر
حالات الجهل بديننا , ولهذا فهم يلعبون بنا وفقا لما تقتضي
المصلحة وقواعد اللعبة التي يمارسونها علينا, ونحن نمعن في
الجهل وندعي المعرفة وتلك أعظم آفاتنا التي أصابتنا بمقتل
حضاري رهيب.
نحن في معظمنا ندعي الدين ولكننا نجهله ولا نعرف مفردات السلوك
المعبرة عنه. وبسبب هذا الجهل ترانا نهرول وراء العمائم
الملونة والملوثة ونتبعها بلا دراية ووعي وتعقل وتفكر وإدراك.
وكأننا لا نقرأ ولا نفقه ما نقرأ, بل أن أميتنا القرآنية في
غاية الشدة والرعب. لكننا نبقى نتصور بأننا نعرف بالقرآن
وبالإسلام لأننا نتكلم العربية. والواقع القاسي يقول بأن العرب
اليوم هم أقل الأمم المسلمة عددا ومعرفة بالإسلام.
ونبقى نتبجح بالمعرفة وما أعطينا مثلا عمليا واحدا يعبر عن
فهمنا الصادق والسليم للدين , الذي من المفروض أن نحمله
بقلوبنا وعقولنا ونفوسنا وسلوكنا ونكون به أسوةً حسنةً لغيرنا,
لكننا أصبحنا أسوةً سيئةً لكل مَن يتأمل ما يجري في ديارنا .
فمَن فتك بالأعراض والأموال والحقوق للفرد المسلم أليس المسلم,
فأي فهم ووعي للدين هذا؟ وأي فهم إسلامي هذا الذي يعطي الحق
للمسلم بقتل أخيه المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله محمدا
رسول الله. لقد أسأنا كثيرا جدا في حاضرنا لدين الإسلام الذي
علينا نكون قدوة أهله بالسلوك والتعبير الأمثل عن الرسالة التي
أودعها النبي (ص) في أجيالنا , لأننا نتكلم لغة القرآن ويفترض
أن نكون متفهمين وواعين للآيات , وأن نتفاعل مع المسلمين من
أمم وشعوب أخرى بأخلاقية متميزة ونساهم في فهمهم الأمثل للدين,
لكننا على العكس صرنا بحاجة إلى غيرنا ممن لا يتكلمون العربية
لمساعدتنا على فهم تعاليم ومبادئ وأصول ديننا وكيف نسلك سلوكا
إسلاميا مهذبا.
فعندما نقارن بين العرب والشعوب المسلمة من حولهم نجد أن
الباكستاني والهندي والصيني المسلم أكثر تعبيرا عن الدين في
سلوكه وتفاعلاته اليومية من العربي. وترى الفهم الواضح والصحيح
المعبَّر عنه بالفعل والقول قائما ومؤثرا في مسيرة حياتهم. بل
أن المسلم في تركيا أكثر تعبيرا من العربي عن الإسلام ولديه
استيعاب دقيق وواضح له, وسلوكه إسلامي منظم وفقا لمبادئ
وتعاليم الإسلام.
وبما أن العرب قد ابتعدوا عن الفهم العملي للدين وفقدوا القدرة
على حمل راية الدين الإسلامي وإعطاء المثل الصالح في القول
والسلوك , ولأنهم ربما ما حفظوا أمانة السماء كما يجب عليهم
الحفظ وأصبحوا ملكا مشاعا للمذاهب والطوائف والعمائم والأشخاص,
فأنهم سيعانون الأمرين وسيكونون في حالٍ لا يحسدون عليها ,
وتلك لغة التأريخ وسنة الحركة الخفية في الأرض , بل أنها
العدالة الإلهية التي تسري وفقا لضوابط دقيقة خفية ومحكمة.
لقد أسأنا للدين وما عدنا مَثله الذي يمكن للآخرين أن يحتذوا
به, بل بسببنا تحقق البغض له ولطخت به الصفات التي لا تعرفه ,
لكننا نعبر عنها ونفعلها ونؤكد بأنها من الدين بصلة, وقد ساهمت
العمائم المغرضة في تحقيق أكبر الأذى بالدين , ودفعت بنا إلى
مستنقعات الويلات والتفاعلات الدامية , التي يسفك فيها المسلم
دم أخيه المسلم وبلا اكتراث , إرضاءا للشخص الذي يفتي بما يفتي
أو لغيره من أصحاب الضلالات التي مزقت دين محمد (ص) في موطن
الناطقين بلغته.
ولا يمكن الخروج من هذا المأزق الحضاري الكبير إلا بالعودة إلى
لغة الضاد واستيعاب مفرداتها واستخدامها في تطوير أدوات
تفكيرنا ومهارات وعينا وفهمنا للقرآن ومبادئ وأصول الدين
الإسلامي الحنيف , بعيدا عن عمائم الضلالات والتشويه والتزييف
والتحريف لغايات بنفس ألف أمارةٍ وأمارةٍ بالسوء.