|
مقالات القوة والعقل د. مراد الصوادقي القوة أيا كانت , إنما هي طاقة لا يمكن بسهولة السيطرة عليها بالعقل إلا فيما ندر, لأنها إرادة انفعالية منفلتة لا بد لها أن تعبر عن نفسها وتطلق قدراتها من مكامنها, وهي تريد أن تحقق وجودها وتأثيرها في المحيط الذي تكمن فيه, فلا يمكن لقوة أن تنام , مثلما لا يمكن للأسد أن لا يفترس. والعلاقة ما بين القوة والعقل علاقة تنافر وتضاد. والقوة ترفض في كل الأحوال الخضوع للعقل, بل أنها تستعبده وتسخره لتبرير غاياتها والوصول إلى أهدافها ودواعي وجودها. القوة وجدت لتبطش ولتدمر وتحرق. القوة أداة شر في أكثر الأحيان, لا أداة خير. ومن طبيعة القوة أن تنبعج ولا تبقى في مواضعها. وما امتلك بشر قوة دون استخدامها, لأنها تضغط لكي يتم التفاعل معها وإطلاقها. فما أن تولد حتى تتعاظم وتتواصل في فورانها لتحطم كل حدود كانت قادرة على ضبطها, فتنطلق إلى فضاءات الدمار والخراب والهلاك لتحقق غاياتها وتعلن نهايتها. وما عرفنا قوة أرضية قد استطاعت أن تكمن وتتستر. فعلى سبيل المثال, ما أن امتلك البشر القوة النووية حتى استخدمها , لكنه مضى يكدسها بعد أن رأى بشاعة انفلاتها وعظيم أضرارها , لكن البشرية إلى متى ستبقى قادرة على لجم جماحها؟ إن الواقع البشري, وما يجري على سطح الأرض, يؤكد بأن هذه القوة أخذت تزعزع أركان سجنها وقدرات ضبطها وأنها في طريقها للانطلاق وتحقيق أفظع الخراب , وقد تمحق الوجود البشري بأسره. القوة الكامنة ربما ستنطلق, وأخذنا نسمع بعض التصريحات هنا أو هناك بشأنها, ويُخشى أن تتحول الأقوال بالتكرار إلى أفعال, وأن يكون الوقت الذي يفصلنا عن يوم شراستها وبطشها لم يعد وقتا طويلا. الأرض اليوم قد تقف على أعتاب مأساة مروعة , تفوق ما جرى في القرن العشرين وما سبقه من قرون شرسة آلاف المرات, وأنها على أبواب دمارات عالمية لا تخطر على بال مخلوق أرضي. وكأن الأجرام تترقب بحذر ووجل وأسى ما سيحل بالأرض بسبب شرور البشر , وبسبب ما أبدعه العقل من وسائل الإفناء والإلغاء. ترى لماذا اكتشف العقل البشري الطاقة النووية؟ هل هي دوافع رحمانية, أم أنها دوافع شيطانية؟ هل هي من أجل الخير أم من أجل الشر؟ وهل نحن بحاجة إلى طاقة نووية, فما استخدمناها في شيء ندعيه , ولكننا نخزنها من أجل أن تحين لحظة الصفر لكي نبيد بعضنا البعض بوحشية مطلقة. إن ميادين استخدام الطاقة النووية في الخير محدودة بالقياس إلى استخدامها في ميادين الشر التي نسعى إليها ونحسبها بطولات وأمجاد. فما معنى كل فوائدها أمام محق حياة مئات الآلاف من المخلوقات والمزروعات في ثوان معدودات. ما قيمة الخير المزعوم من هذه الطاقة بالقياس إلى الشر الناجم عن استخدامها؟ لا يمكن المقارنة بين الحالتين على الإطلاق. ومصيبة الأرض, أن البشر قد امتلك هذه القدرات الفتاكة وطور أساليب التعبير عنها, وحولها إلى مخزونات هائلة تنطلق بضغطة زر واحدة من قبل فرد بشري لا غير. وهكذا فان البشرية بسبب إبداعات العقول والابتكارات والاكتشافات, وبسبب عدم ارتقائها نفسيا وروحيا وأخلاقيا إلى ما حققه العقل من إنجازات فائقة, أصبحت في حالة تخلف نفسي وأخلاقي وانقلبت على العقل الذي أبدع ما أبدع , وسخرته لأغراضها المختلفة المرهونة بنوازع النفس الأمارة بالسوء. التي لا تعرف غير الأنانية والإمعان في حب الذات والنيل من الآخر البشري. ويخشى أن تكون قدرات النفس الأمارة بالسوء في تعاظم والمسيرة الدموية الأرضية في تنامي وكأنها تحقق ما نراه ونسمعه ونقرأه كل يوم من الويلات والهوان الفظيع. فهل يا ترى سيمضي العقل في ضبط القوة أم أن القوة ستنفلت من قبضة العقل؟
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |