|
مقالات سناء وزليخا
دكتور عدنان الظاهر ما جزاء مَن يعشقك يا سناء ؟ سألها المتنبي فأجابت : جزاؤه هو جزاء يوسف الذي فرضته عليه زليخا زوج عمه وولي أمره عزيز مصرَ (1) ... السجن مدى الحياة ! لكنها راودته ـ إعترض المتنبي ـ فامتنع واستعصم ثم تحمّل ما تحمّل حتى ثبتت براءته من التهمة كما كان الذئبُ بريئاً من دمه في صحراء سيناء . الذئب بريء ويوسف كذلك بريء فما الفرق بين بريء وبريء ؟ قالت سناء إنما الفرق في الأسماء لا أكثر . يوسف هو يوسف بن يعقوب وجده إسحق بن إبراهيم وهذا إبن عازرَ في التوراة أو تارح في القرآن . أما الذئب فهو ذئب واسم أبيه ذئب واسم جد جده كذلك ذئب . إقتنع الشاعر بحجة سناء وفهم سخريتها من سؤاله . طيب ، واصل المتنبي كلامه : وما عقوبة مَن أنقذ سناء من سلطان صاحب الحريم الشره للنسوان وسلمها لحبيبها الشاب الذي تبادله الهوى ؟ أجابت جزاؤه هو ما نال الخصي من عقوبة الموت على يد سيده السلطان صاحب الحريم والصولجان (2) . أُسقط في يد المتنبي إذ وجد نفسه محاصراً بين عقوبتي السجن المؤبد وقطع الرأس . البرئ يسجن بسبب براءته ومن ينقذ غيره يفقد رأسه فأين العدالة وما مغزى الحياة وما دور الأديان في تقويم نفوس البشر وتهذيب أخلاقهم ؟ أهكذا تعاملين من يٌحسن إليك ومَن ينقذك من شبق الخليفة الجائر والثائر الشهوة الحيوانية ؟ سجن أو موت ؟ قالت غدا شعاري في الحياة : إتقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه !! آويت اليهودي يوسف وأكرمتُ مثواه حتى شب َّ عن الطوق وبلغ مبلغ الرجال فغلّقتُ الأبواب وقلتُ له (( هيتَ لك )) فتعفف بعد أنْ هم َّ بي وهممتُ به ولم يتجاوب معي وصدَّ عني ثم َّهرب مني فجريتُ سريعاً وراءه وأمسكتُ بتلابيبه فقُد َّ قميصه من دُبُر ٍ وكانت فضيحتي من هذا الدُبُر لا من غيره !! كان المتنبي إبن كوفة العراق مطرقاً منصتأ لما تقول سناء من أمور لا عهدَ له بها . أكثر من ترديد (( إتقِ شرَّ مَن أحسنتَ إليه )) . مَن قال هذا الكلام وما كانت مناسبته إذ ْ لا بدَّ له من مقام ومناسبة وظرف يناسبه . تأمر بحبس صبي عفَّ وتمنّع ولم يمسسها عرفاناً بجميل الرجل الذي ربّاه وعلّمه حتى قال عنه (( معاذ َ الله ِ ... إنه ربّي أكرمَ مثوايَ )) (3) . ربي بمعنى أبي فالأب رب وهو الذي يربّي . ثم تفرح ولا تحزن بتعليق رأس مسكين خصيٍّ تآمر على سيده السلطان فهربها في جُنح الظلام لأحضان حبيبها وكان من أمره ما كان . متناقضات الحياة بأجلى صورها وتصوراتها . عبدٌ يُعاقب لأنه لم يخنْ وليَّ نعمته وخصيٌّ يموت لأنه خان سيده الذي أخصاه وأسال دم أعضاء ذكورته . قالت في شئ من الإمتعاض : لم يخنْ يوسفُ عزيزَ مصرَ أباه ُ لكنه خان زليخا الشابة الفاتنة الجمال المحرومة من حرارة الرجال ودفء أحضانهم حيث كان زوجها عزيز مصرَ عنيناً ليس فيه أعضاء ذكورة ... علّق المتنبي قائلاً هكذا خلقه ربه فما ذنبه ؟ سارعت للقول سناء : وما ذنب إمرأة في عز شبابها لا تستطيع ممارسة الجنس مع مَن تزوجت ولا تستطيع أن تمتع جسدها الضاج بالإنوثة وشهوات الحياة ؟ إذا كان زوجها عزيزُ مصر عاجزاً عن إتيان الممارسة الجنسية فعلام يمنعها من ممارسة حق الجسد عليها وللجسد حقوق مقدسة كما لا تعلمون ؟ دعْ غير عزيز مصر يمتع زوجه زليخا بما تشاء وكيفما تشاء . محرومة منه ويحرمها من غيره . أين العدالة ، عدالة البشر وعدالة السماء !! طيب ، قال المتنبي لسناء ، وماذا عن الخصي الذي خان سيده وأحسن إليك . قالت وما شأنه ؟ شأنه هو شأن الذي أحبك بجنون فكان حظه منك عقوبة الخصي الذي أنقذك وأوصلك تهريباً لحبيب قلبك . كيف تطاوعك نفسك أن تحكمي بالموت على مَن يعشقك بكل جوارحه حدَّ الجنون ؟ قالت سناء : ليس لديَّ في هذا المقام سوى ما قال الوزير الزيّات [[ الرحمة خَور ٌ في الطبيعة ]] وهو قول كرره الفيلسوف نيتشة بعد الزيات بعشرات القرون . عقّب المتنبي قائلاً : لكنَّ الخليفة العباسي عاقب وزيره على قوله هذا فرماه في تنور شديد السخونة فيه أسياخ حديد شاخصة شاقولياً حتى مات تحت تأثير حرارة التنور وجروح قوازيق الحديد المحمّى حتى الإحمرار . قالت أعوذ بالله ... كان يمكن أن يكون مثل هذا مصيري لو عشتُ زمان الوزير الزيات !! هل أتدخل ؟ إستأذنتُ ففاجأتُ صحابي وأحبابي ... قالوا أهلاً وسهلاً ... تفضلْ وتدخّل وقلْ ما شئتَ . أعدتُ على سناء سؤال المتنبي مستفسراً عن سبب قسوتها وساديتها مع مَن يحبها حدَّ عشق مجنون ليلى ؟ قالت بكل هدوء وثقة بعد أن عدّلت وضع طرحتها الوردية على رأسها ولملمت بعض ما ظهر من شعر رأسها الذهبي : لم أطلبْ من أحدٍ أنْ يحبني . لم أسعَ للحب أبداً . فلسفتي أنَّ مَن يهواه قلبي أسعى أنا له ثم أجعله يهواني فتلتقي القلوب وقد نتزوج بعد حب عنيف . البداية فيَّ لا من غيري . الحب أمر قدسيٌّ في نظري وإنَّ قراري أن لا أتزوحَ إلا مَن أحب. متى تجدين الذي تحبين ؟ سال المتنبي . قالت لستُ في عَجَلة ٍ من أمري ، ثمَّ إني لا أؤمن بأنَّ المقدّرَ مكتوب ٌ . نحن مَن يقدر ويكتب ويستكتب . الإنسان نفسه . ذهبت سناء لقضاء حاجة طبيعية فسألني المتنبي : هل كانت عزيزتنا سناء جادة فيما قالت ؟ قلت لا أدري يا أبا الطيّب ... علمي علمك . لسناء طبائع خاصة ولها أسرارها الخاصة فلا تُلح َّ عليها في أسئلتك ولا تحرجها أمامي . هزَّ المتنبي رأسه يميناً وشمالاً ثم قال أراك تستبطن أمراً يا خبيث ! لستُ أنا بالباطني يا متنبي ، إنما أنتم القرامطة باطنيون . لا أخفي من أموري شيئاً على أحد ٍمن العالمين . قال بلى ، أخفيتَ عني أمراً أكاد ألسمه بيدي . ما هذا الأمر الذي أخفيتُ عنك يا صديق الملمات والشدائد والنكبات ؟ قالت أراك َ واللهِ واقعاً في غرام سناء !! خذلني جسدي ... إرتعدت مفاصلي وشحُب لون جهي . أردتُ أن أستجديه سكوته وأن لا يفضح أمري أمام سناء . قلت له أرجوك لا تفضحني ... إذا ما عرفت بأمر حبي لها سناءُ فلسوف تعاقبني بالموت شنقاً في ساحة التحرير في قلب بغداد !! دخلت سناءُ ثانيةً فابتسمت وقالت : بمَ كنتما تتحدثان خلال غيبتي القصيرة عنكما ؟ تلعثم المتنبي ولذت بصمت القبور أنا فمن ترى يجرؤ في حضرة سناء على الكلام المباح وغير المباح ؟ مَن يتجاسر ليقولَ لها أحبك يا سناءُ !! مَن يقدم رأسه على طبق من ذهب لسانومي ( سناء + سالومي ) ؟؟ قالت وقد رأت الحيرة والتخبط فينا وعلى وجهينا ورعشات أصابع كفينا ... قالت قد أحزر ما كنتما فيه من حديث . توقف قلبانا عن الخفقان والوجيب والدقات المألوفة . كاد المتنبي أنْ يفقدَ وعيه وكدتُ أفقد عقلي وظللنا ننتظر كلام سناء كأننا في ساحة قضاء في إنتظار قرار المحكمة بإعدامنا شنقاً حتى الموت . هي خصمنا وإنها هي الحكم . لم تتكلم سناء . هل حصل تغيير جذري في رأسها أو في قلبها فتغيرت قراراتها وأعادت النظر في أمر الحب وموقفها ممن يسقط عامداً أو سهواً في غيابة جب حبها ؟ هل صرفت النظر عن عقوبة الموت لمن يتجرأ فيسجد لها عاشقاً مسبِّحاً بحمدها مصلياً وطائفاً بعقيق عينيها الأخضر الذي اجتلبه من أور الكلدانيين إلى أرض كنعانَ سيدنا إبراهيمَ جد ُّ يوسف صاحب زليخا ؟ الحجر الأخضر العقيقي أشرف وأسمى مكانة ً من الحجر الأسود في قانون المعادن . غمزتُ المتنبي خلسةً أن يفتحَ موضوعي مع سناء فأنا لا أحب المخفيات ولا بواطن الأمور . لا أخشى عقوبة الإعدام سواءً شنقاً أو بقذيفة مدفع أو بقنبلة ذرية . الموت هو الموت وطعه واحد لا يتغير . ألم يقل المتنبي : وطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ ؟؟ غابت عنا سناء في ظرف مجهول . كيف ؟ لا أحدَ يدري . لها طرقها السرية في الظهور والغيبة . ظل َّ صاحبي صاحب الخيل والليلُ والبيداء والقرطاس والقلمُ ... ظلَّ صامتاً كأنَّ الطيرَ على رأسه . تثاءب ثم نهض قائلاً تصبح ْ على خير . تلفّتُ في حجرة الإستقبال فلم ارَ أحداً فيها . الكل غابوا بمن فيهم أنا ... أنا الحاضر الغائب والغائب الحاضر . أنا الغائب مني والحاضر فيَّ . نمتُ مردداً : الغيبةُ أفضل من الصلب على أعواد المشانق !! قال الحلاج << أنا الحق >> فحاكموه ثم صلبوه وأحرقوه فذرّوا رماد جسده في ماء دجلة في بغداد . أإذا قلت << أنا الحب والحب أنا >> تعلقني سناء مصلوباً بحبي على جذوع نخيل دقلة نور في واحة توزر التونسية ؟ هل يجمع الفنان الصديق محمد بوكرش رماد جسدي ثم يصنع منه تمثالاً لي يحفر يخط يده تحته : هذا شهيدُ حبِّ سناء وهذه عاقبة كل مَن تسوِّل نفسه له أن يخطأ فيقع في هوى سناء ! يا قتلى هوى سناء إتحدوا ! يا شهداء الحب والحرية إتحدوا ! يا من تقدسون حاجات الجسد الطبيعية إتحدوا ! يا سناء : ضمي صوتك لأصواتهم فلقد جاء زمن التحول وتحركت تروس عجلات دورات الزمان . أحبي يا سناء كلَّ مَن أحبوك ومَن سوف يحبونك ولا تتجبري ولا تتكبري عليهم فأنت منهم وأنتِ فيهم يا سناءُ !!. هوامش / أولاً / قصة الباب المفتوح ، كتاب أرض الحكايا للدكتورة سناء كامل شعلان / منشورات نادي الجسرة في قطر 2007 . ثانياً / قصة الخصي ، كتاب أرض الحكايا للدكتورة سناء كامل شعلان / منشورات نادي الجسرة في قطر 2007 .ثالثاً / سورة يوسف في القرآن الكريم / الآيتان 22 و 23 [[ وراودتهُ التي هو في بيتها عن نفسهِ وغلّقت الأبوابَ وقالت هَيتَ لك . قال معاذَ اللهِ إنه ربّي أحسنَ مثوايَ إنه لا يفلحُ الظالمون ]] .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |