مقالات

"المدرسة الحائية"

 

 

 الباحث والقاص والمترجم المغربي محمد سعيد الريحاني

مدرسة القصة العربية الغدوية

البيان الثاني

في الحاجة إلى

 "مدرسة للقصة المغربية القصيرة"

I/- عن "ميزان القوى في الأدب":

  منذ انطلاق مشروع "الحاءات الثلاث" بأجزائه الثلاثة ("أنطولوجيا الحلم" عام 2006 و"أنطولوجيا الحب" عام 2007 و"أنطولوجيا الحرية" عام 2008)، كانت المواظبة على إعداد نوع جديد من القراءات للنصوص الأدبية سميت "قراءة عاشقة" لأن كاتبا يشرف على إنجازها تمييزا لها عن "القراءة النقدية" التي ينجزها الناقد وعن "المحاضرة" التي ينجزها الأكاديمي.

  إن اختيار شعار "قراءة عاشقة" هام للغاية لارتباطه بالضرورة بقلم "مبدع" في مجال من المجالات الأدبية موضوع "القراءة العاشقة". ففي "القراءة العاشقة"، تغيب المسافة وينمحي حضورها بين القارئ والنص ليتحدث هذا "القارئ العاشق" من داخل النص كاشفا عن مكامن القوة والجِدّةِ والجمال التي يعرفها بحكم كون المجال مجاله والحرفة حرفته. "القراءة العاشقة" هي الصوت المسموع للكاتب "القارِئ" للنص حين يفضل الكاتب "المُدَوّن" للنص الصمت والانسحاب.

 أما "القراءة النقدية" فتبقى حكرا على الناقد الذي وُجِدَ ليُحافظ على المسافة مع النص المقروء بهدف اختبار النص ووضعه على المحك ورصد آليات اشتغاله ومكامن قوته وخلله. لذلك، فبينما تندر "القراءة العاشقة" نفسها ل"تحبيب" النص للقراء،  تبقى "القراءة النقدية" أداة فعالة في "تطوير" أشكال إنتاج النص الأدبي والرقي بها.

أما "المحاضرة" و"الدرس الأدبي" فَمُهِمَّةُ الأكاديمي الذي يؤرشف الإنتاج الأدبي (الإبداعي والنقدي) ويصنفه ويؤرخ له ويبوبه كي يصبح "مرجعا" للكتابة الغدوية و"حدا أدنى من أشكال التجريب" في الكتابة و"حجر أساس" ينطلق منه النص الإبداعي القادم ليعانق نقدا جديدا وَأَرْشَفَةً أكاديمية جديدة...

 الأشكال الثلاثة من القراءات، إذن،  توضح بجلاء لا يقبل اللبس بأننا أمام ثلاث دوائر لثلاث مجالات ينبغي احترام استقلاليتها بحيث لا تتوسع دائرة على حساب أخرى ولا تتكلم الواحدة باسم الأخرى. إن "ميزان القوى الأدبية" يقتضي توازن دائرة "المبدع" ودائرة "الناقد" ودائرة "الأكاديمي".  

II/- فصل المقال فيما بين "المبدع" و"الناقد" و"الأكاديمي" من اتصال:

"المبدع" هوصاحب رأي وحامل قلم اختار "الثورة على كل المراجع وكل المرجعيات" وبدلك لم يعد مطالبا بالإدلاء بلائحة المراجع والمصادر التي اعتمدها  في عمله سواء كان هدا العمل ديوانا شعريا ومجموعة قصصية ورواية ومسرحية. إنه لا يحتاج لمراجع وما ينبغي له دلك ما دامت إنتاجاته الإبداعية خرجت للوجود لتتبوأ أعلى مكانة في سبورة "المَرَاجِع" وتقدم نفسها ك"مَصَادِر أدبية". ف"المبدع"، والعرب يتحاشون تسميته "خالقا" كما في كل ثقافات العالم Creator/Créateur، "يخلق" عوالم جديدة و"يبدع" فيها إما بالكلمة والريشة والنغمة...

 أما "الناقد"، هوأكاديمي بالمنهج اختار دراسة واختبار النصوص "المفردة" والأعمال "المفردة" لكاتب "بصيغة المفرد" وفق منهج نقدي محدد وعلى ضوء مدرسة نقدية بعينها.  لدلك، كان تحديد المرجعيات هام للغاية بالنسبة للناقد.

 وأما "الأكاديمي" فلا يمكنه أن يكون "ثائرا" كالمبدع. إنه أكثر الثلاثة التزاما بالتدقيق وأكثرهم انضباطا للمراجع والمصادر. كما أن الأكاديمي، عكس الناقد، لا يدرس الأعمال الفردية. إن مهمة الأكاديمي هي "حفظ" الحصيلة الادبية وصون المكتسبات التي وصل إليها الإبداع والنقد في كل مرحلة من مراحل تطور الادب لتنطلق منها التجارب اللاحقة، الإبداعية منها والنقدية. إن مهمة الأكاديمي أقرب إلى مهمة ال"سكريبت-غورل" Script-Girl في فريق التصوير السينيمائي.  فإذا كانت مهمة الإبداع هي "فتح آفاق جديدة للكتابة" ومهمة النقد هي "اختبارها والتأشير عليها"، فإن مهمة الأكاديمي هي "حفظ" هذه المكتسبات و"أرشفتها" و"تدريسها" للطلبة لتصبح "واقعا أدبيا". "الأكاديمي"، إذن، ينتظر دائما إسهامات المبدعين والنقاد لإيداعها بنوك الإنتاجات الرمزية وتحويلها إلى كنوز وتدريسها للأجيال القادمة.

إن الأكاديمي هوناقد "بصيغة المفرد" لإنتاجات أدبية "بصيغة الجمع". لدلك، يغلب على الأكاديمي التوجه لتحقيق النصوص وإعداد البيبليوغرافيات والتأريخ للأدب وغير دلك.  لكن الأكاديمي باستطاعته أن يصبح "ناقدا" كلما "حصر" مجال اشتغاله على نصوص فردية وأعمال فردية لكاتب بصيغة المفرد.

 إن هذا التدقيق بين هؤلاء الفاعلين الثلاثة في حقل إنتاج الأدب، "المبدع" و"الناقد" و"الأكاديمي"،  هام للغاية قبل الانتقال إلى مدارس تكتلهم.

 III/- لِكُلٍّ "مدرسته" ومجاله وأفقه وأدوات اشتغاله:

 يتجمع الأكاديميون في الأكاديميات والمعاهد كال "كوليج دوفرانس" مثلا. أما النقاد، فيتجمعون في مدارس نقدية ك "الشكلانية" و"البنيوية" و"ما بعد البنيوية" و"التفكيكية". بينما يتجمع المبدعون من الأدباء في مدارس أدبية إبداعية ك"الواقعية" و"الرومانسية" و"الطبيعية" و"الرمزية" و"السيريالية" و"الوجودية" و"الملحمية" و"العبثية"...

وتأسيسا على هذا التقسيم المؤسسي لمدارس تكتل المبدعين والنقاد والأكاديميين، يمكن رصد "ملاحظات هامة" تخص المبدعين دون سواه من الفاعلين الآخرين وتهم الإنتاج الإبداعي الأدبي دون غيره من الإنتاجات النقدية والأكاديمية. وأهم هذه الملاحظات:

 1)- ضعف التواصل بين المبدعين المغاربة وضعف الاعتراف المتبادل بينهم.

2)- اعتماد المبدعين على النقاد والأكاديميين لإنارة الطريق لهم بما جادت به البحوث والرسائل والأطاريح الجامعية.

3)- غياب الوعي المؤسسي كالوعي بأهمية تأسيس مدارس إبداعية مرجعية...

 ولكل هده الأسباب، جاء مشروع "الحاءات الثلاث" رافعا مطلب تأسيس مدرسة مغربية للقصة القصيرة يؤطرها كتاب القصة القصيرة المغاربة دون سواهم من باقي الفاعلين في الحقل الأدبي ويلهمها في دلك المشترك الجمالي والمضاميني للإنتاج القصصي القصير المغربي دون غيره من الإنتاجات الأخرى.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org