|
مقالات الآن .. هل نحن بخير؟
عقيلة آل حريز لسنا بخير .. فقد بلغت القلوب الحناجر، وسالت الدماء، وامتلأت النفس غيضا من كثرة الإهانات وصارت المواجهات ضارية .. نتساءل ونحن نتابع مسلسل الأحداث الدائرة في البقيع، هل نحن بأمان ؟ أبداً لسنا بخير ولا نأمن على أنفسنا وأعراضنا وهذا ما جرى بالفعل .. أفعال حمقاء وتصرفات همجية، وتلفيقات وتهم وأكاذيب باطلة تتزعم الحقائق لتطمسها، بقصة مفتعلة تعكس عقلية مجحفة خاضعة للذات، وليست بذات إنصاف ولا تنتهج العدالة ولا الرحمة والموضوعية . كنا نخاف من الإفهام البالية وقصور الرؤيا حين نتعمق بالنقاش، فصرنا ندرك الآن أن الفهم البالي مدعم بالكثير من المساندة ممن راح يتغنى بالحماية و الحوار والاحتواء والدعم والتفهم، ومن كان يغدقنا بوعود كثيرة . نعم، الأفعال الكبيرة تحتاج لبراهين كبيرة لتكون بقدر الناتج، لكن للأسف البراهين المقدمة هنا كشفت زيفها وأماطت أقنعتها سريعاً، حدث هذا حين تدخلت التكنلوجيا الحديثة بعرض صور ومشاهد حية تفضح بعض الأقاويل الباطلة وتفند مزاعمها الكاذبة، فعرت أجزاء كانت مستورة عند البعض، لكنها للأسف لم تبدي خجلها ولا استحيائها مما تقترف، فراحت تتمادى في التقافز على عرض الحقيقة بمزيد من الأكاذيب والخدع. للشعوب المظلومة في الأرض أن تدافع عن حقوقها بكل شراسة، طالما لا فائدة من النقاش ولا الحوار، ولا من أمل بالتغيير الذي صار مأساة لهاجس يلاحقنا ويستحيل أن يكون بدون خسائر ودماء نازفة . بالطبع حين يكون ثوبك خرقا فلا تلم الغارسين أعينهم في عوراتك، وحين يكون النسيج الداخلي مفكك لا يمكنك سده بوعود فارغة ولا الغناء فيه بعزف جماعي، سيصبح الأمر وكأنه استفزاز ساخر . ثمة كسور هنا، وكسور هناك تجعل السير يبدو أمرا غير ممكن، بعض العرج قد يصبح عاهة مستديمة إن طال مداه ولم يتلقى علاج جذري يوقف زحفه، ولذا تخفق السياسات أحياناً في صنع ايديلوجيات التعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع وشرائحه وأطيافه لمواجهة التحول الديمقراطي المنشود . ما يحصل هذه الأيام أمر مستنكر بالفعل، فقد تعبنا من الحوارات والنقاشات والجدل . من حق الجميع أن ينال حريته، حريته التي لا تنتهك حقوق الغير ولا تمسخه ليصبح مماثل لنا فتضيع ملامحه، طالما يشاركنا ذات الأرض، ذات الهواء، فله ذات الحق . نفهم أن قلة الوعي يصبح مشكلة حين نواجهه، كما نفهم أن كثرة الصمت والعزوف عن الإيضاح والتدخل يؤجج المشكلة كذلك . فليس دوما موقف المتفرج يساهم بتقديم حل وسط، خاصة إن كان فيه دعم مبطن لبعض الأطراف على حساب طرف آخر . حين تتلاشى الآمال سيسقط الوطن فيغدو أفراده بلا حلم وبلا أمل، فما يحصل أشبه بعملية قص و لصق لسطو مسلح، لكنه قص ولصق بشع، غير منتظم يظهر التباين الواضح بين أجزاء الأحداث فيظهر زيفها للرائي، فلم يعد من شك بأنه غدا أمراً قد تُقول بليل ..... !! كنا حين نزور قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نخضع لساعات طويلة من الانتظار، نقف فيها على نسق نظام جديد يحدد هويتنا حين نشرع بدخول الروضة الشريفة، يميز بيننا وبين غيرنا من عشاق محمد، فنخضع لبعض الأوامر الصارمة، (قف تحرك، يمين يسار، سِر، انتظر دورك بعد ساعة أو نصف ساعة - وقد تطول طبعاً-، لا تتحرك حتى يخرج من كان قبلك، دقائق تؤدي الصلاة وتخرج لا تطل في مكوثك ....)، وكأننا بثكنة عسكرية لا روضة محمدية، نؤدي صلاتنا بحسرة تشوبها حرقة فلا نعلم صحتها لكثرة التزاحم بفعل الزوار المتلهفين على دخولها من جهة فتطأنا الأقدام للجموع الغفيرة، وكذلك نشعر بعدم الاستقرار من جهة أخرى بسبب الوقوف على طقوس صلاتنا من قبل الحراس وكأنهم يحصوا علينا أنفاسنا . قد نتقبل الأمر على مضض بداعي المساهمة في إحداث النظام وعدم خلق الفوضى والتأدب في حضرة الرسول الكريم . وفي كل مرة تزداد مساحة الضيق وتزداد الأقفال مرة بعد أخرى سماكة وغلظة، كما تضاف أبواب حديدية محكمة وحواجز أخرى تمنع وصول أنظارنا إليه، حتى صارت المسافات أكثر اتساعاً وبعداً، وصرنا نرى أن زيارة الحسين عليه السلام وفيها ما فيها من التعب والخوف أهون بكثير وأقل مشقة من زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فنشعر حجم الغربة في بلدنا ونتحسس قلة الإنصاف في ديارنا. داخلنا مع هذا الشعور بفداحة الاغتراب فنتساءل عن هؤلاء اللذين يستقبلون الوافدون جدد للزيارة في العراق وسوريا ومشهد وغيرهم من أماكن الزيارات والعبادات المكتظة، لم لا يواجهون ذات المشكلة فيضطرون لتصنيف الناس وتحديد أوقات الزيارة ومدتها . كان البعض منا يذهب للزيارة ويبقى من أولها حتى آخرها يراقب الوفود تدخل وتخرج، بينما هو لا يحسن شيئاً غير قلق الانتظار والترقب بوقت الفرج . وقد يسعف البعض الحظ فينفلت من بين جموع المحتجزين ليدرك وفد قبله يؤدي فيه ركعتين خلسة على عجل وخيفة !. ترى، هل كانت المشكلة في كثرة الازدحام كازدحام بحد ذاته فحسب، أم في عدم الرغبة في إفساح المجال للناس لتصلي عند الروضة، وهذا خاص بالجانب النسائي . وثمة أمر آخر يجعلنا نفكر، أين كل ما يجري من التعاملات الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها مضيفي زوار الرسول الكريم وخدام زواره، أين البشاشة والقبول الحسن العاكس لأخلاق صاحب المقام الطاهر، فمن يقف موقفا كهذا عليه أن يدرك منزلة المكان الذي يُشرع بابه للناس ليدخلوه بأمن وطمأنينة فلا يجحف في حقهم ولا يسطو على حرياتهم ولا يتجهم بوجههم، وعليه أن يدرك هويات الزوار واختلافاتهم، كما يدرك أن النصح و الإرشاد أمور توجه بتودد وترغيب، وللزائر الحرية والخيار في قبولها أو رفضها، وليس لأحد ما، كائنا ما كان أن يجبره على تغيير معتقده طالما احترم القواعد العامة ولم يحدث ما يجعله أمر مستنكر . فالرسول ليس ملكا لأحد ولا هو قسرا على فئة بعينها، فان لم يستطع القائمون على تولي الأمر القيام بواجباتهم في حق الاستقبال والإشراف فلينتحوا جانباً ليفسحوا المجال لغيرهم بالتقدم، فالكثيرين يرغبون بان ينالوا هذا الشرف والمنزلة الرفيعة ومستعدون فعلاً لأن يكونوا منارة ونوراً لزوار النبي، يعكسون أخلاقة ويزرعون مبادئه وينشرون قيمه للعالم أجمع . لكن للأسف، بكل غرور وتحامل وحقد وحيلة وابتعاد عن كل ما هو ديني أخلاقي وتهذيبي، يتم صب نار الحقد والتكفير والقتل وترويع الآمنين بحرم الرسول، ونقول دين الله وحرم رسول الله، ومما زاد الأمر خزياً أنه حصل في شهر من الأشهر الحرم، وقُبيل استقبال ذكرى وفاة الرسول، وكأن لا حرمة للمكان ولا لصاحب القبر مع أن الحمائم تغدو آمنة في حضرة الرسول، فكيف لا يأمن زائره ولا تراعى حرمته وتنتهك كرامته ويسفك دمه !!. كيف تنتهك حقوقنا ونتعرض للسب والضرب والاعتداء السافر، وتنال منا وسائل الإعلام بلا إنصاف أو تحقق ونقول إننا بخير ! .. هل نستطيع بالفعل أن نقول أننا صرنا بأمان، مما جرى ؟، صرنا ندرك أن أمر التغيير أصبح مأساة حقيقية تحتاج للكثير من الجدل وما فوق مستوى الجدل، ومع أن الحقائق تبدو واضحة لكن لا احد يرغب بالتقاطها . ما أشبه اليوم بالأمس، البعض يمط عضلاته ويستعرض أحقاده ويمضي يتربص بالزوار ليصب جام أثمه عليهم وكأنه يسارع لنيل العفو والغفران، يظن أنه يحسن الصنع بأفعال قبيحة . يذكرنا الوضع بما صنعوه بالرسول حين ذهب لدعوة أهل الطائف فنبذوه وكالوا له وأرسلوا عليه فتيانهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة ويلقوا عليه القذارة ويسبوه ويصمونه بالجنون حتى اعتزل الطريق جانبا وأخذ يداوي جراحه ويشكو أمره لله.. اللهم إني أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ....، بالفعل الوضع يبدو مزر لنقف ونراقب ما يجري، كما يبدو هذا أمر مستنكر، فكم هو قبيح وتافه أن يكون للمرء أضداد من نفس دينه ووطنه وجنسه، فتنتهك حرمته بدعوى الملة والعقيدة والنظام !!!.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |