|
مقالات النسيم المبارك ..
عقيلة ال حريز ظلت أنفاسك تتردد على أوتار الترقب وزوجك يحثك على الخطى فصويحباتك قد سبقنك .. تبدين متلهفة للحصول على رضيع من مكة .. رضيع له أب مغدق .. لكنك تبدين متوجسة من الإخفاق، فتسع نساء خرجن معك وسبقنك إلى بيوت الشرفاء في مكة .. تلتف آمالك بتوق لأمل يعتق جوعك .. يختصر لك النهار والمسافات ويغذي صغارك بالخبز .. الخبز الذي صار شحيحا هذا العام لكثرة الجدب وقلة المطر. هاقد وصلت إلى بيت اليتيم (محمد صلى الله علية وآله وسلم)، فتترددين في أخذه وتخشين من أمر يتمه فصويحباتك لم يرضين به لهذا، لكنك أيضاً تكرهين أن تعودي خالية الوفاض بلا شيء يغير قساوة واقعك .. ترفعين عينيك في وجهه، تتأملين سجاياه النبيلة وابتسامته الملائكية، فتتوسمين عالم مليء بالخيرات في نور وجهه الوضيئ .. ستأخذينه فقلبك رق له، وستعبرين به طريق مليئة بالأمل، وعما قليل سوف تدركين مبتغاك .. فيجتاحك نحوه شوق وحنان، وسيكون كفيض أغنية ملائكية تحرس دربك .. ستقاسميه اللبن القليل مع ابنك (عبد الله) الذي ما انفك باكيا من الجوع منذ قدومكم لمكة فناقتك المسنة لم تسعفكم بشيئ، ولم تجدي ما تسدين به رمقه .. ستأخذين الوليد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وستعبرين به ضفة الفقر الصعب وتتجاوزين ضنك الحال ببركاته، وسيزدهر الخير ويثمر على يديه .. ها أنت تحملينه معك وقلبك يتقد له شفقة ورحمة .. لانت له روحك رغم يتمه، فتحركت البركات حولك . كانت الابتسامة القلقة تغلف وجهك المترقب وسط حب تولِد في قلبك متقداً فجأة لهذا اليتيم رحمة به وشفقة عليه، ورغم أن الأمل قد خاب بالوصول لوليد آخر أكثر حظاً يوفر ثراء مغدق تستعينين به على شظف العيش، إلا أنك كنت تتكلمين بما في قلبك، وقلبك ينبض بدفء ويتسم بمسحة صدق وفيض من النقاء . ملامح الصحراء الخشنة تغلف خطواتك، والريح تصهل في صدى الجفاف وتهز ناقتك التي امتلأ ضرعها باللبن، فشربتِ وشرب زوجك معك حتى اكتفيتما، لكن التساؤلات ظلت تشغلك حين كنت تحتضنيه بروحك بينما راح قلبك يخفق بحبه ويتعلق بأنفاسه، ليؤازر السكون دخول العتمة . بضعة أميال قطعتموها معاً، على تلك الأتان وهي تكسر خمول الفضاء المشبع برائحة الصحراء والتراب الجاف، الأشياء مبعثرة هنا وهناك كما الأفكار تماماً، والكائنات تسبح في سكونها .. وفي شحوب المكان تتحرّك هواجس اللحظات والأشياء، ويتوسم في تكاثف الغيم بدءٌ محتمل لهطول المطر .. ورأسك المسكون بهواجس القلق على جفاف في صدرك، يتساءل كيف يمكنه أن يغذيه . لكن الإجابة جاءتك حاضرة فانسابت المنحنيات في باديتكم بالعشب الأخضر وتحرثت ملامح الصحراء بالخيرات، وتهيأت الأرض لاستقباله وأزهرت .. وأصبح للشجرة الميتة حياة أخرى تبعث على الإيمان واليقين بأمره . فما حملتِ الوليد لمكان إلا وانتفى الجدب منه ونطقت الخيرات بالحمد .. كأنما تحررت باديتكم من البؤس فجأة وثقلت غيومها بالمطر فجلى غبار التصحر عنها وترك بصماته فيها . تختزل اللحظات الجميلة التي قضيتها معه حكاية النبوة،كان لك فيها ابنا كأحد أبناءك وأكثر، وكنت تجمعين تفاصيل قصيدة تعلقك به، محاولة إمساكها في ذاكرتك كلوح مرايا زجاجية، حتى إذا ما هزك الشوق اتقد داخلك بفيض من الحنين .. تعرفين أن وجوده يضفى رونقا خاصا على كل الأشياء من حولك، فالبادية تبدو زاهية والسماء أكثر زرقة وأكثر كرما بهطول المطر، والصحراء أكثر انتظاما وخضرة عن ذي قبل .. لكنه سيفارقك حتماً وسيحزنك هذا الفراق فحبه يستحق هذا الحزن .. وها أنت تعيديه بعد سنوات خمس وتقاسيم النور ترتل الرسالة بداخله، وتوقدها لأمر قادم . .. ستعودين إليه من جديد وهو زوج لخديجة - سكنه ومهجته -.. وسيفرش عباءته على الأرض ويجلسك عليها احتراماً، ويناديك بأماه (يختزل بها معاني اليتم بداخله)، وسيهبك أربعين شاة وبعير، يودعك ليلتقيك في غزوة حنين مرة أخرى .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |