|
مقالات رحلة من الجحيم الى الجحيم
حيدر قاسم الحجامي/كاتب وصحفي عراقي
تتزايد الظواهر الاجتماعية الغريبة في النمو في مجتمع ما بعد الحروب الدامية التي شهدها العراق أكثر من نصف قرن من تاريخه الحديث . وتشير تقارير صحفية الى تزايد حالات العنف الاجتماعي بصورة متنامية بعد إحداث عام 2003 فحالات القتل والاغتصاب والاختطاف بدت واضحة للغاية خصوصاً بعد الضعف الذي أصاب الجهاز الأمني الذي انهار عقب تلك الإحداث ، وسجل العراق في السنوات السبعة الماضية أعلى نسبة من جرائم القتل المنظمة أو غير المنظمة ، ففد ظهرت في العراق نوعان من جرائم القتل أولها هي تلك الجرائم التي تقوم بها جماعات إرهابية كرد فعل طبيعي لسقوط نظام ارتبطت به هذه الجماعات أو تلك الجماعات المتطرفة (القاعدة وحلفاؤها في العراق ) بعدما سمحت القوات الأمريكية بتحويل العراق الى ميدان لمقاتلة تلك الجماعات على الأرض العراقية. وعلى الرغم من خطط الحكومة العراقية التي شكلت بعد عام 2006 للقضاء على هذه الجماعات إلا أنها مازالت تمارس فعل القتل الجماعي لمئات العراقيين في الأسواق والكراجات والمدارس والمساجد ، ويدرك الباحث الأهداف من وراء هذا الاستهداف وهو مرتبط بدوافع سياسية أو دينية أصولية متطرفة ، أو حتى إرسال رسالة الى قوات الاحتلال مفادها إن دول الإقليم يمكنها فعل المزيد متى شاءت !! ولذا فليست أمريكا هي اللاعب الوحيد في الساحة العراقية . وبغياب سلطة القانون الفعلية نمت جماعات أخرى اقل تنظيماً على شكل مافيات تمارس أفعال القتل أو الاختطاف أو الاغتصاب مقابل المال ، ولعبت هذه الجماعات دوراً تدميراً خلال السنوات الماضية في الإجهاز على بنية المجتمع العراقي التي تعاني من تفكك ملحوظ بسبب السياسات القمعية السابقة . هذه الجماعات وجدت لها موطئ قدم في صفوف الشباب العراقي الذي تحاصره البطالة ، والتشرد في ظل عجز حقيقي في وضع برامج تأهيل وتوظيف واستيعاب تقوم بها الحكومات المتعاقبة لحل مشاكلهم مما اضطر ألاف الشباب للانخراط في جماعات العنف المسلح بدافع الحصول على المال ، أو لتحيق ذات مسحوقة اجتماعياً بسبب الفقر والجهل . كذلك شهد العراق انتشار المخدرات القادمة من الخارج ، وأدمن الكثير من الشباب عليها بسبب غياب الرقابة الصارمة ، وغياب الوعي بمخاطر هذه السموم الفتاكة ، ورغبة الشباب الهروب من جحيم الواقع المأساوي الذي يعيشه في ظل وضع ملتهب . ومن الظواهر التي نمت في المجتمع العراقي ظاهرة انتحار الشباب بين عمر 14-20 عام ، فقد شهد العراق في السنوات القلية الماضية المئات أو أكثر من حالات الانتحار بين صفوف الشباب حيثُ سجلت إحدى المحافظات العراقية التي تتمتع باستقرار أكثر من 5 حالات انتحار في أسبوعين فقط ، دون إن يتوقف احد عن هذه الظاهرة ليدرسها دراسة مستفيضة ويحاول إن يقود حملة للتوعية المجتمعية بان مثل هذا الفعل من شأنه إن يهد كيان المجتمع ، وينشر ثقافة الموت المنتشرة أصلا في العراق . إن هذه الظاهرة تعزى الى عدة أسباب كما يقول الباحث النفسي الأستاذ ظاهر حبيب| نمو ظاهرة قتل النفس أو الانتحار تعزى الى عدة عوامل منها ضعف الإيمان لدى الشاب وهذا ما ينتج فراغاً هائلاً لديه ، وأيضا ضعف الإيمان بالحياة بسبب عدم المقدرة على مواجهة تحدياتها التي يصطدم بها المراهق عندما تقوم الأسرة بتركه يواجه المجتمع والصعوبات بمفرده ... |. كذلك ضعف الروابط الأسرية وعدم وجود وعي كافي لدى الأبوين لتفهم حاجات المراهق والاستجابة المناسبة لها . كما ويلاحظ الباحثون في مجالات علم النفس إن اغلب الذين يقدمونَ على الانتحار هم ممن عانوا اليتم في بداية حياتهم ، ولم يجدوا الرعاية الكافية من قبل المجتمع المحيط بهم مما يجعلهم غرباء وسط ذلك المجتمع ولا يشعرون بالانتماء إليه ، وهذا يقودنا الى التساؤل عن مستقبل أكثر من مليون يتيم خلفتهم ماكنة الحرب المستعرة وقبلها أكثر من هذا العدد في حروب النظام البائد الكبرى !!! . يضاف الى هذه الأسباب دور وسائل الإعلام المختلفة في الترويج للعنف وبصورة متواصلة ، فقد أحصى مختصون في مجال مراقبة وسائل الإعلام بان أكثر من 100 قناة فضائية إخبارية بثت ما يقارب 1000 ساعة من لقطات العنف في نشرات إخبارية خلال عام واحد !! وهذا يترك أثرا سليباً على نفس المتلقي و خصوصاً المراهق الذي يتأثر بهذه المشاهد ويحاول تقليدها أو يتم الاحتفاظ بها في ذاكرته الحادة وترسخ تلك المشاهد في لاوعيه . كما تبث وسائل الإعلام المرئية ألاف الساعات من المسلسلات والأفلام التي تحمل في طياتها تشجيع واضح على الجريمة تجاه الأخر أو اتجاه الذات ، مما يدفع بالمراهق الى محاولة تقمص هذه الشخصيات وخصوصاً تلك الشخصيات التي تتمتع بكاريزما خاصة كالشجاعة والعنف والقسوة والرومانسية ، او الإغراق في بث رسائل للشباب بان الانتحار إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها للشاب إثبات ولائه للأخر وهذا ما تحويه المئات من المسلسلات والأفلام الرومانسية. كذلك انتشار قنوات خاصة لأفلام الكارتون القائمة على العنف واستخدام وسائل الإبادة بحق الأخر وهو ما يرسل رسائل خطيرة للصغار ويشجع روح العداء لديهم . كذلك انتشار العاب الفيديو التي تحتوي على مشاهد عنف أو تلك القائمة أصلا على العنف كطريقة للعب ، والإقبال الواسع لدى الشباب وخصوصاً المراهقين لاقتناء مثل هذه الألعاب الخطرة . كل هذه العوامل يضاف إليها ضعف الأسرة وتفككها في مجالات كثيرة ، وانتشار الإمراض النفسية وتفشيها دونما اهتمام مناسب مثل حالات الاكتئاب وغيرها ، مما يولد رد فعل طبيعي لدى المراهق الذي يشعر بعدم الاهتمام الكافي وهو يمر في فترة بناء ذاته ويحتاج الى مزيد من الدعم والتشجيع والرعاية والعناية ، إلا إن بعض الأسر تفضل أو تجبر على الزج بالمراهق في مواجهة صعوبات الحياة وخصوصاً إذا ما كانت العائلة معدمة . كل هذه الأسباب وغيرها تدفع الشباب الى الانتحار كوسيلة للتخلص من جحيم هذه الحياة لكنهم حتماً سينتقلون الى جحيم أخر ، إلا ما غفر ربي . وأخيرا فان منظمة الصحة العالمية تقول إن عدد المنتحرين سنوياً بإحصائية شملت مختلف إنحاء العالم، بلغت مليون ومائة ألف منتحر سنويا، وبتقسيم هذا الرقم سنجد انه يعني وجود 3000 حالة انتحار كل يوم أي 125 حالة كل ساعة، بمعدل حالتي انتحار كل دقيقة .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |