|
مقالات من مكاشفات الجواهري .. وثوابته
رواء الجصاني منذ بدايات انطلاقاته الابداعية، باح الجواهري بمواقفه النقدية، والانتقادية، للأفكار والسلوكيات الاجتماعية البائدة، وللأعراف والتقاليد الموروثة، والمورثةُ دون تمحيص، او تثقيف... وقد ظلّ الشاعر الخالد على تلكم الحال حتى سنواته الأخيرة: غاضباً، متمرداً، عنيفاً، داعياً للتنوير والنهوض والارتقاء... وتجاوز ما بلى من مفاهيم عافها الزمان. ويجد المتابع، الجَهود، مثابرةً واعيةً، وشبه دائمة على هذه الطريق في منجز الجواهري الشعري الثري، والنثري المتميز، لمئات الحالات التي تحدثت عنها، ووثقتها قصائد تترى على مدى أكثر من سبعة عقود... شخصتها ودانتها عبر رؤى واستشهادات وفلسفة واضحة ومباشرة... ... وفي العديد من الوقائع التي نحاول العناية بها في هذا السياق، يجمع الجواهري رؤاه ويشيعها بشمولية واضحة، وان تبدت الصورة، وللوهلة الأولى انها شؤون شخصية وخاصة... غير ان قراءات متأنية، نابهة لما زعمه الشاعر، وادعاه عن ذاته، تكشف بما لا يقبل اللبس، انه يعالج من خلال ذلك، شجوناً وقضايا اجتماعية ووطنية عامة، تخص ظواهر ذات أكثر من مغزى... ... وقصيدة "المُحرّقة" المنشورة عام 1931، نموذج بارز لما نحن بصدد التوثيق له، والتأكيد عليه... خاصة انها نظمت والجواهري كان في مطلع شبابه، وانطلاقته الابداعية، والرموزية: أحاول خرقاً في الحياة، وما اجرا ..وآسف ان أمضي، ولم ابق ِ لي ذكرا ويؤلمني فرط افتكاري بأنني ، سأذهب لا نفعاً جَلبت ولا ضُرا مضت حججٌ عشر ونفسي كأنها، من الغيظ سيلُ، سُد في وجهه المجرى وقد ابقت البلوى على الوجه طابعاً، وخلفت الشحناء في كبدي نغرا الم ترني من فرط شكٍ وريبةٍ ، أري الناسَ ، حتى صاحبي، نظراً شزرا ... لقد جاءت القصيدة هذه اثر ظروف قاسية مرت على صاحبها المبتلى في أواخر العشرينات الماضية، والمعروفة دوافعها وجذورها الزائفة واللئيمة في آن... وقد مرّ عليها الشاعر الناهض، وتجاوزها بكل قدرة وشموخ ، وكما بينت الأعوام والعقود اللاحقة، إذ انكفأ الموتورون والجهلة، والظلاميون بينما راح شأن الجواهري يعلو، متربعاً عرش الابداع ودوح الوطنية والانسانية... ... وإذ تبدأ القصيدة "المُحرّقة" بملموسيات ونبرات ذاتية خالصة، تنطلق لاحقاً في وصف الحال، والدفاع عن النفس، والانتقاد، وحتى مرحلة الادانة التالية... وربما قرار الحكم، وكل ذلك في مرافعة شعرية شاملة أعدها الجواهري بحذق نابغ ومهارة مصطفاة. أقول اضطراراً: قد صبرت على الأذى، على انني لا أعرف الحر مضطرا وليس بحرِ من اذا رام غايةً ، تخوف أن ترمي به مسلكاً وعرا وما أنت بالمعطي التمرد حقه، اذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى وهكذا صالت "المُحرّقة" وجالت في أكثر من ستين بيتاً، طالت المزيد من المحاور الاجتماعية والسياسية السائدة آنذاك، وآثارها وتأثيراتها، ذات الصلة بمدارات نهوض البلاد وأهلها، فضلاً عن التحذير من مغبة الانكفاء، والركون إلى اليأس والاستسلام للواقع المرير، بل وقد راحت تشهر الدعوة للمواجهة والتصدي، وتلكم على ما نرى واحدة من أبرز المهمات التي تقع على كاهل المتصدين للتخلف والسبات ، والتواقين للارتقاء والازدهار... وعلّنا مصيبين في ما ذهبنا إليه...
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |