مقالات

معايير وسنن ضابطة في الكون والإنسان والحياة!!

 

عبد الرحمن آلوجي

من حق المرء أن يلح في التساؤل عن دور الإنسان في ما يحيط به، وما يضغط على فكره، ومن حقه أن يدرك ما له من أثر إزاء هذا الكون بما له من قواعد وسنن وأسرار وألغاز، و ما أدركه من حقائق توصل إليها هذا الإنسان عبر آلاف الجهود, وبذل في سبيلها الكثير من العنت والمجاهدة ليعلم موقعه، ويعلم مدى تأثيره، و قد كابد إلي ذلك أحقابا ودهورا من البحث والدرس، وإدامة النظر، حتى أسلست له قيادها، وأتاحت شيئا من قوانين وقواعد، يسرت سبيله إلى المعرفة والريادة، وكشف الأسرار, وطرق آفاق الحقيقة، وهو في بداية ريادته تلك، لمجاهل كانت بالأمس القريب ألغازا ومغاليق، ليجد في البحث،وينتهج إليها مناهج وطرقا، تقربانه من وضع قدميه على الأرض، وهو يتساءل ويستكنه ويستنبط، وهو لم يخط إليها إلا قليلا كما يقول العلامة "ألكسيس كاريل "في بحثه القيم " الإنسان ذلك المجهول "، رغم ما أنجزه من معارف وعلوم وأدوات بحث، وتقنيات وتكنولوجيا متطورة، إلا أن الكون بأبعاده الهائلة، ومسافاتها الشاسعة، وأجرامه العظيمة، وملايين من مجراته وسدمه، ونجومه وكواكبه وأقماره ، ومعمياته ومجاهله العميقة لا يزال مجهولا إلى حد كبير، مع تصدي الإنسان – هذا المخلوق المذهل – لعملية البحث، وإصراره – بفضول علمي لا ينفد، وصبر علىالمكاره – على مواصلة البحث، بما أوتي من موهبة خارقة، وأداة عظيمة نافذة من القدرة المفكرة، والطاقة العقلية التي وهبها ، والتي من شأنها أن تملك القدرة على الاستقراء والاستكناه والكشف، ليشق طريقه الآمنة – رغم ضراوتها – بقواعد ومعارف أولية مركوزة ومكثفة في أعماق ذاته المبدعة،عميقة الجذر في كيان الإنسان، ليلعب دوره باحثا ومنقبا، وقادرا على التحليل والتركيب، وفك العقد والرموز والألغاز, ومحاولة الاقتراب من تخوم وسدم غارقة في دياجير لم يصل بعد إلا إلى أعتابها، لحل الرموز المستغلة، وسبر الأغوار البعيدة  .

والإنسان – وهو يتفاعل مع هذا الفضاء الكوني الفسيح وسننه وقوانينه، ومنعرجاته وأغواره السحيقة، وملامسته الأقرب للجرم الذي يعيش على سطحه " الأرض" – يجد نفسه بدافع شعوري مدرك وواع، وقادر على الاستيعاب، مدعوا بهذا الدافع الفطري الأصيل، مندفعا بقوة ورباطة جأش، ونزعة أصيلة إلى محاولة فك الطلاسم والعقد، للاستزادة من المعرفة، ومد آفاقها، وفهم ما يحيط به، سواء في مكونات المادة الجامدة، أم في تعقيدات المادة الحية،ومصادرهما ومنابتهما، والاستعانة بمنهجية البحث العلمي لنبش كل قانون، والبحث عن المبادئ الكبرى التي تحكم مسيرة الكون، فتنتظم من خلالها الأجرام، وتسير في ركبها الأفلاك، وتفتق من بينها أكمام وبراعم ومعارف ومستبهمات، لا يمكن تجاهل نظامها العام، وقانونها الطبيعي، بإدارة الظهر لها، وتفسيرها بالخبط والاعتباط والعشوائية، ومما لا يقوم الدليل به، ليناهض، ويقاوم كل إشاحة وعبثية ولا مبالاة، أمام عظمة هذه الكينونة الكبرى، وانتظام قوانينها، ودقة سننها، وبراعة تواليها، وتكرارها وتعاقب دورانها الحتمي والإرادي المحدد، وفق معايير علمية وموضوعية مستقلة  .

ولا يمكن تصور المعادلة القائمة بين الإنسان كائنا مدركا ومحللا ومستنبطا، والكون المحيط به والضاغط على فكره، بما فيه الجرم الأرضي الصغير الذي يحيا فيه، ويتغذى من خيراته، ويتنفس هواءه النقي، لا يمكن فهم وتصور هذه المعادلة إلا من خلال تفاهم وتعارف وتواؤم دقيق بينه وبين محيطه الكوني، وأنس وألفة مع آفاقه الواسعة والعريضة، واستبشار وراحة مع كل مكتشف، وحب عميق لتطبيق هذا المكتشف ليمسي وسيلة لاكتشاف جديد،وسبر أفق آخر ، ثم مع المحيط الأرضي الأقرب، والذي أتيح للإنسان – وفق قدراته وطاقاته المحددة – أن يحسن التفاعل معها، تحليلا وتفسيرا، واستفادة واستثمارا لثمرات بحث جاد، وجهود علمية رائدة، بحيث باتت تشكل رصيدا معرفيا صالحا لمزيد من الإضافة والتنقيب والبحث الرصين، بحيث غدت العلاقة – في أحسن صورها وأجلاها وأجلها – علاقة تقارب وألفة واتصال وتلق بمزيد من الإقبال والتلهف لمعرفة المزيد، وإغناء الرصيد العلمي، وفتح آفاق جديدة، يمكنها تغذية الزاد المعرفي، وتقديم ذخر نابض بالحياة من الكنوز المعرفية والعلمية، وطرق آفاق تفتح الكثير من الكوى المظلمة، منيرة الدرب للأجيال الساعية إلى الريادة والكشف والوصول في عوالم الفضاء والأحياء ومكونات العناصر والأجرام والعوالم المجهولة، والكشف عن احتمالات الحياة في أجرام أخرى بعد أن أصبح غزو الفضاء علما له قوانينه ونظمه ومناهجه وعلماؤه وباحثوه, شأن العلوم الأخرى في هندسة الجينات والأحياء والخلايا والسيتوبلازما ، وتطورات فهم الشيفرة الوراثية، ومركبات الأحماض الأمينية، وقصة الحياة، وطرافة المكونات الحية، وسلسلة نموها وتكاملها ووجود العضيات المترقية إلى جانب الإميبيا ووحدات الخلية والمرشحات والميكروبات الميكروسكوبية، والعناصر والذرات ومحتويات النواة من نترونات وبروتونات ، وما تحمله نظرية التطور والارتقاء من جدية وجدوى وتساؤلات لم تحسم ولم ترتق إلى الإجابة عن التساؤلات الملحة والحلقات المفقودة، والفرضيات المحتملة، وما يتعلق بالطفرات الوراثية المعقدة، ومنبثقات وتجارب الاستنساخ و والأبحاث الناجحة في الخلايا الجزعية، وما لها من أثر في قضايا الطب الحديث والتشريع والأحكام المتفرعة عن قضية تطرح فكريا تساؤلات عميقة، وما لكل ذلك من علاقة بالخلق والتكوين والحياة والعدم، وأصول الميتافيزياء الحديثة و والقفزات العلمية الهائلة في كل ذلك، وما تشكله من نقلة كبرى في فهم ملابسات وتعقيدات المعادلة الكونية، وعلاقة الإنسان بكل ذلك، مع تطور علومه ومعارفه ومناهجه ومختبراته، وتجاربه المطردة والمتواصلة، لفتح معالم وآفاق مستجدة وغير منظورة، مما يضع الإنسان كأقوى وأقدر كائن عاقل أمام تحديات وتساؤلات كبرى، لا مفر من التصدي لها، والتفاعل معها ومحاولة سبر معضلاتها، وهو من صميم علاقته بالكون والحياة قضايا التفاعل المعطاة كمونا، والمطلوبة تصديا وفهما واستثمارا، وتفجيرا للقدرات والطاقات الكامنة والمخزونة .

والإنسان يجد نفسه – ومن خلال مسافة الأمان المتاحة له، ومن خلال قدراته وطاقاته وتفاوت إمكاناته– مدفوعا بدافع فطري متعمق الجذر للتصدي للمسائل الكبرى في مواجهة طلاسم الكون والحياة وفك واستكناه رموزها، وإغناء عالمه الفكري والمعرفي، والإضافة بفضول ، وطلب المزيد من التقنيات والآليات العلمية الضابطة والموجهة، والضاغطة دون إكراه أو قسرية وإملاء بإقبال معرفي رائد ومألوف إلى نفسه، بقوة الدفعة الفطرية تلك، ومن خلال دافع آخر لا يقل أهمية وسلطانا على النفس من الدافع إلى المعرفة، وإشباع الفضول والتوق إليه، بحيث يجد من لذة الاندفاع ما يعادله بل يفوقه قوة وأصالة وهو الدافع المثالي الواقعي على أرض العمل الميداني، هو دافع البناء وإعمار الكون، وتطوير قدرته على خدمة القضايا الحياتية في الازدهار والنماء والامتداد، مما يلتقي فيه علم الحياة وبناء الكون بعلم الاجتماع وتطور العمران، وهو الأساس والمنطلق، وما عداه من نزاعات و من مختلف أنواع  الصراع ودرجاته والاقتتال على الموارد والأسواق ومصرف ونفقات التجارة والتسويق، والفتن والقلاقل والحروب والثارات المصاحبة والتي تقود إليها أطماع بائسة، لا تخدم دور الإنسان الفاعل والناجع والمنوط به طبيعيا، ودونما عوارض مدمرة، تخرج من نطاقها المرسوم والطبعي والخير، منسجما مع علاقة الإنسان الحضاري وتكامل دوره ونشاطه في الكون والطبيعة والحياة، ليستطيع من خلال ذخيرته المتراكمة وعلمائه وأعلامه، ومن خلال مختبراته ومعاهده وجامعاته ومؤسسات البحث العلمي والاستراتيجي  ومراكز الأبحاث, أن يخفف من أعباء الجهل بهذا العالم الواسع العريض والمتداخل، وأسراره وسننه وقواعده، والتي لا تتاح إلا ببذل جهود منظمة وحثيثة ومنتجة ومتواصلة، لتأتي ثمراتها أكلا سائغا، ومنتجا علميا ثريا، وطاقة معرفية ثمينة، تقي من العبث والفوضى والقوة التدميرية الخالية من القيم والمثل الحافظة والواقية من الشرور والمآثم والعنصرية الجانحة، والتكالب على العرض المادي القريب، للهبوط إلى درك الإثمية، والعطالة القاتلة من كل خير وفضل ومنة ترقى بالإنسان من عالم البهيمية والغرائزية إلى عالم شفيف ترف من خلاله نداوة الجمال وروعة الاتصال بسر الكون وسننه الرفيعة, ونظامه الملهم البديع والمتوازن، مما ينبئ عن سر الإنسان كقوة بناء مبدعة ونبيلة وخيرة معطاء, تخرج من إطار ذاتية متقوقعة ومغلقة ومتدهورة ومليئة بالشرور، وما تتركه من دور سلبي في المجتمع، يتوضح من خلال معطى إنساني بعيد كل البعد عن الدور في العمارة والازدهار والتمدن، وهو ما يجعل للحياة وعلومها وفنونها وآدابها واجتماعها واقتصادها ونظمها وقوانينها ذخيرة دافعة ونافعة، وقوة نماء وبناء ومواكبة وعلم ومعرفة، لتسخر في خدمة القضايا الإنسانية الكبرى في البيئة والتنمية والسكان ومواجهة الكوارث, ودرء الفواجع والآلام، وهو جوهر الدور الفاعل والحقيقي والهادف للإنسان وريادته في الكون والطبيعة والحياة وتألقها وازدهارها .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org