|
مقالات المزوري .. رحلات وشعر واضاءات كوردية
عبدالوهاب طالباني
معلوم ان لادب الرحلات موقع
مهم في الدراسات الادبية الجادة وخصوصا الدراسات النقدية منها،
وثمة الكثير من الامثلة خصوصا في الاستشراق الاوروبي و يرى الدكتور هلال الحجري في أن أدبَ الرحلات تتجاذبه دراساتٌ نقدية يمكن تقسيمها إلى مدرستين: تاريخية، وتحليلية الأولى منهما تغلب عليها منهجية توثيقية، حيث يكون فيها نصيبُ الأسد مخصصا لتلخيص حياة الرحالة، وأسماء الأماكن التي مروا بها في رحلاتهم، وزمن الرّحلة، ومسارها. أما المدرسة الثانية فمعنيّةٌ بتحليل نصوص الرحالة و تفكيك خطابها. وهنا لابد ان نكون بانتظار ما ستتمخض عنها رحلات الاديب بدل رفو المزوري في نتاجاته القادمة. بدل رفو المزوري موضوع هذا المقال، كان منذ بداياته الاولى، يبحث وبكل اصرار وعناد عن موقع له في دنيا الابداع والكتابة، ورغم سنوات البعاد كونه مغتربا في القارة القديمة اوروبا وانا في الجزيرة الاسترالية .. القارة البعيدة نسبيا، لكن كنا نتواصل، اعرفه انسانا حساسا نبيلا، تعتمل في داخله عوالم جميلة تتميز بالثراء العاطفي والخيال الخلاق، انه يعيش حالة تحليق دائم في دنيا التجليات، ولا ابالغ حينما اقول هذا الكلام، لانني اعرفه واعتز بصداقته. في المساحة الابداعية الاكبر لشخصيته يعتبر على الاغلب شاعرا، ولديه الكثير من القصائد المنشورة التي كتب عنها مختصون ونقاد، وهو صحفي بأمتياز يكتب في الشؤون الادبية والثقافية عموما وبكل فروعها تقريبا، وهو مترجم راكز ورائع للنتاجات الادبية نقل العديد من النصوص الشعرية الكوردية الى لغة العرب وبالعكس، وفوق كل تلك المهارات يتميز بكفاءة نادرة وذائقة فريدة في فن التصوير وعلمت انه اقام معرضا او معرضين لفنه في مجال التصوير الفوتوغرافي. ومع الفارق في مفهوم الرحلات وادبها قديما وادب الرحلات حديثا، لكن قد تدخل كتابات بدل رفو المزوري عن رحلاته ضمن هذا النوع من الادب الذي اشتهر به الاوروبيون وقدماء شعراء العرب والكورد، ولكن اين يمكن ان نصنف المزوري، هل ان ادبه هو ادب رحلات كوردي ام ادب رحلات عربي؟ من وجهة نظري المتواضعة اعتقد انه سيدخل ضمن الادب الكوردي بدليل انه يكتب بالكوردية ايضا الى جانب العربية، وحتى عندما رحل الى المغرب فقد روج اولا للثقافة الكوردية وقرأ نصوصا كوردية مترجمة وتحدث لجمهرة الادباء المغاربة عن ادب شعبه الكوردي، ولا تقلل قراءاته لشعره المكتوب بالعربية من هذه الحقيقة. اي ان المزوري اضاف ادب الرحلات الى جملة اهتماماته، فهويتعامل مع رحلاته كجزء من نبضات روحه وخلجات مشاعره دون تكلف، و يكتب عنها، ويوجز ويكثف بطريقته الادبية الراقية ما يرى ويسمع، ويكتب عن تواريخ ومواقع واشخاصا كانوا مؤثرين في المجالات الادبية والثقافية. اتخذ المزوري ابن كوردستان المتعطش لرؤية المزيد من مساحات الضوء و الحياة، والمتشبث بكل الثواني والدقائق والساعات والايام كي يعرف من اسرار الوجود، ويثري ذائقته الابداعية، اقول اتخذ المزوري وعلى خطى العشاق الاولين، الترحال كحالة تقربه من عالمه الملئ بالحب والغرائب والنجوم والفقراء والمتاحف والصبايا الجميلات والدهشة والكلمات الكوردية المشحونة العاصية عن الترجمة الى اية لغة من العالم. فقد طاف اوروبا كلها وكتب الكثير عن شعرائها ورساميها ومتاحفها وكلريهاتها ومسارحها، وذهب الى شمال افريقيا، وفي المغرب قرأ الشعر الكوردي مترجما الى العربية على مثقفي وشعراء تلك البلاد، وتحدث عن تاريخ وتجارب سحر البيان في كوردستان، وذهب عائدا الى الدار الام التي تركها في يوم اسود كانت حينها كوردستان تذبح امام انظار العالم الصامت عنها صمت اهل المقابر، ذهب الى هناك يتلمس حيطان بيوتها القديمة ويلثم بوابات معبد النور في لالش، ويتضوع بعطر البراري الكوردستانية من جديد، ويملآ عينيه وحناياه بلقيا اصدقاء الروح، واخيرا طار، في رحلة مدهشة واختيار مفاجئ، الى كازاخستان حيث الاحبة من اهلنا الكورد الذين كانوا ضحية سياسات الغدر لانظمة كان همها الاول والاخير استعداء الكورد ومحاولة القضاء عليهم وتشتيتهم وترحيلهم بعيدا عن ارض الاباء والاجداد بهدف ان لايبقوا على اي انسان ينتمي الى عرق اسمه العرق الكوردي على ارضهم الوطنية. وقد كان موقفا جميلا من جمعية الصداقة الكازاخستانية الكوردستانية (هيفي للثقافة و الفنون) ان يكرم الاديب المزوري في احتفالية حضرها جمع غفير من اهلنا الكورد الكازاخستانيين. رحلات المزوري لا تبدو انها تقليدية في سبيل متعة سياحية، او لغرض تجاري، او زيارة اقارب خاصين به، بل هي رحلات ادبية تتم بقرار شخصي منه وهو منظمها، ويعرف ماهيتها ويحدد اهدافها مسبقا، معتمدا في تغطية مصاريف رحلاته كلها وبدون استثناء على دخله الخاص الذي يجنيه من كده وعمله. المزوري يؤدي ولوحده تقريبا دور مؤسسة ثقافية كاملة ودون اية ميزانية بمئات الالاف من الدولارات، ودون الكثير من فضفاض الادعاءات الفارغة والبيروقراطية القاتلة التي تمتاز بها عادة تلك المؤسسات الرسمية، وهو من خلال هذه الرحلات انما يبني معمارا فنيا مقروءا ومسموعا ومرئيا عبر امكانيات جد متواضعة، ويقدم اضاءات حية لتجاربه وصورا ابداعية لثقافة شعبه الكوردي بخالص رغبته الشخصية دون انتظار اي تكريم او (كتب شكر) من جناب المسؤول، كما يتلقى هو اضاءات من ثقافات الاخرين، وبذلك يشكل احدى حلقات التواصل الحضاري بين الشعوب دون اية قعقعات او هرج اعلامي.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |