|
مقالات إنضباط الحارثية ... حنين ومَواجد! سامي العامري فصل من كتاب (*) هُمْ آخرُ التُّعساءِ لا مُهَجٌ تُرجى وكُلُّ زمانِهِم خامُ ويُغيظُهم أنّا سواسيةٌ وعلى الجميعِ الحُبُّ قَوّامُ ! قبل أن يتبين للناس الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود قفزتُ من نومي مرعوباً حتى ارتطم جسمي بسقف الغرفة ثم عدتُ أدراجي الى الفراش ... معسكر الحارثية والذي كان مخصصاً لتدريب الإنضباط العسكري او من المفترض أنه أُسِّسَ لهذا الغرض , تحول في فترة الحرب العراقية الإيرانية الى معتقل كريهٍ لا يُطاق ورمزٍ لإذلال الجنود الرافضين المشاركة بالحرب حيث شراسة منتسبي الإنضباط والضرب المُبرِّح بالعصيِّ والسباب السوقي المُغثي ناهيك عن تكديس الأعداد الكبيرة من الجنود داخل سراديب ضيِّقة قذرة لا يضمن فيها أحدٌ سلامتَهُ من الأمراض المُعدية إلاّ القمل ! وتستمر هذه الحال أحياناً لمدة اسبوعٍ ويجري بعدها تسفير الجنود الى جبهات الحرب وطبعاً التسفير يكون فقط للجنود الذين التحقوا ( نادماً ) أمّا غيرهم فالرصاص بانتظارهم . هناك في تلك السراديب الخانقة حيث يُرمى بالصمّون اليابس كالأحجار على رؤوس الجنود وحيث لا إمكانية للنوم أكثر الأحيان إلاّ جلوساً وما من أفرشة ولا أغطية وكان التبرُّز يتمُّ على مرأى الجميع , والطريف أنهم كانوا يطلقون على هذه السراديب اسمَ قاعاتٍ ! هناك بعد بضعة أيامٍ لاح ضابط برتبةِ رائدٍ من الباب الرئيسي لأحد السراديب وهو يضع منديلاً على أنفهِ ويحيط بهِ ثلَّةٌ من جنود الإنضباط المسلَّحين ليصيح بالجنود المعتقلين طالباً منهم التجمُّع في الساحة الأمامية, خرجوا أفواجاً متدافعةً راغبين بنتفةٍ من هواء نقيٍّ وأصطفّوا متهالكين وعلى الجهة المقابلة لهم صفوفٌ من الجنود أيضاً خرجوا من سرداب آخر , وكان هذا في شتاءٍ حزين. كان الضابط يكيل الشتائم على الجنود بنظراته المتورّمة حقداً قبل أن يكيلها عليهم بلسانهِ , صاح بالجميع : يا أولاد الـ ... ستبقون عدة أيام أخرى في قاعاتكم وبعدها سيتمُّ تسفيركم , ما أريد كلمة واحدة . هنا أطلَّ برأسهِ أحدُ الجنود المعتقلين , صاح ببراءة : ولكنْ الجوُّ بارد جدّاً سيدي . فردَّ الضابط ببديهيةٍ وهو ينظر الى جميع المعتقلين : ( بسيطة , سنضعكم في قاعةٍ واحدة . ) فكان لهُ ما أراد ...! هذا الحلم الوفي , او هذه السِّمة الكابوسية هي العلامة الفارقة والتي هي كالوشوم الأسطورية على أبدان الهنود الحمر هي التي تؤآخي بين المنفيين إذا ما شاقَهم الإختلاف ! مثلما تؤاخي بين ضحايا الحروب كلِّهم . ---------------------- أُناسٌ مُتْرَفون يَضطجعون على أرائكَ طويلةٍ كَصَبْر أيّوب ما أنْ حصَلَتْ غارةٌ جويَّةٌ حتى كُرِّسَ لحمايَتِهم خمسون مَلجأ ولمّا أصبح الصباح وسكَتَتْ شهرزادُ عن الكلام المُباح كان نِصفُ المدينةِ حُطاماً يُنْعِشُ فُتوّةَ الصُحُفْ ! ------- هامبورغ 1991 --------------------- حازوا كل شيء ولكن لم يعرفوا الحب , لم يسيروا على الضفاف او يتأملوا النهر من بعيد وحين جدَّ الجدُّ هربوا متخفَّين بعد أن تركوا الناس في العراء ... راهنوا على حرب الشوارع ! قال لي : قرأتُ حكايةً عن صيّاد اصطحبَ رفيقاً لهُ في رحلةِ صيدٍ ولمّا عجزا عن العثور على حيوانٍ يقتنصانهُ قرّرا التسَلُّل الى أحد مراعي الغزلان العائدة الى أحد الملوك , فأطلقَ مَن كانت في حوزتِهِ البندقيةُ رصاصةً أصابتْ غزالاً فهتَفُ رفيقُهُ مُستبشِراً : لقد أصبناه ! فردَّ صاحب البندقية : لا تقُلْ : ( أصبناه ) بل انا الذي أصِبْتُهُ . ولمّا هَمَّ بحملِ الغزال إذا بحُرّاس المرعى يهرعون وقد سمعوا صوتَ إطلاق الرصاصة فصاح صاحب البندقية برفيقهِ : لِنَهْربْ , ساعِدْني في حمل الغزال , إنهم يتعقَّبوننا . فردَّ عليه رفيقُهُ : لا تَقُلْ : إنهم ( يتعقَّبوننا ) وإنما هم يتعقَّبونك ! مَن مثلي رَشَقَ الفلاةَ بالخدورَ ؟ او مَن مثلي راح يَنْأَى عن مائدة الأهل ناظراً الى ناقتِهِ وهي تلوكُ الصحراء ؟ وناظراً اليهم وَهُمْ يلوكون بعضَهم البعض ! ----------------------------------------------------------- (*) فصل من كتاب قصصي نثري شعري بعنوان : النهرُ الأول قبل الميلاد .
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |