|
مقالات شخصية المؤرخ والتعقيدات المنهجية في عملية التأريخ
عزيز العرباوي/ كاتب من المغرب إذا ما أردنا التوغل في التاريخ العربي سندرك على الفور وبدون صعوبة تذكر، تعقيداته وتنوعاته المنهجية والفكرية والنظرية، وكذلك صعوبة الاقتراب منه بواسطة الأفكار الجاهزة والأحكام المستقاة من قراءة الواقع العربي الراهن، وبالتالي سيكون هناك التزام واضح على عدم الاقتراب منه دون دراسة العديد من المجالات المعرفية ومقاربة الكثير من المناهج العلمية التي دخلت علم التاريخ وحاولت دراسته دراسة مفصلة. لقد كثر الحديث عن التاريخ وعن شخصية المؤرخ وهناك من وضعه في مرتبة الحاكم والقاضي بحيث أنه يواجه عالما يفتقر إلى التسامح مع الخروج عن الحقيقة ومع الخطأ أو أنه يحاول المزج بينه وبين الخطيئة (صلاح عيسى : " الكارثة التي تهددنا" ص:41) وللمؤرخ رؤية نقدية قبل أن تكون لديه رؤية استقرائية للوقائع والأحداث أو نقلية للأفعال والأقوال وسواها من التقريرات التي تحدث فيزمان من الأزمنة ومكان من الأمكنة . إن المؤرخ العربي يقوم بعمل واقعي تماما ، ويبحث عن إنتاج تاريخي نظيف بعيد عن الحساسيات السياسية والتوجهات الفكرية التي قد تؤدي إلى الصدامات والاندفاعات المصاحبة لها ، حفاظا منه على إبقاء التاريخ العربي في صورة هي بريئة منها ، لأنها لا تمت إلى واقع الحال بصلة . ومن هذا المنطلق يحق لنا القول بأن التاريخ العربي قد وجد نسه بعيدا عن الكثير من النواقص التي كانت ستؤدي به إلى النكوص والضعف، فالكثير من الكتابات التاريخية المعتمدة في العالم العربي رسميا نجدها بعيدة كل البعد عن التأريخ الحقيقي للأحداث الدامية وصورها البشعة التي مر بها تاريخنا العربي . ولذلك ادعينا في مستهل حديثنا أن المؤرخ العربي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في نتزوير تاريخنا الحقيقي، وقد يشمل هذا الادعاء الكثير من مؤرخينا المحدثين الذين ساروا على نفس نهج السلف في مسؤوليتهم التأريخية وانضموا بذلك إلى فئة مؤرخي البلاطات والقصور والأنظمة الاستبدادية. فكانت النتائج جد سلبية على الحركة التاريخية العربية لنجد في الأخير نقصا معرفيا كبيرا في معرفة تاريخنا الحقيقي الذي عرف العديد من الانتكاسات والصدامات، وقد وجدنا ضالتنا عند الآخر المتمثل في الغرب ، حيث حافظ على الكثير من الكتابات والمخطوطات التي أرخت للعديد من المراحل المظلمة من تاريخنا ، كتبها وأرخ لها العديد من المؤرخين المستقلين في تلك الأزمنة وهربوها إلى العالم الغربي ليتم الاحتفاظ بها إلى حدود الآن . ورغم قلة هذه المصادر التاريخية فإنها قد لعبت دورا كبيرا في التعريف بمراحل تاريخية مهمة من تاريخنا العربي ومن تراثنا الذي عرف العديد من المصاعب والمشاكل التي كانت سببا في عدم تقدمنا وازدهارنا العلمي والديني والمعرفي... إن ما وقع للفيلسوف الكبير "ابن رشد" من عملية حرق لأغلب كتبه ، واضطهاده واضطهاد أصدقائه في مرحلة تاريخية كان التعرض فيها للسلطة السياسية والدينية محرما على الجميع ، وبالأحرى الفلاسفة والمفكرين والكتاب والعلماء. ولولا قدرته وحنكته بمساعدة أصدقائه وتلاميذه في تهريب العديد من كتبه ومحاولة إعادة صياغة أخرى انطلاقا من جمعها من عقول حفظة الكتب من تلامذته لضاع تراث "ابن رشد" كله ولفقدنا ميراثا فلسفيا ومعرفيا هاما جدا . وأما بالنسبة لعالم الاجتماع "ابن خلدون" الذي أصبح البعض في أيامنا هذه يعطيه هالة عظيمة - وهو يستحقها - كان العرب في زمنه يكفرونه بمعية السلطة الحاكمة آنذاك ، وقد نفته أكثر من بلاد ، بينما أصبحت اليوم تلك البلاد العربية التي اضطهدته تتسابق على إعطائه الجنسية ، كالمغرب وتونس والجزائر ومصر...ورغم أنه من مواليد الأندلس أي لا ينتمي إلى أي بلد من هذه البلدان ، فإن السخرية وصلت بهم إلى حد أن يتصارعوا على منحه الجنسية عوض دراسة مؤلفاته ونظرياته في علم الاجتماع التي سبقنا الغرب إلى الاستفادة منها والعمل على توظيفها في السلطة والحكم . إن العقل العربي تاريخيا كان ميالا إلى السلطة وتكريس النهج السلطوي الوحيد الذي يمنح الحاكم الاتصاف بالوحدانية والقوة والمرجعية ، ولذلك كانت النتائج مدمرة للعديد من الأفكار المعتدلة والداعية إلى التحرر الفكري والديني والسياسي فقتل العديد من العلماء والمفكرين والفلاسفة والشغراء وتم نفي العديد أيضا . إن الجهل بالمصادر التاريخية التي سبقت المرحلة الراهنة في تاريخنا العربي ، وخاصة في العهد الإسلامي والدول الإسلامية الحاكمة بأمر الله كما كان يدعي العديد من الحكام آنذاك ومن هم في حاشيتهم ، هذا الجهل الذي ولد لدينا كتابات حديثة مليئة بالأخطاء التاريخية والأكاذيب السياسية التي طبعت مرحلة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت ، وأنتجت أيضا كتابا ومفكرين وعلماء - سامحهم الله - يكرسون في إنتاجاتهم ودعواتهم واجتهاداتهم فكرا خطيرا على العقل العربي الحديث السهل الاختراق والسيطرة عليه باسم العديد من العناوين الفكرية والدينية ما أنزل الله بها من سلطان . ولا يفوتنا هنا الآن ، أن نقول كلمة في غاية الأهمية ألا وهي أن العقل العربي يستحق المحاكمة والمواجهة لاقترافه أخطاء تاريخية وتواطآت سياسية ضربت الاستقرار الاجتماعي والديني للعرب يعرض الحائط ، ونخص بهذه المحاكمة العقل العربي المثقف والمفكر وليس العقل العربي العادي ، أي المواطن والمسلم العادي الذي لا يقدم ولا يؤخر.....
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |