|
مقالات الهم "الأنثوي" في الأدب الرجالي الحداثي د. صالحة رحوتي يكاد الناظر إلى مضامين الأدب الرجالي الحداثي، والمتمعن في ثنايا أنساقه وأجناسه أن يجزم أن المحور الأساس للإبداعات في إطاره هوالحديث عن المرأة... ويكاد يجزم أيضا ـ لولا تلك المعرفة سابقة له بالواقع العربي ـ أن الأديب الحداثي هوذاك الرجل الاستثناء المُمتِّع بامتياز للمرأة بحقوقها، والذاد عنها ضد عوادي التقاليد المجحفة وتداعياتها المركسة لها في وهدة التشييء، وكذا تلك المختزلة لها في الجسد يُسوَّق ويُنادى عليه في أروقة نخاسة الواقع المعاصر. فباستقراء بسيط للأبعاد وللخصائص المضامينية لجل ما ينتج في إطار هذا الصنف من الأدب من إبداعات رجالية سيُتأكد من هذا المنحى، وتُبرز الأدلة، وتُحَصَّل البراهين. فما جل ذلك الأدب الرجالي الحداثي إلا يدور في دائرة ضيقة لا تتعدى محاورها: 1 ـ التصوير لحالات إغراق في حب وغرام... وما يصاحبها تلك الحالات من سهاد وتحرق أكباد من جراء الجفاء والصد والهجران!!!!! إذ هوالأديب في بعض الأحيان الشيخ واصطبغ الرأس منه ببياض ولا زال المفرد للحب لا يكتب إلا عنه وله...ومراهقة مستدامة تبدوالناتئة من نتاجاته تلك المتضوعة بآهات العشق وبأحاديث الهيام... 2 ـ التعبير عن المشاعر العاطفية الحالمة المُعلية من قدر المرأة المحبوبة حد العبادة والتقديس وحتى حد الهلوسة والهذيان...مع الإغراق في النهل من معجم مترع بالوثني وبالأساطيري وحتى بالعجائبي حد النخاع...دخان وأبخرة وتعاويذ وأصنام وآلهة وأبطال ميثولوجيا وحكايات خرافية ومعابد وأصنام... 3 ـ الكتابة عن الحبيبة والخليلة وإفرادهما ـ تقريبا ـ بالتطرق للوشائج الرابطة معهما، وكذا إقصاء باقي العلاقات الأخرى مع كل الموجودين في المجتمع، وحتى مع النساء الأخريات، أولائك اللواتي لا يمكن تجاهل كونهن من أساسيات النسيج الاجتماعي المؤثر في الواقع المحيط. 4 ـ الحديث عن وحول حب جسدي، ويمتزج فيه الوصف لتضاريس الجسد المعشوق مع أحاسيس ومشاعر اللذة الحسية، وترتفع تلك الجرعة من الجنس الرخيص حتى تصل إلى ما يسمى ب"الأدب الإيروتيكي " وذلك حسب "جرعة الحداثة " الكامنة في فكر الأديب. 5 ـ الرصد لحالات تهتك وفساد أخلاقيات من نساء ما، وإسقاط صفة البراءة على تصرفاتهن الماجنة، وكذا إلباسهن لبوس الضحايا المتعرضات لقهر المجتمع والعمل على تبرير سلوكياتهن، ثم والقول بتأديتهن وهن المحترفات والهاويات للعهر ل"خدمات اجتماعية" لا استغناء للمجتمعات "الحداثية" المعاصرة عنها. 6 ـ الانتقاص من قدر العلاقات الزوجية والاستخفاف بها، ورسمها على أنها السلاسل والأغلال المقيدة إلى شخص الزوجة تلك المتشنجة البشعة البدينة المثيرة للمشاكل والمفتعلة للأزمات...و.. و.. و... وكل النعوت الواسمة لها بما يُنفر منها ويدفع إلى ازدراءها...ثم وهي بالخصوص تلك المانعة من التحليق في سماء الهوى... والمُركسة في وهدة الواقع، وأيضا تلك الصادة عن الانطلاق من عقال المسؤوليات الأسرية الممجوجة الكريهة إلى النفس و"المُقزِّمة" للقدرات على الإبداع... وهكذا فإن موضوع العلاقات العاطفية والجسدية مع المرأة لا يكاد يُتجاوز إلا بقدر يسير فيما ينتجه أولائك الأدباء، وذلك بالرغم من أنهم لا يقومون في الأغلب الساحق بأي مجهود من أجل تحسين فعلي حقيقي على أرض الواقع للعلاقات مع ذلك المخلوق الذي ما يفتأون يندلقون على أعتابه، وكذا يتهافتون على تقديسه، ويتنافسون من أجل إتقان التغني بجماله وتمني القرب منه ووصاله... فهم من أكثر الممارسين للعلاقات المفتوحة هم الأدباء الحداثيون لخلفية إيديولوجية معينة تحكمهم!!! مع ما تحمله من ظلم للنساء تلك العلاقات، سواء المعبوث بهن كخليلات، والمُستَهتر والمُستَخَف بهن كزوجات مخدوعات... فبالتغلغل ـ من أجل مزيد إطلاع ـ في الواقع المحيط بهم نراهم لا يُنيلون حتى تلكم الخليلات والحبيبات ما يخاطبونهن بها في إبداعاتهم من رفع قيمة ومن لطف ومن تكريم ومن تبجيل وحتى تقديس... إذ وهم المنشدون والمجعجعون حول ذلك الحب العذري ـ الفاتك بالقلب والمشظي لأعماق الذات ـ لا يؤمنون بوجوده في الواقع أصلا، وذلك للمعرفة لهم عميقة بالفضاءات التي ينتشي فيها التواجد المختلط للنساء بالرجال، وللإدارك لهم واسع بالتغيرات طالت المجتمع بسبب طغيان المادة وانحسار القيم الروحية المؤثرة في مسار العلاقات بين الناس... فهم الواقعيون في علاقاتهم معهن، ويعاملونهن بما يليق بهن كرقيق داعرات يقبلن العلاقات المفتوحة تلك المشينة والمُذلة للمرأة، إذ هذا ما هوكامن في حنايا عقولهم، وراسخ في أغوار أذهانهم، إذ يبقون السابحون في لجة التقاليد التي تجعل منهم المؤمنين بأن لهم الحق كرجال أن يمارسوا ما يريدون من انفلاتات، وأن يرتكبوا ما يرضونه من انحرافات، ثم ويكونوا هم الموفوري الكرامة، والمرفوعي الرؤوس...وحتى حراس عفة نساء حريمهم، اللواتي لا يمكن أبدا أن يبقين الكريمات ـ حسب اعتقادهم الراسخ ـ وهن المنحرفات أخلاقيا. ثم وتجدهم في حياتهم الخاصة الكارهين ـ في الأغلب الساحق ـ للقيام بتلك الواجبات الأسرية المترتبة حين "تورطهم" في تكوين أسر، يعتبرونها الرماد كريه يهاجم جذوة الإبداع فتخبو، وتبعا لذلك هم المتكالبون على كل ما يمكن أن ينسيهم الإحساس بتلك المسؤوليات من مذهبات للعقول... خمور مسكرات وحتى مخدرات... ظنا منهم أن ممارسة الغياب المقصود مدعاة إلى ازدياد وهج وألق ذلك الإبداع، وحتى مجلبة للإلهام يوحي بما يُنتج ويُصاغ في قوالب الأجناس الأدبية. فأين هي حقوق المرأة المتغنى حولها وبها وعليها والحال هذه من جور يطالها، ومن انتقاص لإنسانيتها، ومن تهميش لكيانها ؟ أين حقوقها كزوجة لها الحق في أن تعيش مع زوج حاضر فعلا جسدا وفكرا ويتحمل معها عبء المسؤوليات المشتركة؟؟ وأين حقوقها كابنة ـ امرأة المستقبل ـ في أن تحظى بالوسط الأسري الهانئ السعيد يحتضنها وترعرع فيه؟؟؟ ثم أين مكانتها كإنسان... كامرأة يحسن التعامل معها بما يرفع من شأن وعيها وينتشلها من الرذيلة حتى إن انحشرت طواعية في أتونها لجهل معشش فيها؟؟ وأين الدور الموجه من المثقف لها وهوذاك الأديب يمجد امتهان العهر من قبلها، ويدفعها إلى مزيد متاجرة بالجسد حتى يتحصل له اليسر في اقتناص ما يشاء ويرضى من اللذة والمتعة دونما تبعات ولا حساب... ازدواجية وتناقض مريع، وإبداعاتهم هم الحداثيون تكاد تتفجر الأنساق منها بالتصريحات مدبجة، وبالتلميحات مضمنة، دفاعا عن المرأة ضد ازدواجية الرجل العربي الظالم الغاشم، ذلك المتخلف المحكوم بالموروث الضارب في عمق التاريخ... فوضى فكرية ترابط فيهم...ثم وهي كل الفوضى الاجتماعية تكون السائدة في الأغلب حولهم وهم غير المبالين والسائرين قدما "المبحرين" في "عوالم الإبداع".... وهي "البوهيمية" السبب وحتى الهدف ـ كما في الغرب القبلة وكما يقولون ـ ويحاول الأديب الحداثي أن يبدوالمصطبغة بها كل أبعاد حياته، لا مبالاة وترك للحبل على الغارب...واصطناع قناع يوحي بالثقافة تجوس خلاله... ثم والمظهر الخارجي لا يسلم حتى هوفي الكثير من الأحيان من بصماته ذلك التوجه الطارئ المستورد الطارد لشذرات من الهوية لربما تبقى الصامدة المرابطة فيه...شعر منكوش...وغليون... ومظاهر كثيرة "حداثية" أخرى... وقد يقال أن العبرة بالجوهر لا بالمظهر، وللأديب أن يختار ما يبدوبين الناس به كيفما يشاء...وهنا يلح سؤال ويطرح نفسه بالضبط حول ذاك الجوهر: لماذا تكريس القسط الأكبر من الإبداع الأدبي الرجالي الحداثي ـ مرآة الذات وأداة الغوص في أرجاءها ـ من أجل تصوير علاقات وشخصيات وعواطف غير موجودة ولا كائنة في الواقع وتبدوالمستحيلة الكينونة حتى؟؟؟ أ هوذلك العربي الجاهلي القابع في عمق التاريخ: ـ التائه بين كثبان الرمل لا متناهية... ـ الغارق في لجة السُكر متواتر... والمنتشي بالقاني انثال من جراح من أغار عليهم بالأمس من رجالات القبائل... ـ والمتغني بالحب عذري مستحيل... قد انتشت منه الروح وعادت لتسكن أجساد أولائك الحداثيين من المبدعين في وقتنا المعاصر لينفث عن طريق أقلامهم ما توحي به إليه شياطين الشعر وحتى النثر؟ على فرق أنها إيحاءات تلك الشياطين قد أصابتها لوثة الحداثة من هذا الزمن! وتوحي في الأغلب بنصوص تنضح حبا حسيا لا عذريا ويغوص بين ثنيات كل تضاريس الأجساد... أهوالمبدع العربي انتكس في غيابات الماضي السحيق يبحث عن هوية لما ينتجه، فانبرى يغوص عميقا لم يتوقف إلا في المحطة قيل له أنه كان له فيها سبق الإبداع، وكان له فيها الباع طويلا في نسج أنساق الكلمات؟؟؟ أفعل ذلك ـ وهو"المثقف" ـ حتى دونما طرح سؤال حول حقيقة ما كان عليه العقل العربي آنذاك في ذاك الزمن بعيد؟؟؟ كان ما ينتج إلا قولا !وقد اعتمد على الغير في كل شأنه...هجاء ومديح ووصف... وبالأخص غزل...تشبيب...هيام ووله بحبيبات هن الكمال ينحت منه لهن الصور ويعبدها، ثم وهويسوم المرأة خسفا وعليها يمطر شآبيب القهر وأمطار الطغيان. تُورَّث كمتاع وتُوؤد وتباع وتشترى ويُمتهن منها الجسد بالإرغام على العهر...
كلمات كان إذا يصدح بها ويأتيه صداها من عمق الصحراء...وما تُصور إلا وهما وخيالات فلا تغني عنه شيئا، بل وتُضيعه وهوالضائع أصلا بين المفاوز لا يملك فيها حتى السير وهوالآمن المطمئن من مكامن وغدر المحتلين الأعداء... مُترصَّد الخطوات كان من طرف روم وفرس يقضمون الأرض التي يمشي عليها... يسوسونه كانوا... ويحيطون به من كل جانب لا يعرف إلا متابعة الترحال بحثا عن كلإ لأنعامه وعن إلهام وعن بوادر شعر جديد يتخطفه ـ وهوالمستمرئ المستسلم ـ من واقعه ضيق مر ويرمي به في عالم خيال مترامي الأطراف شاسع بعيد... وهوالحال الآن كما كان عليه آنذاك في ذاك الزمن القديم... ـ أوطان مستباحة تسحل في ذيل القافلة... ـ و"أدب" وََسْنان ذوهلوسة وغموض... ـ و"إبداع" ولهان راكع بين يدي حبيبات مؤلهات مقدسات مفترضات...وينضح بالأنشطة من الجسد ممارسة مع خليلات فعليات... والواقع متردي منخور...والهموم متفاقمة في فضاءات الأمة، وتصرخ أن ها أنذا أتأجج وفمن ذا يوصلني إلى عقول قد تصيبها الرجة تستيقظ...وتستفيق... أدب ما يُعنى إلا بالنسق كما يقول...وحتى التعابير منه أضحت الضحلة الكليلة ولا جمالية فيها...أدب قيل عنه الحداثي...وما له من دور أداه ويؤديه في تحديث الفكر ورفع وزر أدران الماضي المتردي عن كاهله المكدود... وليد للحداثة... واقتضى منه عجلها المعبود أن يتبرأ من الهوية حجر العثرة حتى يُتقن التعبد في محرابها...إذ الانتماء ـ كما جاء في المزامير مدونة ـ يفسد طهر المريد يُراد منه أن يكون "الحر" من كل ربق التابع ـ فقط ـ للتعاليم مقدسة من سدنتها المنظرين لها... ثم وهي المفاهيم ابتكرت... "الإنسانية" و"الأممية" و"الكونية"...وهلم جرا...ولابد للأديب أن يتأبطها حين الرغبة في الترحال فيها باحثا عن شرارة تنقدح فيه فتُتوج بوهج الإبداع... لكن وبالرغم من هذا الزخم من "القيم"و"المبادئ" التي تبدوالسامية لا أثر في الإبداعات إلا للأجساد توصف... وللأنثى ينادى عليها في سوق المتعة تباع هي والعواطف نسجت حواليها للقارئ متعطش لمزيد من جنس ومن"حب" رخيص في زمن الإباحية طغت والتفلت الأخلاقي مريع. وطبعا لا وطن إلا في النزر اليسير... ولا هما للأمة موجود بين ثنيات الإبداع... ولا حتى هموم الفرد الإنسان سوى هم النصف الأسفل منه، وذلك المرتبط بالقلب ميت ولا يشعر إلا بالحب للأنثى ومُنكِر لكل أنواع الحب الأخرى... ولا شيء يمكن أن يحركه ولا حتى المآسي متناسلة تحيط به وتقرع الأجراس معلنة عنها... جهل... جوع... خوف...ودماء تنتثر منها القطرات في كل مساحات الوطن الراتع في حقول الخزي ووهدات الخذلان... تيه فكري جامح...والأسئلة تتناسل استجلبت هي أيضا وما من حاجة كانت إليها...والأجوبة هنالك على الرف تنتظر من يسأل عنها ليفعلها...لكنه ذاك التيه مطلوب... بل ومأمور بامتطاء الصهوة منه حتى لا يبقى للمرافئ من جوانب تبدو...تحث حين ظهور على الرسوفيها تلك المرافئ...فيحدث فهم...وكذا الرغبة جارفة في حضن استقرار... ولعل الحنين إلى ذاك "الألق" كان للكلمات من العرب في ذاك الماضي ـ كما قيل لهم ـ من شجع على المتح من نفس المعجم...صهباء...ونساء..و...و...وفروسية عشواء... إذ اعتُقد أن ذاك "الألق" سينثال مرة أخرى كما كان، وسيؤوب لهم ما كانوا عليه من فخار ومن كبرياء النفس والعزة...ولا يعلمون أنه كان الوهم فقط...إذ الحال كان ـ كما صور من قبل ـ طوفان ضلال ولا من بوصلة تهدي ولا نبراس منير... دوران في الحلقات مفرغة وتعمل على إفراغ عقول أولائك الأدباء... والحال إن استمر واستمرئ لن يثمر للمرأة عدلا ولا حقوقا ولا رفعة تطالها... نعم هي الضحية..لكن لا تحتاج: ـ لمن يتنافس في الوصف المبالغ فيه للشكل الخارجي ذلك السطحي المزيف منها.... ـ ولا للذي يتكالب من أجل حشد أساليب اللغة ليصور بها أنشطة ذاك الجسد العاري نُصحت بتعريه خدمة لمصالح شتى... ـ ولا إلى من يتغنى بالكلمات مترعة بمثالية لا تتوفر في الحقيقة فيها... ـ ولا إلى الأنساق دموع كاذبة للقهر ينتج من جراء الهجر المقترف من قبلها... ـ ولا إلى الأحرف آهات من الأكباد تتحرق لوعة للهيام متفاقم بها... لكنها تحتاج لأدب متسامق يصور ذاك الجوهر كامن فيها...وكذا يحسن تسليط الضوء على الإشكاليات كائنة وحقيقية، تلك المزمنة المكبلة والمانعة من انطلاق يليق بها كالإنسان بشقيه مكرم، وذلك للقيام بواجباتها وبمسؤولياتها تجاه نفسها وتجاه كل المحيطين بها... الأمل إذا في أن يستفيق أولائك الأدباء هم القدوة...فما من معركة تُحسم بين صهوات الحب وتحت ظلال الأجساد...والمعركة هي ضد الجهل أضحى أصيلا فينا...وهم المعول عليهم في ضرب رقاب منه ذاك الجهل تعددت واشرأبت زمن الغفلة تلك الرقاب.......
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |