|
مقالات الثنائية ...!
د-مراد الصوادقي الوجود ثنائي الطباع والسلوك، ففيه ماء ونار وأرض وسماء، وصخور ورمال وخير وشر وذكر وأنثى وليل ونهار وضوء وظلام وموجب وسالب وتنافر وتجاذب وإلى ما لانهاية من مركبات الصيرورة والبناء الكوني. وفي المخلوق الواحد هناك ثنائية فاعلة على المستوى الفسيولوجي والمورفولوجي، ولا توجد حالة قائمة إلا ومرهونة بها، حتى لو دخلنا في أعماق الذرات والجسيمات النووية سنجدها واضحة ومؤثرة في صناعة الموجود مهما كان نوعه وحجمه وصفته. فالثنائية قاعدة كونية تخضع لها جميع مكونات الكون ومفرداته. وليس جديدا أن نتحدث عنها ويمكننا أن نمضي في سلسلة طويلة منها لا تنتهي أبدا. فكل صيرورة إنما هي ناجمة عن ثنائية متفاعلة ومحررة لطاقة تعبر عن ذلك التفاعل، وتنقل جهد الطاقات المتداخلة إلى حالة أخرى. وعناصر الوجود تتحول من صيرورة طاقوية إلى أخرى، وهذا يلزم تحقيق قانون الثنائية وتوفير حدين متباينين بالمحتوى والأسلوب في جميع معايير ونواميس البقاء والتواصل البيولوجي والمادي في الكون اللامتناهي الأبعاد. والغريب في موضوعها أن بعض الأقلام أخذت تكتب عنها، وكأنها صفة عراقية خاصة، فيقال دجلة والفرات وسنة وشيعة وكرد وعرب وجبال وهضاب، وما إلى غير ذلك من الكثير الذي يمكننا أن نأتي به وندعيه، ونحسبه وفقا لرؤانا وقراءاتنا المرتبطة بحالة وعينا وتفاعلنا مع المحيط والتي تتأثر كثيرا بالعوامل السائدة في واقعنا. وهذه العوامل تدعو إلى الكآبة واليأس والإحباط، وتضع الدماغ في نمط من التفكير اليائس والنظر الخائب الذي ينعكس على كتاباتنا ويحدد آفاق رؤانا ويظهر في سلوكنا. وبسبب تردي الأوضاع العامة وإصابة النسيج الاجتماعي بأمراض وأوبئة معيبة وضارة, فأن ذلك أدى إلى تناول الموضوعات المرتبطة بالعراق، بسلبية وإحباط وقنوط مروع، مما دفع إلى تبرير المآسي والسلوكيات والتفاعلات الضارة بما يكرسها، ويساهم في إدامتها وتطويرها واستثمارها وفقا لمناهج الطامعين والساعين إلى تحقيق الأهداف البعيدة، التي تغيب عن أذهان الناس المنهوكين بالحاجات اليومية، والمروعين بالمخاوف والتهديدات وضنك العيش ومرارة الأيام وضغطها المبرمج والمدروس، لقهر الإرادة وتدمير النفوس وسحق التطلعات وتأكيد الإذلال والخنوع, والرضوخ للآفات والويلات المصنعة في مختبرات الدمار الإنساني الشامل. وفي هذا الخضم المتلاطم من البرامج المدمرة للمجتمع والإنسان بكل ما عنده وفيه من قدرات وطاقات، يتحول الناس إلى أدوات لتأكيد الحالة المريرة، فيسارعون بالبحث عن تفسير ويحاولون فهم الواقع الذي يرفضونه لكنهم يعيشونه ويعبرون عنه. ولكي يصلوا إلى شيء من الراحة والاطمئنان وعدم السقوط تحت ويلات عذاب الضمير، ينتهجون سبلا لإنقاذهم من حيرتهم وتفاعلاتهم المرفوضة أخلاقيا وعقائديا وروحيا ونفسيا. ووفقا لهذا التداعي القاسي, أخذت الأقلام تكتب لكي تكرس وتنغمس في مستنقع الآلام والانقراض، واكتشف بعض حمَلتها أن العلة الأساسية في الواقع العراقي تتلخص بالثنائية, وتناسوا وأغفلوا كل الأسباب والعوامل والعناصر والبرامج والخطط والتداعيات المدروسة والأحداث المرسومة، وأنكروا واقع الحال وذهبوا إلى واقع الخيال، يبحثون فيه عن جواب لسؤال يختزن في منطوقه كل الأجوبة. ففي السؤال ألف جواب وجواب، ولا حاجة للبحث عن الجواب فالسبب يحوي النتائج وأكثر. فلماذا تتغافل الأقلام عن الشمس وتتوهم بأنها تكتشف النور في الأنفاق ودياجير الأوهام. الثنائية ليست مبعثا للمشاكل وإنما للحياة والخلود والتواصل الخلاق, وهي نبع الصيرورة والتطور والارتقاء ولم تكن سببا للتلاحي والدمار والحروب والهلاك, إن لهذه أسباب وبرامج غير الثنائية، ولا يمكن بسهولة أن نعزي أسباب ما يجري في العراق إلى السنة والشيعة أو العرب والأكراد أو لدجلة والفرات أو لهذا أو لذاك. إن ما يجري أسبابه واضحة وبرامجه بينة والقائمين عليه يعملون بجد واجتهاد وتبصر وتخطيط وبحث وتنظير, ولا يهدأ لهم بال إن لم تتواصل حالة التداعي والخراب والإقلاق ويعلو صرح الأسوار . فهل بالثنائية نبرر سوء الحال وضياع أسباب العيش الكريم وتفشي الفساد في الكراسي والنفوس والعقول والأرواح، وهي جميعا تسبح لله وتعذب وتستبيح وتقتل مَن يشهد أن لا إله إلا الله ، وكأنها تنكر الوحدانية وتمعن بالضلال والخسران وتجري وراء الرغبات الأنانية والمشاريع الصبيانية، وتدعي ما تدعي وكأن الله غافل عما تعمل لأنها تصلي له بكرة وعشيا. وهل يصح القول بأن العراقي هو الوحيد الذي عنده يدان وقدمان وعينان وأذنان وشفتان وكليتان وحالبان، وكأنه لا يشبه البشر لأنه مؤلف من اثنين. سبحان الله كيف ينظرون ويفسرون، ترى أفلا يعقلون ويتبصرون.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |