|
مقالات الغاطسين في وحل الماضي ...!
د-مراد الصوادقي "الوقوع في حبائل الماضي وسيلة لعزلنا عن حاضر الحياة ومستقبلها وتحرير شهادة وفاتنا الحضارية" أولئك الذين لا يبصرون إلا ظلاما ولا يشربون إلا صديدا ويسيرون في دروب اليأس والخسران، وتراهم ينبشون التراب وكأنهم لا يعرفون الحياة إلا في القبور والجحور والأنفاق. أشداء على بعضهم، ضعفاء وجبناء أمام التحديات, ولا يفهمون إلا بالهزائم والخسران والأفعال الدنيئة السوداء, وثقافتهم فيها ألوان من سموم الضياع والبهتان. يمشون على رؤوسهم ويصفقون بأقدامهم, وكل مَن يدوسهم ويمضي في غرسهم بمواضعهم يستولي على ما عندهم ويقضي على مسيرة أجيالهم, كأنهم القطيع المرعوب في وديان تحاصرها الذئاب الساغبة. أميون لا يدركون وجودهم ولا يفقهون قيمة حياتهم ويقرؤون تأريخهم بعواطفهم وعيونهم السيئة البلهاء، فلا يحصلون على شيء سوى الطين والخراب. وهم لا يريدون التفاعل مع حاضرهم وتغيير واقعهم، بل رغبتهم القصوى في التدحرج اللذيذ إلى الوراء والوصول إلى حفر النهايات الأليمة، لكي يكتبوا بحبر أيامهم أروع المآسي ويسطروا أعظم الويلات. أناس بين أرحام تدفع وتراب يبلع، يقطعون تلك المسافة وكأنهم في تابوت الحياة وكفن اليأس والتداعي, فيشربون من دموعهم ويأكلون بعضهم ويدعون الدين وغير ذلك, ويحسبون أن الحياة لا تساوي قيراط جد واجتهاد. مخلوقات ملطخة بعصير الخيبات ومخضبة بالدماء والتراب العفن المشبع بالأموات. وتراهم يلطمون ويسكبون الدموع ففيها غاية سلواهم, ومصدر فرحهم وراحتهم القصوى. وكأن الأيام الخالية من الدموع ليست من أيامهم. وإنهم يحجون إلى القبور ويسهرون الليالي يذرون التراب على الوجوه، ويخاطبون الأجداث كأنهم أحياء ويحاولون اللحاق بالعدم ويشترون البلية بأغلى الأثمان. هؤلاء لا هم عندهم إلا الغوص في التاريخ والنظر في موضوعات أكلتها القرون، ويحسبون أنهم أذكياء وأصحاب فكر ومعارف ونظريات، عندما يتحدثون بجهلهم عن الأسلاف، فيطعنون هذا ويهينون ذاك، وغايتهم أن يهيلوا التراب على رؤوسهم، ويفقئوا عيون الآخرين ويجعلونهم عبيدا لهم وركعا لسادتهم وأصنامهم المعاصرة. فلماذا لا ينظرون أمامهم ولا يتابعون الخطوات ويتسلقون سفوح الصعوبات ويصنعون حاضرا منيرا ومستقبلا مشرقا للأجيال. لماذا يشدون سيقانهم بحبال الخيبات ويغوصون في الوحل بكل ما عندهم من القوى والطاقات. أيحسبون بأنهم يتصلون بالحياة ويرتبطون ببواعث الرؤى والتطورات. وهم المنهوكين بسلاسل القيود الغابرة والأفكار المندثرة والتفاعلات السلبية، التي تطعمهم أنواع المقاسات وتدفنهم في مقابر التداعيات والسأم من الغد. وتجعلهم شراذم متناطحة ومجاميع متكالبة على موائد الشرور والموبقات. فينال منهم الطامعون ولا يربحون دينا ولا دنيا ولا يعرفون إلا سوء المصير. أولئك الأوفياء لأباليسهم والخانعين لأمارة السوء المهيمنة على آفاق وجودهم والمنحرطين في مسالك العبث واللاجدوى. تراهم سكارى وما هم سكارى، لكنهم في جحيم المآسي يتراقصون، ويهينون أقدس موجود فوق التراب، فحياتهم كالعظايا في الطين, أو كالخفافيش في كهوف هاربة من سطوع الضياء وإشراق المعاني والأفكار. ومحنة الحياة بهذه الأصناف من البشر التي تغطس في الطين ولا تريد السعي على اليابسة، ولا ترغب في التفاعل مع الشمس وتستمتع بالنقيق كالضفادع التي تستجلب الحين. فهم ألد أعداء الحياة، وصناع الموت وأكبر المشيدين لعمارته السوداء وأفكاره الخرقاء. فتبا لهم... أولئك "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" الكهف 104 فالحياة يصنعها الساعون إلى الغد والماسكون بعناصر حاضرهم وأمجاد ابداعهم وقدراتهم التي لا تعرف الحدود. ترى لماذا لا يخلعون جلابيب الماضي ويرتدون الملابس المعاصرة، ويتحدثون بلغة الحاضر ويخبرون مناهجه وقدرات بناء المستقبل وتأمين الحياة الأفضل للأجيال؟
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |