|
مقالات أكتب أيها العراقي لتصنع وطنك ..! "الكتابة وطن الإنسان الذي لا يملك وطنا"
د-مراد الصوادقي أكتب أيها العراقي بأقصى طاقتك، فالكتابة نور يمحق ظلام الجهل والبهتان . أكتب فالكتابة تبلور الأفكار وتحقق الأفعال. أكتب بسرعة إيقاع العصر لكي تشيد الحياة وتنير درب الأجيال. أكتب فالكتابة كالقراءة تهدينا الصوابَ وتبعد عنا الخراب. فلا ضير من الكتابة بكل أنواعها لأنها وسيلتنا للمعرفة والتعلم وتنمية الوعي وتحقيق التفاعل والنضج الاجتماعي والثقافي والفكري والسياسي. ومن العيب أن نعيب على بعضنا ما يكتب، في وقت علينا أن نرعى مَن يكتب ونساهم في بنائه وتطوره لكي نصنع جيلا واعيا ومؤثرا في بناء الحياة ورسم معالم خارطة المستقبل . فإذا كنا نريد أن نكون ونتطور فعلينا أن نساند بعضنا ونتباهى ببعضنا ونستثمر طاقاتنا الجماعية، وننأى عن الأنانية والاستبداد الذي نمارسه على مستوى الذات والموضوع . فقد نقرأ مقالات لكتاب ينظرون بعدم تقدير لكتابات الآخرين ويحسبون بأنهم الذين يعرفون . وينكرون في طرحهم التفاعل المنهجي المعاصر في تصويب الأفكار ومناقشتها لكي تتحقق المعرفة والنمو الفكري والحضاري. إن أبناء الشعوب الحية المتقدمة يحترمون تجارب بعضهم ويقدرونها ولا ينظرون إليها بعيون السوء والاستصغار، كما يحصل في مجتمعنا، حيث ننال من بعضنا وننكر كل عطاءٍ لغيرنا، ونريد أن يكون عطاؤنا هو الفريد والسائد والطاغي والمستبد. وبهذا الاقتراب السلبي من بعضنا، قد آذينا كل مبدع ودمرنا مسيرة الأجيال وأجلسنا الوطن على أشواك الويلات والمرارة والأسى. فكيف نصف المبدعين العراقيين بأن كتاباتهم أصبحت بلا قيمة ومعنى، وأنهم يكتبون بسرعة غير مبررة وينتجون ما هو بلا أثر وفائدة في الحياة، وكأنهم يضيعون وقتهم ويأتون بما هو غثيث وممجوج. إن الكتابات التي تتهم بأنها سريعة، هي أصدق الكتابات المعبرة عن حقيقة التفاعل الإنساني مع الواقع الذي يعيشه الفرد ويحاول التعبير عنه بمنتهى طاقته وقدرته في الكتابة . والذين يكتبون بسرعة يُحسدون لأن السرعة صفة إبداعية تحسب عليهم، فهم قد تمكنوا من أدواتهم الكتابية وأتقنوا صنعتهم وأدركوا أفكارهم وعبروا عن رؤاهم وفق أسلوبهم. وبعضهم امتلك أسلوبا مؤثرا وأصبح مقروءا ومطلوبا. ومن المعروف أن الكتابة ليست سهلة والذي يكتب بسرعة يعني أنه قد تفوق في هذا الميدان وأصبحت الكتابة عنده نشاط يومي محبب إلى نفسه. ولا أظن أن الكاتب الذي ينتج بغزارة، يعني أنه قد افتقر وخوى، وإنما العكس، فالعقل البشري عندما تزدحم فيه الأفكار تبحث عن منفذ، وكلما تنامت الأفكار في العقول، كلما ازداد التعبير عنها في الكتابة، ولا يمكن لكاتب أن يكتب إن لم يكن قد احتقن بالأفكار التي عليه أن يراها حية فوق السطور. وهذا ينطبق على جميع أنواع الكتابة. فالإنتاج الكمي يتناسب طرديا مع كثافة المعرفة وزخم الأفكار المتوافدة والمؤثرة في سلوك الكاتب. والكتابة نزيف ولا بد من وجود الدماء في الشرايين والأوردة لكي تنزف. ومن المسائل المهمة التي تخص الكتاب العراقيين، أنهم عاشوا مرحلة كبت وتكتيم للأفواه والآراء، وكانت الأفكار والمعارف تتجمع في عقولهم وأعماقهم وتتخم ذاكرتهم وتنضغط بدرجات عالية، وما استطاعوا التعبير عنها في وقتها، وبعد أن امتلكوا قدرا من حرية التعبير، راحوا يطلقون ما عندهم من التجارب والرؤى والأفكار، وكأنهم في حالة انفجار ثقافي مدوي يتناسب مع شدة الضغط الحابس لقدراتهم، وهذا يفسر الإنتاج الكمي أو اليومي لبعض الأخوة الأخوات. إن كل نشاط إبداعي في وقتنا المعاصر، أصبح دراسة وتحليلا،بل أنه بحث مستفيض، فالشعر بحث والقصة بحث والمقالة بحث والرواية بحث عميق وطويل ، ولا يمكن لأي إبداع إنساني واجتماعي واقتصادي وثقافي إلا أن يكون بحثا ودراسة وتحليلا، لأن هذا التفاعل مع الحياة هو الذي أكسبها قوتها وتقدمها وتطورها ومعاصرتها ومعالمها الحضارية. فكل سؤال جوابه بحث وتحليل ودراسة وتمحيص وتدقيق, وكل موضوع يُكتب عبارة عن جواب لسؤال وفيه شيء من البحث والتحليل وفقا لجهد كاتبه. فعندما تطرح سؤالا فأنك تبدأ بالبحث عن الجواب، ومعظم المقالات مهما كانت ضعيفة أو مرتبكة، لكنها تبحث بأسلوب كاتبها ومنهجه في التفكير عن جواب قد يكون واضحا أو مستترا. والمشكلة التي تواجه الإنسان العربي عموما والعراقي خصوصا، هو غياب منهج البحث العلمي الذي يدرسه الإنسان في الدول المتقدمة منذ مرحلة الابتدائية كأسلوب دراسي، ويشكل قواعد تفكيره وتعامله مع محيطه وفقا لمنظار البحث والاستقراء والاستنتاج والابتكار. أي أن السلوك الإنساني المتقدم محكوم بمعايير بحثية ومنهجية ذات قيمة اجتماعية وثقافية وعلمية واقتصادية بصورة عامة وسائدة، بينما معاييرنا سلطوية. إن غياب الاقتراب البحثي المنهجي من حياتنا هو الذي أدى إلى اضطرابات متعددة في واقعنا وعلى جميع المستويات. فالمسئول مثلا, عندما يواجه مشكلة، لا يطلب بحثها ودراستها والتوصل إلى حلول صحيحة لها، وإنما يلجأ إلى منهج الغاب الذي يعبر عنه الكرسي ويحكم بموجبه، فيتسبب في إثارة مشاكل أخرى ويستنزف طاقة نظامه ومجتمعه حتى يجد نفسه على حافة الانهيار. وتلك مأساة كبيرة، وبسببها يتم الاقتراب السلبي والتفاعل الترسيخي الذي يبرر تفاقم المشكلة ولا يبحث في حلها، لأن دور البحث مفقود، وقد أكدت على هذه السلبية المقيتة الكثير من الكتابات الاجتماعية في القرن الماضي.
إن الإنسان في العالم المتقدم يقرأ بسرعة لأنه قد تعلم مهارات القراءة السريعة، ويكتب بسرعة أيضا، وتجد إنتاجا كميا هائلا ومتواصلا, ولهذا فالمثقف لا ينتقص من الإنتاج الكمي وسرعة الكتابة، وإنما يعتبرهما ميزة مهمة وطاقة مفيدة، فالمكتوب يطرح أفكارا ويعالج موضوعات متنوعة، ويُظهر جميع الرؤى والتصورات حول أية قضية يراد معالجتها، فيوفر استشارات مجانية لأصحاب القرار . ولو أدركت أنظمتنا فرصتها لاستثمرت هذه الكتابات واستخرجت منها الأفكار الصالحة للجميع ولمستقبل الأجيال. وبعض الأخوة لا يزالون يكتبون بسلبية واستعلائية، وهم ينظرون إلى كم الكتابات العراقية ويحسبونها زَبَدا، ولا يقتربون منها بإيجابية ويحاولون المساهمة في استثمار الطاقات الكتابية وتوجيه جهودها، من أجل نهضة ثقافية عراقية تتناسب وعمق المعاناة التي مر بها العراقي والتجارب التي حصلت له دون غيره من أبناء الأرض. وفي زمن أصبحت فيه الوسائل الأخرى غير مشروعة ومتهمة، فأن الأقلام هي الوسيلة المثلى للتعبير عن الإرادة وتحقيق الأهداف.
ولا نعرف لماذا لا يحلل الأخوة المقالات والقصائد ويوجهون كتابها لكي يصنعوا منهم طاقة فعالة في بناء الحياة، ولماذا يميلون إلى التعميم والإنكار والإسقاط والذاتية التي تدعي المعرفة ولا تعبر عن ذلك في سلوكها . فلماذا لا تحللون وتنصحون بأن تكون الكتابة بهذا الأسلوب أو ذاك، لكي تحقق الفائدة والتأثير الحضاري الذي تريدون. فالكاتب التاريخي المتميز لا يولد من رحم الفراغ الثقافي، أو من زجاجة الادعاء والتحليق في سراب الأدرى. إنه يولد من نهر التفاعل المعرفي المتدفق الذي يساهم في خلق وادٍ خصيبٍ من الإبداعات الوارفة على ضفافه الخضراء. ولكي يكون بيننا كتاب كبار، علينا أن نتفاعل بإيجابية ومحبة ونكران ذات وإيمان بالصيرورة والتحقق والخروج من صندوق اليأس والإحباط وتثبيط الهمم وتنمية القهر والظلم والحزن والامتهان والاستعباد.
إن جوهر المشكلة في مجتمعنا، يكمن في ضعف التربية الثقافية وانحراف الإعداد النفسي والفكري للأجيال، مما يؤهلها لكي تكون طاقات مضادة لمصالحها ومؤكدة لإرادة الطامع فيها لأنه قد امتلك عقولها وسخرها لصالحه. وما يجري في مجتمعنا يشير إلى أزمة ثقافة ووعي وضمير ودين. وإلا كيف يتفرق المجتمع بسبب الدين الواحد واللغة الواحدة، وكيف تصبح أسباب الوحدة وعناصرها أسبابا للفرقة والاستلاب الاجتماعي الظالم. ولكي نسترد الوعي والفهم الصحيح لا بد من الكتابة، حتى نبني حالة الوجود العراقي الحضاري المعافى، وقد ساهمت جميع الكتابات العراقية من استنهاض الوعي الاجتماعي وتمكين الإنسان من فهم ما يدور . فتقاطع ذلك مع مصالح الآخرين، الذين يحاولون حرمان العراقي من التفاعل مع شبكات الانترنيت بمنع الكهرباء أو بمحاولة حجب ما لا يتفق وسياسة المصالح والاتجاهات المناهضة لمصلحة الوطن.
فالكتابة حرية، وثورة ضد العبودية الفكرية، وطرد لوسائل التضليل والتجهيل التي تمارسها بعض القوى لتنجز أهداف التركيع والخنوع والتدمير. ولكي نرتقي إلى المستوى المعاصر للتصدي لواقعنا ومشاكلنا، علينا أن نكتب بأقصى سرعة ممكنة حتى يتحقق النضج الثقافي والاجتماعي، ونمحو ثقافة النخبة العقيمة التي أصابت المجتمع بجهل مروع، تؤكده السلوكيات المعبرة عنه كل يوم. ومع اشتداد الصعوبات أصبحت حالة العراق ومعاناة العراقي تتطلب تعبيرا يتناسب معها. فيا أيها العراقي الطيب أينما كنت، امتشق قلمك واكتب ما يجيش في أعماقك واطرح أفكارك ورؤاك بلا خوف أو تردد وتفاعل مع إخوانك، فأن كل ما تكتبه مفيد ويساهم في صناعة حياة أفضل للأجيال, لأنك تتحرر مما يضنيك وتقبل على الحياة بثقة وإيجابية ووضوح وإيمان بأنك ستكون. نعم أيها الأخوة الأعزاء اكتبوا واكتبوا لأن الكتابة تقربنا إلى بعضنا، وتمحو كل سيئ وتزيدنا معرفة وترتقي بنا إلى فهم مشترك ومفيد لمعاناتنا، والأقوام التي تتفاعل تتقارب وتنتصر على مشاكلها وتزيل العقبات من طريق تقدمها. فالكتابة بودقة تصهر أعماقنا وتنير عقولنا، فنحترم بعضنا ونقدر تجربة كل واحد منا. وبعدا لكل ادعاء يلجم أفواه الأقلام العراقية، لأن كل ما يكتبه العراقي يعبر عن تجربة إنسانية فريدة وعميقة قد مر بها. ومن واجبه أن يدونها ويستوعبها ويستخرج منها الأفكار والتصورات الجديرة ببناء حياة أفضل. اكتبوا أيها العراقيون، فالكتابة وسيلتنا للانغماس في الحياة واكتشافها وصناعتها. اكتبوا لأن الكتابة تحررنا من قيود الزيف والتضليل والامتهان، وتقارع كل قوة تريد أن تدفننا في بعضنا، وتسكب دماءنا فوق رمال اليأس والتداعي والحرمان، فعندما نكتب نعبر عن إرادتنا ونصنع مستقبلنا. فاكتب أيها العراقي لكي تتعلم وتنير الدروب، فالإرادة لا تكون إلا بالتفاعل الساعي إليها وتلك حقيقة الحياة ومنهاج الوجود.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |