|
مقالات أنوار العقل ..!
د-مراد الصوادقي سطع العقل وانبثقت أنوار الوعي وتحققت حركة ثقافية مطلقة لا تعرف الحدود، وفاض العقل العراقي في زمن عز فيه فيضان الرافدين. وتدفقت الأفكار والرؤى من شلال الإبداع الهادر، الذي كان مخنوقا في أعماق الإنسان الطامح للتعبير الأمثل عن غاياته السامية, ومنهجه في صناعة الحاضر واستحضار المستقبل وتأكيد مشاركته في بنائه. العراقي المثقف الذي صقلت مهاراته تجارب إنسانية لم تعرفها البشرية من قبل، فاستطاع بما يمتلكه من قدرات المعرفة والفهم الصحيح أن يستوعبها ويخوضها، ويستولدها إبداعات ذات قيمة ومعنى مؤثر في اتجاه خطوات الحياة ومسيرة الوطن القادمة. العراقي المولود من بحر العناءات المضنية والعذابات المتوالية والمقاساة المتنامية، والتحديات المتوافدة إليه من كل جزء يحيط بوجوده وكأنها لا تشبع من التصدي له، وتتلذذ بنزيفه وتحاول أن تجرح كبرياءه، وتذبح طموحاته . لكنه بقي متأهبا متأسدا يرد الطغيان ويصمد أمام الغارات الفكرية والعاطفية والانفعالية، وصولات الحرب النفسية التي حاولت أن تبعده عن ذاته وجذوره وتمحو تقاليده وأعراف صيرورته . ولم يتوانى عن الإصرار على الثبات الأسطوري فوق تراب وطنه، وهو مشحون بالأمل والتوقد الساعي إلى أن يكون رغم أعداء يكون. وفي هذا الخضم العاصف، فجر قدرات التعبير بالقلم عن الهموم والأفكار والآمال، وراح يدونها بعذوبة وحرارة وقوة ومهارة إبداعية متميزة، حتى امتلأت أنهار العطاء وأغرقت أركان الحياة وغمرت الموجودات وأشعرتها بضرورة التفاعل الصادق مع التحديات، والتمسك بالوطن كوعاء لولادة أروع الأساطير والإنجازات. وبهذا الفيض الإبداعي الخلاق، فأنه يعبر عن حيويته وقوته وعناصر أصالته وعمق جذوره وتقدم ذكائه, وتفوق عقله وتمكنه من هضم التجارب المتسارعة القدوم، والتي تهب كالأعاصير الوثابة المتتالية على ميادين مصيره وآبار نفطه التي أطعمته بالأليم. ومَن يتصفح المواقع والصحف، يجد له حضورا كاسحا في صفحات الثقافة والمعرفة كافة، وهذا يشير إلى قدرته على المطاولة والمطاوعة والتفاعل المتميز مع ما يحيط به من ظروف ويقاسيه من عناءات. وأنه متفوق على أزماته ومحنة وطنه، وسيزيح جميع المعوقات ويرتقي بواقعه إلى حيث يريد ويتمنى، ويرتفع فوق مأساته ويمتلك سلطة الإرادة ودفة الحرية والمستقبل الزاهر العزيز. فالحركة الثقافية المنيرة، أيقظته من غفلته وضخته بمستلزمات الفهم والقوة والصبر والتحمل. وأوقدت في صدره مشاعل التفاؤل والأمل ، وفوتت الفرصة على الطامعين بالتجهيل والترويع وتحويل الناس إلى قطيع وعبيد للقوة، التي تسعى إلى سلب إرادة الإنسان وتأكيد إرادة الظلم والقهر والخضوع للبهتان. الحركة الثقافية المباركة، ستساهم في صناعة الحاضر والمستقبل، وإعلاء شأن الحق وإجهاض الفساد والباطل وإشاعة مفاهيم الفضيلة، وسحق عناصر الرذيلة وأعوانها الذين يدينون بالشرور والبغضاء. وسيكون لها دور في تحقيق إرادة الوطن، لأنها متنامية، وتتشوف للوصول إلى كل مواطن، لتمنحه مشعلا من أنوار الوعي والإدراك فيعرف حقوقه ودوره ومعاني رسالته الإنسانية والوطنية. وبهذا فأنها ستوقد في أعماقه إرادة التعبير عن طاقاته الإيجابية الساعية لتحقيق السعادة الوطنية والتطور الحضاري الكريم، وستعطيه جرعة من العزة والكرامة والثقة بالنفس، وتخرجه من قبضة الدونية وإذلال الذات واحتقارها، فيتخلص من تبعيته وخضوعه وإصغائه لأئمة الشر وأبواق الضلال المعفرة ضمائرهم بالرذيلة السوداء. ففي العقل الجديد تتخلق أروع الصياغات الثقافية والفكرية وتترعرع في فضائه أنبل الأفكار وأكثرها تأثيرا في صياغة الحياة، ولكل فكرة زمنها ودورها وصيرورتها، وإذا جاء زمن فكرة لا يمكن لأية قوة أن تقهرها. ويبدو أن زمن الولادة الثقافية الخلاقة قد حان، ولا بد لها أن تغرس أشجارها في كل بيت، لكي يأكل الناس من أثمارها، وتتلذذ بطعم عطائها الأجيال. إن الثقافة تصنع الحضارة، وتبني الوجود الاجتماعي الذي يناسبها، ولا يمكن لهذا الفوران الثقافي أن يهدأ، وسيحقق إنجازاته الحضارية الحتمية، وسيستنهض العقول من أسر التشويش والتضليل والأكاذيب والأفك الكثير، الذي يريد أن يجعلها في حالة من الغثيان والاضطراب والضعف، لكي يتمكن الآخر منها ويمرر ما يريده ويحقق أهدافه المغرضة. فالمواطن الذي تم زجه في دوامة العواطف والانفعالات السلبية التي كلفته كثيرا، قد ولد من أعماق التجربة المريرة، متنورا مستوعبا ومتفاعلا بعقله المنفتح مع أخيه الذي يعرف أن قوته وسعادته تكون بتفاعله الوطني المثمر معه. فما أروعها, ملحمة الكلمة الصادقة الواثقة المتوثبة المعبأة بقدرات الخير والأمل والثقة بغدٍ أفضلٍ سعيد. وستتواصل الإرادة الوطنية الحرة الواعدة لترسيخ معالم الحياة الحرة الواسعة الآفاق. فالثقافة جوهر الديمقراطية وأداتها التي تعبر بها عن معانيها الإنسانية الطيبة, وهي قوة حضارية كبيرة تتجسد في واقع الوجود البشري، وتبسط معالمها فوق الأرض بثقة وكبرياء وهذا ما ستفعله الثقافة في بلدنا . فزمن الجهل قد ولى ووقت المعرفة قد حان، وهي قوة نامية، وبقوة كل واحدٍ ستتجسد قوة الوطن الكبرى وتتعزز كرامته.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |