|
مقالات الجنس في الرواية النسائية .. هدف نبيل أم غايات خفية؟
حيدر قاسم الحجامي كاتب وصحفي عراقي
ربما تشكل ظاهرة اضطهاد المرأة واستلاب حقوقها امرأ عادياً في ظل مجتمعاتنا الكلاسيكية التي تتعاطى العنف وتعيشه في مفاصل حياتها،ولكن الآمر غير العادي في هذه المعادلة هو ردة فعل المرأة نفسها تجاه هذا العنف والتهميش المتواصل لها،المرأة العربية اليوم ليست هي المرأة العربية قبل مئة عام،فهي تمكنت من الدخول الى مؤسسات التعليم في العالم العربي، وحصلت على شهادات تأهيل علمي عالية، وتوسع تواجدها في مفاصل الحياة المختلفة بعد ان تعقدت الحياة وأصبح من الصعب ان تغيب هذه الكفاءات،واستطاعت ان تثبت جدارة فائقة في كثير من المجالات الحياتية، وبذا شكل حضورها منافساً وتحديدا للرجل العربي،ولكن مع ذلك، هل لا زالت ضحية للعنف من الأخر؟ الجواب نعم بالتأكيد،مع الحفاظ على الحالة الشاذة،فقد يكون العكس صحيحا أيضا ً لما لا؟وكثير من الرجال العرب يعانون من عنف زوجاتهم حتى طالبوا في تونس مثلا بتشكيل جمعية خاصة للرجال لحمايتهم من عنف أزواجهم!!!لكن هذه حالات استثنائية، فاغلب النساء العربيات اليوم ومع ماحصلت عليه بعض نظيراتهن من بعض الحقوق والمكتسبات يعشن تدهورا متفاقماً في وضعهن الإنساني في ظل غياب التشريعات القانونية القادرة على إنصافهن وإعطائهن حقوقهن التي ينادين بها والنظرة الاجتماعية للمراءة،ولهذا فان المرأة في عالمنا العربي وخصوصا المثقفة عزمت على اختراق التابوهات (الجنس-السياسة-الدين)لعلمها أنها الحواجز المنيعة التي تحول دون ان تكتسب حقوقها وتسترجع إنسانيتها المفقودة هكذا تنظر بعضهن و تصور الأمر وكأننا في صراع دام!!!،ولكن السؤال الأهم من ذلك إلا يشكل غياب المرأة العربية عن الكثير من مفاصل الحياة ومع ما يعيشه العالم من تطور علمي، خللا في بنية نظام عربي أبوي لازال يواجه موجات التحديث بنفور يقل تدريجيا ًفي ظل غياب قدرته على المناورة والهروب من المواجهة الساخنة وانهزام إمام مظاهر العولمة التي نشرت قيمها التوسعية بوسائل مغرية لامناص لنا من اقتنائها والتفاعل معها رجالا كنا أم نساءا، وإذا كان الأدب مرآة الشعوب وعاكسا لواقعها،فالذي يهمنا هنا هو الأدب المكتوب بيد المرأة في عالمنا العربي كون الأدب يمثل حالة إنسانية تفاعلية مع الواقع وتجسيدا لما تعيشه المجتمعات من حراك داخلي وصراعات محتدمة،أساسها المصالح والتنازع المحموم على السلطة بين الإطراف والمركز،الصراع المتداخل الحلقات الذي في حقيقته قائم على سؤال تقليدي أساسه من يسيطر على من ؟ومن القادر على ترويض الأخر في هذه المعركة المحتدمة ؟هل استطاعت الأديبة العربية ان تتجاوز عزلتها وتوصل رسالتها الى المجتمع ؟هل استطاعت الروائية العربية بالتحديد ان تُعبر عن مشاكل بنات جنسها وترفع أصواتهن للمطالبة بإنصافهن عن طريق السرد اللغوي ؟ هل أعاد الأدب الايروتيكي حقوق المرأة العربية المستلبة ؟أم انه جزء من لعبة إخفاء الرأس في التراب كما تفعل النعامة ؟والبحث عن الضوء والإثارة الفارغة التي ابتلي بها الوسط الثقافي والعربي منذ أمد بعيد؟ الأدب الايروتيكي ...من يكتبه ألان ؟ الأيادي الناعمة تفضح خشونة الواقع وتمزق أغشية الممنوع،،وتتحول الأقلام الى فؤوس حادة تقتلع جذوع أشجار يابسة عند ضفاف ظمئ، الأديبة العربية تدخل الى حقول الألغام في عالم "الأدب الجنسي" بهذه الكلمات يمكن ان نلخص الواقع الأدبي النسائي اليوم، وقبل ذلك نسال لماذا الأدب الجنسي دون غيره!!مع الإقرار انه جزء حيوي من كل الآداب العالمية،يكتب ويقرا ونقراه نحن أيضا لكن بصمت في كثير من الأحيان فنحن نكتفي ان نثير التساؤلات الداخلية ونشعر بالنشوة ونحن نعري واقعنا القاتم، ونحاول سبر غور فلسفة الجسد وعلاقاته مع محيطه الخارجي،دوافعه الغريزية الكامنة التي تدفعه للاتصال الخارجي،لغة الجسد لم يكن يسردها لنا حتى الأمس القريب سوى رجال تمردوا على واقعهم اليومي وتصعلكوا،واخترقوا تابو الحياء ليكشفوا إسرار لاينبغي ان تباح من وجهة نظر مجتمعنا المحافظ،وهم قليلون ومنبوذون اجتماعياً،روائيون نقرا روايتهم سراً ونلعنهم علنا ً لأنهم فضحوا ما نعيشه وما نحسه وما نعانيه أيضا وقالوا عنا اشياءا لانجرؤ على قولها،لكن الأمر لم يعد كذلك اليوم فالمرأة العربية التي مازالت تحلم ان تقود مركبتها في بعض البلدان العربية،فضلا عن ان تخوض المنافسة السياسية والاجتماعية مع الرجل أصبحت تحاول التمرد وبعنف على الواقع الذي يفرض نفسه عليها،رافضة كل ماتعتقد انه يساهم في عرقلة حضورها في مكانها الطبيعي ـالغريب في الأمر ولو أخذنا الرواية النسائية الحديثة كنموذج أدبي وركزنا عليه مقالنا،سنجد ان هذه الثورة "الأدبية السردية النسوية "* بدأت من دول تعتبر محافظة للغاية بل ومغلقة بوجه المرأة في خصوصا مثل هذه المجالات،ولو جاءت هذه الجرأة والتمرد من لبنان او مصر مثلا لكان الأمر طبيعي وضمن أطره الموضوعية،نظرا للبيئة التي تأخذ حيزها في أي نتاج أدبي ولكن ان تظهر في السعودية والكويت والبحرين وعمان وقطر وغيرها من الدول المطلة على الخليج، روائيات يكتبن عن موضوعة حساسة وخطرة مثل موضوعة الجنس ويخترقن منظومة التعقيد والتقييد فهذا أمر يتطلب منا التوقف والتحليل وانأ هنا لاادعي عدم وجود تجارب سابقة أخرى في مثل هذه المجالات ولكنها كما قلت كانت رجالية بالدرجة الاولى ونسوية بدرجات اقل،ولكن سؤالا محورياً يطرح نفسه بقوة، كيف استطاعت المرأة العربية في اشد المجتمعات انغلاقا وتحفظا ان تتجاوز خطا احمر وتعبر الى منطقة محرمة ومحضورة لتعود لنا محملة بصور تمر على شريط تفكيرنا الداخلي لكننا نتعمد ان نغفلها او نتجاهلها،كيف عادت المرأة محملة بمشاهد تتسلسل ضمن حياتنا اليومية ؟ونحن نكتفي ببعض الإشارات المشفرة عنها وهل هو قمة عطاء الرواية لقضية تحرير المرأة العربية وإعادة دمجها في الحياة من جديد في المجتمع ؟؟وهل هو المطلوب فعلا ؟،أسئلة تستحق الدراسة والبحث والتقصي،وثمة سؤال كبير و مهم في ذات الإطار كيف سمحت سلطات دينية "على حد ادعائها على الأقل "لنساء بالبوح بإسرار تعتبر خطيرة وخطوطاً حمراء، والكتابة عنها بأسلوب مفصل ومسهب،هل هي إحدى محاولات السلطة العربية الأبوية للتنفيس عن الاحتقان الذي تعيشه ُ مجتمعات تعاني الاضطهاد السياسي وقمع الحريات تحت عباءة الدين الذي هو بريء من تصرفات تلك الأنظمة براءة الذئب من دم يوسف،ومن ثم السماح بالكتابة عن موضوعات لا تمس السلطة بالتحديد،إنا لا أريد ان امنح هذه الظاهرة تبريرات او أحاول تمجيدها بالمطلق بل إنا على النقيض من ذلك وهذا يقودني الى استنتاجات عديدة منها ان بعض الروئيات العربيات المقتدرات أدركن أسرار اللعبة السردية وكتبن بشكل رائع عن موضوعات تستحق الإشارة والمناقشة مثل المثلية الجنسية المستشرية في المجتمعات العربية، والإمراض الجنسية المختلفة وقد عالجتها كتاباتهن بأسلوب روائي راقي وأضئن على مناطق معتمة ونقلن مشاكل تدور في العمق الاجتماعي وكشفن المسكوت عنه وهذا جيد وهو ما أسميناه بـ الثورة "الأدبية السردية النسوية " وهو أدب يحمل مضامين إنسانية ويوظف الجنس كموضوعة لها علاقتها المباشرة مع الواقع السياسي المتردي،لكن المؤسف حقا ان البعض الأخر من "الاديبات " أصبحت موضوعة الجنس لديهن عامل شهرة فقط ولذا اعتمدن عليه بأسلوب فج ومقزز لنيل الشهرة وكسب القراء واعتقدن ان شهرة الروائي لن تكون إلا بهذا الأسلوب،ومثلَهن على ذلك الشهرة التي حظي بها روائيون وشعراء عرب مثل إحسان عبد القدوس او محمد شكري او حتى الشاعر نزار قباني ومن قبلهم الكثيرون، الذين حصلوا عليها جراء اختراقهم لتابو الجنس ودخولهم في عمق التفاصيل اليومية للمجتمع الذي يعيشون فيه، ونقلهم للعلاقات المتشابكة وإفراطهم الواضح في نقل مشاهد جنسية مما أغرى القارئ العربي المقموع داخلياً و الظامئ الى التعرف لموضوع حساس وخطير كهذا،بعد ما أصبح يشعر بالملل لطغيان أسلوب الوعظ والإرشاد على الكثير من الإعمال السردية العربية او التوظيف السياسي السيئ في الرواية العربية او الأدب بصورة عامة،هذا الإدراك وبدفع واضح من الرغبة الكامنة في نفس أي كاتب في اجتذاب الأضواء والشهرة دفعهن الى التطرق وبشدة الى الجنس وتكثيف المشاهد الوصفية للعملية الجنسية،السؤال الأهم هو ماذا سيضيف هذا السرد الجنسي الفاضح لقضايا المرأة العربية التي تعاني مشكلات تحاصرها وتعيش مرغمة في نطاقها كالتخلف وتفشي الفقر و الأمية والمرض والترمل واستشراء ظواهر المخدِّرات والعنوسة والجريمة والعنف الأسري وغيرها من الظواهر،هل كل هذه الظواهر مرتبطة بالجسد والجنس فقط لنكتب ونملأ الصفحات بالكشف عن إسرار اللقاء الجنسي واللذة والنشوة التي يتشرك الطرفان فيها والشذوذ والاغتصاب،هل تطالب المرأة وعبر هذه الكتابات بقلب العملية الجنسية رأساً على عقب لكي تنال حقوقها المشروعة،ولو انتصرت المراءة في عملية قلب المعادلة الأنفة هل ستحل أزماتها المزمنة والمشتركة مع الرجل كالفقر والتخلف و الجهل و المرض والإدمان والعنوسة الاضطهاد...الخ، اعتقد جازما ان معظم دوافع هذا السرد الجنسي لاتعدو كونها محاولة مبتذلة لاجتذاب الضوء وهروباً من مواجهة قضايا لا تستطيع الروائية العربية الاقتراب منها،أبرزها السلطات السياسية والدينية ومشاكلها وصراعها، التي اعتقد ويشاركني هذا الاعتقاد الكثيرون أنها المشكلة الاولى التي تواجه المرأة والرجل وتحول دون تحريرهما المنشود، وهنا أورد جزء من مقال مهم منشور في صحيفة البصائر الجزائرية للكاتب حسين لقرع عن ذات الموضوع حيث يقول لقرع (المشكلة أن أغلب من يوصفن بـ"الأديبات" العربيات لا موضوع لهن إلا الكتابة عن الجسد والثورة على القيم الدينية وتقاليد المجتمع المحافظة وعلى ما يصفنه بـ"السلطة الذكورية"، حتى أنهن كتبن في العشرية الأخيرة وحدها أزيد من 150 رواية كلها تتشابه في الموضوع، وعجزن عن الخروج إلى آفاق المجتمع الرحبة والتخندق في صفوف شعوبهن والتعبير عن آلامها وآمالها ورصد تطلعاتها وانشغالاتها...)* ---------------------------- * كثير من الروائيات العربيات كتبن روايات اعتبرت جرئية وفاضحة منهن السعودية رجاء الصائغ و العراقية عالية ممدوح و ليلى العثمان في العصعص وسلوى النعيمي،ونترك للقارئ ان يحدد مدى نجاح هذه الإعمال الروائية في اختيار موضوعة الجنس كثيمة لبناء النص السردي والإيغال في عوالمه المتداخلة . *الكاتبات العربيات و"قضايا التحرر" المزيفة!-حسين لقرع –جريدة البصائر.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |