|
بأقلامكم
سفر خالد لكفاح المرأة من أجل التحرر والديمقراطية والمساواة
حامد الحمداني 7 آذار 2005
حيث فرض عليها أن تُقمع في البيت ،وليس لها من الحقوق سوى الخدمة المنزلية للأسرة والإنجاب وتربية الأولاد والطاعة العمياء للرجل الذي كان يمارس مختلف صنوف الاضطهاد والقمع تجاه المرأة ويعتبرها ملكية شخصية لا غير . لقد حُرمت المرأة من الذهاب إلى المدرسة والتعلم ، وكان الرجل لا يستسيغ أن تخرج بناته إلى المدرسة ويعتبره خروجاً على العادات والتقاليد البالية آنذاك ، كما فُرض عليها الحجاب والانفصال التام عن المجتمع الذكوري ، وكان للدين تأثير كبير على سلوكيات الرجال تجاه المرأة حيث بقيت محرومة من أبسط حقوقها كإنسان . وبسبب تلك الظروف البالغة الصعوبة خاضت النخبة المثقفة نضالاً شاقاً من أجل معالجة مسألة التخلف والأمية ، والسعي لتحرر المرأة من هيمنة الرجل المطلقة ، والتمتع بحقوقها كإنسان ، وكان من بين تلك النخبة الشاعران الكبيران جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي حيث لعبا دوراً كبيراً من خلال شعرهما في النضال من أجل تحرر المرأة . كانت تلك المهمة صعبة جداً بكل المقاييس بالنظر للتأثيرات الشديدة لتلك العادات والتقاليد البالية إلى جانب التأثيرات الدينية التي ميّزت الرجل على المرأة في كثير من المجالات وأحطت من شأنها، وسلبت معظم حقوقها . لكن تلك المصاعب لم تفت في عضد النخبة المثقفة واستطاعت بنضالها الدؤوب أن تكسر ذلك الحاجز اللعين بين الفتاة والمدرسة على الرغم من كل المحاولات المستميتة للمجتمع الذكوري ، وبدأت الفتيات تواظب على الدراسة والتعلم وكسب المعرفة والثقافة التي تؤهلها للانخراط بالمجتمع ، وممارسة حقها في العمل فكان أن تخرجت جموع كبيرة من الطالبات من المدارس الثانوية ، ودخلت المعاهد والكليات ،وتكوّن في البلاد كادر نسائي من المعلمات والمدرسات والطبيبات والمهندسات والقانونيات وفي مختلف الفروع العلمية الأخرى . وبدأت هذه الفئة المثقفة والمتنورة تمارس نضالها من أجل أن تنال المراة كامل حقوقها أسوة بالرجل ، وتتحدى تلك القيود القاسية التي فرضها المجتمع الذكوري عليها . وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1948 والذي وقعته معظم الدول المنضوية تحت لواء المنظمة العالمية ، وكان العراق أحدى تلك الدول ، لتعطي زخماً قوياً للنضال الذي كانت تخوضه المرأة من أجل تحررها جنباً إلى جنب مع نضال النخبة المثقفة التي كان لها قصب السبق في هذا المضمار . فقد نصت المادة الثانية من الإعلان على ما يلي : لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. ولعبت المنظمات النسائية التي ُشكلت في الخمسينات من القرن الماضي ، وفي المقدمة منها رابطة الدفاع عن حقوق المرأة دوراً بارزاً في النضال من أجل انتزاع حقوقها التي نص عليها الإعلان والتعامل مع المرأة على قدم المساواة مع الرجل . ومارست الأحزاب الديمقراطية والعلمانية دوراً كبيراً في دعم منظمات المرأة والنضال من أجل تحقيق كامل تطلعاتها في الحرية والديمقراطية والمساواة ، وقدمت التضحيات الجسام في هذا السبيل . وجاءت ثورة 14 تموز لتعطي زخماً جديداً لنضال المرأة من أجل التحرر والحقوق المشروعة حيث أصدرت حكومة الثورة قانوناً جديداً للأحوال المدنية والذي جاء بنصوص جديدة لصالح المرأة كان أهمها مساواتها في الأرث مع الرجل ، ومنع تعدد الزوجات وحقها في طلب الطلاق ،وحريتها في السفر وغيرها من الأمور الأخرى . لكن هذه الحقوق ما لبثت أن انتكست بعد وقوع انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 الذي قاده مجموعة من العناصر المتخلفة من البعثيين والقوميين وعلى رأسها عبد السلام عارف حيث مارست أشنع الجرائم بحق الوطنيين نساءاً ورجالاً ،وأقدمت على إلغاء أهم البنود المتعلقة بحقوق المرأة . لكن نضال المرأة استمر رغم كل الصعوبات وخاصة بعد أن أصدرت الأمم المتحدة في 18 كانون الأول عام 1979 الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة والتي جاء في المادة الثانية من الاتفاقية : تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج, وبكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء, سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة, وتحقيقاً لذلك, تتعهد بما يلي: تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى ، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن ، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى . ورغم أن نظام صدام حسين كان قد وقع هذه الاتفاقية ، إلا أنه مارس أشد الانتهاكات لهذه الاتفاقية وللبيان العالمي لحقوق الإنسان وسلب كافة الحقوق والحريات التي كانت تتمتع فيها المرأة قبل تسلط حزب البعث على السلطة . لقد عاد النظام الصدامي القهقرة في واقع الأمر ليس ضد المرأة وحسب ،بل ضد الإنسان العراقي بشكل عام على الرغم أن ما أصاب المرأة من انتهاك لحقوقها المدنية والسياسية كان أشد وأفظع . لقد مارس النظام الصدامي ضد المرأة أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي والاعتداء الجنسي ،والإعدام وقطع الرؤوس وتعليقها على الأبواب بحجة ممارسة الدعارة الكاذبة ، في حين كان صدام وأبنائه وزمرته يمارسون تلك الدعارة ويعتدون على البنات ، بل ويمارسون قتلهم بعد الاعتداء عليهم ، وقد كان من بين النساء الذين جرى قطع رؤوسهم مناضلات ضد الديكتاتورية الصدامية الفاشية مشهود لهم بسمو الخلق والسيرة في محاولة لتشويه سمعتهن ، ولقد ظهرت العديد من الأفلام الخاصة بالعائلة الصدامية بعد سقوط النظام لتعطينا الدليل الذي لا يقبل الشك على سلوكية هذه العائلة السيئة وما اقترفوه من جرائم بشعة بحق الكثير من المناضلات في سجونه الرهيبة كان من بينهم الشهيدات عائدة ياسين وتغريد البير الخوري وجميلة العاني وغنية محمد لطيف وخاتون كريم أحمد ونجاة الحكيم ،ونادية كوركيس وفريال عباس وماجدة عبد الكريم وهدى حنا ناصر وساجدة عبد الرزاق و سميرة جواد كاظم ومي علي صدقي و سامية عبد الرزاق وفوزية جبار البياتي وتماضر يوسف متي ورجاء مجيد محمد واعتماد لطيف محمد وكريمة محمد إبراهيم ونجاة وليد فهد وسهاد هادي عبد الحسين وزينب أحمد الآلوسي ونادية العيبي ونادية كوركيس وسحر أمين ونجية الركابي وهدية الركابي ومناليزا أمين وحرية اصفيل وشوقية ضايف وإكرام عواد السعدون وحميدة حالوب وزهرة ذياب ونضال محمد طه وقبيلة جاسم العامري وسوسن حبيب محمد وومي علي صدقي والعديد مما لا تسعفني الذاكرة إن أدون أسمائهن . لقد أظهرت المقابر الجماعية التي كُشف النقاب عنها بعد سقوط النظام مدى الجرائم الفاشية البشعة بحق المرأة بل وحتى الأطفال ، وما جرى في حلبجة الشهيدة يمثل أعظم إدانة لوحشية النظام الصدامي الذي أباد بأسلحته الكيماوية ما يزيد على 5000 إنسان بلحظات وكانت أغلبيتهم الساحقة من النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء وسقط النظام الصدامي في التاسع من نيسان 2003 على أيدي القوات الأمريكية والبريطانية ،وتشكل بعد عدة اشهر مجلس الحكم والذي ضم معظم الأحزاب السياسية التي كانت في المعارضة ، لكن تشكيلته جاءت على أساس غير سليم ،حيث جرى اختيار أعضائه على أسس طائفية أو قومية أو دينية. ولقد أقدمت القوى الدينية في المجلس على إصدار قانون جديد للأحوال المدنية استناداً للشريعة مما سلب الكثير من حقوق وحريات المرأة ، وقد خاضت المرأة ومنظماتها ،وبدعم مباشر من القوى الديمقراطية نضالا لا هوادة فيه من أجل إسقاط ذلك القانون ،وتكللت تلك الجهود بالنجاح ، وتم إلغاء القانون رقم 137 لعام 2004 . وعلى الرغم من إلغاء ذلك القانون المجحف بحق المرأة فلا زال الطريق نحو التحرر الحقيقي للمرأة صعباً للغاية ويتطلب مواصلة الجهود الحثيثة والنضال المتواصل ليس من قِبل المرأة ومنظماتها فحسب ، بل وسائر القوى الديمقراطية من أجل سن دستور ديمقراطي علماني يضمن سائر الحقوق والحريات التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،والاتفاقية الدولية الخاصة بمنع كل أشكال التمييز ضد المرأة . لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة بروز الأحزاب الدينية حيث نالت أكثر من نصف أعضاء المجلس التأسيسي وهو ما يخولها تشكيل الوزارة ، وعليه فإن هناك مخاطر حقيقية فيما يخص حقوق المرأة إذا ما سعت هذه الأحزاب الدينية على فرض الشريعة الإسلامية ، ولذلك فإن الوضع الحالي يتطلب من بذل أقصى الجهود من قبل منظمات المرأة وسائر القوى الديمقراطية من أجل الحيلولة دون فرض الشريعة الإسلامية على الدستور القادم والنضال من أجل أن يتضمن الدستور في صُلب مواده النص الكامل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948 والاتفاقية الدولية لمنع أي أشكال التمييز ضد المرأة الصادر في 18 كانون الأول 1979والحيلولة دون فرض أية قيود على حرية المرأة ومساواتها مع أخيها الرجل في كافة الحقوق والواجبات . وتثميناً وتقديراً لكفاح المرأة وتضحياتها أوجه ندائي كل القوى الممثلة في المجلس التأسيسي ونحن على وشك انتخاب رئيس للبلاد إلى انتخاب أمرأة كأول رئيسة للجمهورية في هذا العهد الجديد . أجمل التهاني للمرأة العراقية ولسائر نساء العالم بعيد الثامن من آذار ، وإلى المزيد من النضال من أجل تحقيق كل طموحات المرأة في الحياة الحرة الكريمة ومن أجل المساواة الحقيقية مع الرجل في الحقوق والواجبات . المجد والخلود لشهيدات الحركة الوطنية اللائي ناضلن من أجل الحرية والديمقراطية ، وقدمن أغلى ما يملكن ،حياتهن، من أجل تحقيق حلم المرأة العراقية في نيل حريتها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات والنصر والظفر لجهودها في هذا السبيل . |
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |