|
هل تعيش الامثال الشعبية في ذاكرة مجتمعنا
استطلاع: لقاء الربيعي بنت الرافدين / بابل الامثال الشعبية هي ذلك الموروث الحضاري الذي يعد تركة عامرة بالعلوم والمعارف والتي خلفها لنا اجدادنا لتشق طريقها بين ثنايا مواقف في حياتنا لتحل شاهدا مهما لها وهي الكنز الذي لا يبلى ولايفنى مهما تعددت الازمان وتعاقبت الايام لكن الأجيال الحديثة من الشباب تعزف عن الغوص في بحورها العامرة باللآلئ، ولم يعد هناك أي اهتمام شبابي بالأمثال الشعبية، وموروثات الأمة، الأمر الذي يثير بعض المخاوف من اندثار الثقافة الشعبية، نتيجة لتقاعس الجيل الحالي، وقصور في أدوار بعض أجهزة الإعلام في توصيل رسالتها التنموية والثقافية. كان لنا حول هذا الموضوع تحقيقا اجريناه مع شرائح مختلفة من مجتمعنا: تقول سامرة محمد فاضل (طالبة ماجستيرفي الادب العربي): نحن كفتيات نستخدم بعض الأمثال في بعض المواقف التي نمر بها وتخرج بطريقة لا إرادية، وقد قمت بحفظها من أمي وجدتي من كثرة ترديدها أمامي على الرغم ان هناك أمثالاً باللهجة القديمة والتي يصعب علي فهم معناها، ولكني ألاحظ ان هناك شبه اندثار لهذه الأمثال في حياة الفتيات واختفاء كامل في حياة الشباب، والسبب هو كثرة استخدامهم للغة الانجليزية وسط الكلام كنوع من التحضر والتمدن مما يجعل الشباب يبحثون عن مفردات انجليزية تؤدي الغرض عوضاً عن الأمثال الشعبية، ومن أكثر الأمثال العراقية شهرة “لا تكول سمسم الا تلهم ,, ويعنى انه لا يمكن تاكيد صحة الخبر او موقف ما الا بعد التاكد التام من وقوعه كما انه يمكن اعادة هذه الأمثال إلى حياتنا عن طريق دمجها في الاعمال الفنية المحلية سواء في الإذاعة أو التلفزيون أو نشر مسابقات في الجرائد أو كل وسائل الاعلام عن هذه الأمثال، ولاسيما لوكان هناك كتب أو دراسات تحوي هذا التراث للحفاظ عليه كنوع من الميراث لأطفالنا. اما وداد الخزرجي (مدرسة) فتشير إلى: أن كل جيل تسبقه أجيال تندثر عبر السنين وتبقى لنا تجاربه وحكمه على شكل أمثال وحكم، وكلما كبرنا نعيش عبرها ونقدر قيمتها لأن التاريخ يعيد نفسه في شكل مختلف من الناس بينما الوقائع التي قيلت فيها هذه الأمثال نعيشها في أي حقبة من الزمان. وعلى الرغم من ان هذه الأمثال تختلف في ألفاظها ولكنها تلتقي في مضمونها مع اختلاف مصادرها، وبكل بساطة فهي تعبير عفوي عن موقف أو حدث موجز البلاغة، والعالم العربي مليء بالحكم والأمثال الشعبية التي نتعلم منها الحكمة والعديد من الفضائل والخصال الحميدة فأجدادنا لم يتركوا مثلاً إلا وتضمن موعظة، فهناك أمثال عن الحب ونبذ الكراهية والذكاء والغباء والصبر والإيمان والنصح وعلاقة الأم بأولادها أو علاقة النسب والأنساب وكلها تحض على الترابط ونبذ الخصال السيئة والابتعاد عنها. ويضيف خالد علي (طالب بكلية التربية): كثير من الشباب يستهزئون بتلك الأمثال ويرونها لا تتماشى مع روح العصر وأنها لا تصلح لهذا الزمن فأجدادنا لم يكن لديهم اهتمام بقيمة الوقت ومن ثم فكانت حياتهم تسير بشكل طبيعي خالية من التوتروالتسارع المستمر ونحن لا نلومهم على ذلك ولا ننبذ كل الأمثال، بالعكس فهناك مثل مكون من أربع كلمات يختصر الحديث ساعة لمن يفهم معناه ويستوعبه، وبالنسبة لي كثيراً ما كنت استمع لجدتي التي تلجأ إلى الأمثال في كل أحاديثها، وكنت اتعجب من بلاغة هذه الكلمات وإيجازها فعلى الرغم من أنها لا تعرف القراءة أو الكتابة الا انها تقول ما يشبه الشعر المقفى في أمثالها. وحدثتنا الاستاذة سهى الخزعلي استاذة اللغة العربية قائلة: ان أباءنا الأولين علمونا حكماً كثيرة من خلاصة تجاربهم العديدة ولقنونا تلك الأمثال لنستخدمها في مجالسنا واجدادنا القدامى لديهم تاريخ حافل من تلك الأمثال ولكن للاسف فشباب اليوم يسخرون منا عندما نرددها أمامهم ومنهم من يناقش مضمونها ويعجب بها، وقد حفظناها شفاهة من آبائنا وأجدادنا وننقلها لأولادنا وهم بدورهم ينقلونها لأولادهم وقد قمت بجمع بعض من هذه الأمثال مكتوبة بغرض الحفاظ عليها ولكي اضمها لمتحفي الخاص الموجود في بيتي، ومن خلال هذه الفرصة أود التأكيد على أهميتها فدورها لا يتعدى كونها تراثاً بل على العكس فهي تخلق نوعاً من الترابط الأسري بين العائلة الواحدة وكون الابناء يحفظونها دليل على أصالتهم وفخرهم بتاريخهم.(أمثالنا كنز تراثي) بهذه العبارة بادرنا إبراهيم محمد (موظف في دائرة الزراعة):ويضيف تحمل الأمثال الشعبية في طياتها الكثير من الدروس والعبر والحكم التي تفيد الناس في حياتهم وتزودهم بكثير من القيم والاخلاق وأحيانا تروي هذه الأمثال الشعبية بعض جوانب البطولة والمروءة والشهامة العربية سواء ان كان على الساحل أو في الصحراء أو في قرى الجبال والأرياف بالطبع فإن الأمثال الشعبية تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وذلك وفق المعيشة والطبيعة الجغرافية التي يعيشها الإنسان. ومثال على ذلك سكان المدن الواقعة على البحار يستخدمون بعض الأمثال الشعبية التي تعبر عن البحر وأهواله ومنافعه وجواهره والرياح التي تؤثر في الحركة وفي المقابل نجد الأمثال الصحرواية ومكوناتها الحية مثل الحيوانات والحشرات ونفس الشيء ينطبق على الطبيعة الجبلية. وهناك قاطع مشترك من الأمثال الشعبية التي انتشرت في مجتمعاتنا ويرددها الجميع بلا استثناء مثال على ذلك(الي ما ينوش العنب يكول حامض ) نجده مستخدماً في كل مكان وحتى في دول الخليج فقط ومعناه ان الإنسان الذي لايقوى الوصول الى مرامه ومراده يلقي بالسبب على اي شيء دون نفسه ، ولكننا نرى مع الأسف ان هذه الأمثال لا يتداولها الجيل الجديد من أبنائنا أو من الشباب بصفة عامة نظرا لعدم احتكاكهم المباشر بآبائهم واجدادهم وكبار السن في الأسرة، لذلك هي في تناقص مستمر لدى شباب اليوم، ومن الواجب ان تهتم محاضن الشباب ومؤسسات المجتمع بهذه الأمثال والحكم وكتابتها في لوحات داخل الأندية والمؤسسات الحكومية والمدارس على ان يتبنى كل هذه المنهجية مراكز التراث في الدولة. يقول( د. حسام النعيمي، أستاذ اللغة العربية): تشكل الأمثال الشعبية عنواناً ومرآة لثقافة الشعوب بمختلف جوانبها وفروعها المادية والروحية، فهي تعطينا صورة غنية عن حالة الأمم والناس وتكشف عن تلك الحالة في مختلف مراحل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنهضوية بما تقدمه لنا في صيغة مختصرة لثقافة الإنسان وبيئته وواقعه المعاش مجسدة في مختلف ايقاعات الحياة اليومية بكل جزئياتها الصغيرة وتفاصيلها الدقيقة حتى انها تتغلغل في نسيج الاسرة الواحدة لتعطينا صورة عن تلك العلاقة بين افراد العائلة والاخوة والاخوات والزوجات والحموات والأبناء في مختلف مراحل العمر، وترصد مختلف ألوان الحياة الظاهر منها والخفي على حد سواء، وهي بذلك تشكل لوناً أدبياً ذا خصوصية صادقة يعتبر خلاصة التجربة والحكمة والممارسة، ومما لا شك فيه ان الأمثال الشعبية تثري ذائقة الإنسان الثقافية والفنية والفكرية وهي تعطينا صورة واضحة على ان الشعوب لم تكن متخلفة عما يحيط بها من واقع وأحداث سواء كان واقعاً مراً أو أحداثاً مفرحة. والأمثال الشعبية بما تحمله بين جنباتها من وظائف حيوية اضفت عليها صفة الخلود والديمومة ولذلك ليس غريباً ان تتوارثها الاجيال فيتناقلها الابناء عن الآباء والاجداد، ولكن يؤكد د. النعيمي أن هذه الأمثال بدأت بالتراجع في حياتنا فالشباب لا يهتم بها ولا يحفظ الكثير منها مما يجعلها عرضة للاختفاء، وعن وسائل حماية الأمثال يضيف النعيمي: يقع العاتق الأكبر في احياء الأمثال وتخليدها على وسائل الاعلام فيمكن ان تطعم المسلسلات والبرامج بها أو عمل برامج خصيصاً لها من خلال الإذاعة والتلفزيون والمهرجانات وكل الانشطة التي تقام يجب تخصيص جزء منها لهذا الغرض. ويشير( د. أحمد المعموري ، أستاذ اللغة العربية والأدب العربي الحديث ): إلى ان الأمثال تراث إنساني أنتجته تجارب الشعوب والحضارات مشافهة أو بالتوثيق الكتابي، والغريب ان هناك قدراً مشتركاً بين هذه الأمثال من حيث المضامين مما يشير إلى التأثر والتأثير أو الاشتراك العفوي بالتجارب الإنسانية التي عبر عنها الإنسان بالأمثال، حيث يزخر تراثنا العربي بالأمثال الشعبية والفصيحة. فتلك الفصيحة هي التي جمعت في كتب وهي لغة الأجداد، أما الثانية فقد وصلتنا دون نسب لأصحابها مما يشير إلى انها أدب شعبي. ومن أشهر الكتب التي وصلتنا (مجمع الأمثال الميداني) ولا يمكن انكار ان العامة والمثقفين يتداولون هذه الأمثال في لغة الحوار اليومي الخاص بهم حيث تحضر إلى الذاكرة في مناسبات متشابهة لتلك التي أفرزتها عندما قيلت لأول مرة، وأكثر من يتداول هذه الأمثال في زمننا هم كبار السن الذين شكلت الأمثال جزءا كبيرا من ثقافتهم بالمشافهة، وتتناقص كل يوم اعداد هؤلاء بسبب قلة التواصل لذلك يجهل هذا الجيل من الشباب أصل هذه الثقافة وقيمتها، وتغيب عن ألسنتهم وأدرك بعض المهتمين هذا الخطر فأخذوا يجمعونها في كتب من عدة اقطار عربية مختلفة، وللأمثال قيمة لغوية وجمالية عالية فكثير منها يحتوي مفردات ذات دلالات محلية وتوثق الأدوات والعادات والاماكن والقيم، وتتمثل القيمة الجمالية لها في الطباق والجناس والسجع، ويعتبر الشعراء المعاصرون أكثر من أدرك قميتها حيث وظفوها في أشعارهم وأشار اليها النقاد تحت عنوان “التناص” ويعتبر السياب والبياتي من أشهر الذين خلدوا هذه الأمثال في شعرهم بطريقة متفاوتة. ويأتي رأي الجهة المتخصصة في هذا الموضوع على لسان (الدكتور سليم عبد العزيز استاذ العلوم الاجتماعية )حيث يقول: أصبحت الأمثال شبه معدومة بالنسبة لشبابنا فعلى الرغم من أنها تمثل العراك الإنساني أجمل تمثيل، ومليئة بالعبرات والحكم والحلول العبقرية لمعظم المواقف والمشكلات إلا أن شبابنا لا يهتمون بمثل هذه الأمور، فمن يهتم بزيارة المكتبات أو البحث عن كتب تحوي تلك الأمثال، وأعتقد ان الكرة الآن في ملعب وسائل الاعلام الأخرى الأكثر تأثيراً وجذباً لهؤلاء الشباب، فالفن دائماً هو البوابة الأوسع لاستعادة ما فقدته الايام وطغت عليه التكنولوجيا، فتراثنا مليء بالأمثال التي يمكن ان تصبح برامج أو حتى مسلسلات فالإعلام المحلي له دور كبير في ادخال هذه الأمثال إلى عقول شبابنا للحفاظ عليها على مر الأجيال. يرى( د. ثاقب عظيم استاذ العلوم النفسية): أن للأمثال الشعبية وقعاً مؤثراً في نفوس الناس لأنها جاءت من حكايات وحوادث واقعية أو شبيهة بالواقع من حياتهم اليومية ومعاناتهم الخاصة أو من نسج الخيال، وعندما يشيع الخبر أو القصة وحكمتها بين الناس تشيع أيضا على ألسنتهم وتصير مثلاً يتداولها الناس ويتعظون بها حيث نشأت في محيطنا العربي مع حياتهم وبداياتها الزمانية والمكانية وما زالت حتى اليوم لها قوة مؤثرة بين الناس ويتداولونها جيلاً بعد جيل، ولا شك ان الناس قديماً كانوا مولعين بحفظ الأمثال وتداولها وبدأ هذا الأمر يتقلص مع مرور الوقت، فالقليل من شبابنا يحفظها أو حتى يعرفها. ويضيف: تبقى الأمثال ركناً مميزاً من تراث الأمة وتقاليدها لذلك لا يمكن ان تنقرض أبداً رغم قلة تداولها بالمقارنة مع مكانتها لدى جيل الأجداد والآباء، وقامت دراسات عدة في عالمنا العربي للأمثال الشعبية كما ان محطات التلفزة كانت في الماضي تركز عليها فكان للأمثال عدة برامج معروفة من قبل مثل: قصة مثل، مع أمثالنا الشعبية وأمثال وحكايات وغيرها ولكني منذ فترة ليست بالقصيرة لم أسمع أو أشاهد أي برنامج عنها وهذا يعد تقصيراً في حق تراثنا لأنها تبقى محفوظة في عقول الناس وذاكرتهم كما هي في المجلدات وكتب التراث في مكتبتنا العربية، وإذا نظرنا إلى مدى العلاقة بين أمثالنا الشعبية واللغة العربية الفصيحة، نجدها متقلصة لأن أغلبها متداول باللهجة العامية مما لا يؤثر في اللغة العربية، إلى جانب ان هناك مجموعة منها مشتركة بين الأقطار العربية كلها مثل “الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح” أي أن الإنسان يجب أن يبتعد طريق المشاكل وهو مثل شائع في مصر والشام، واغلب هذه الأمثال متشابهة المعنى مختلفة اللفظ وهو ما يعطيها طابع المحلية والخصوصية لكل شعب.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |