رمضان في السماوة .. عبق وأحاديث ذات نكهة خاصة

 

قبل الإفطار قصص ودعابات...وبعد الإفطار أمنيات بالسلام لجميع العراقيين

جاسم فيصل الزبيدي / السماوة

بين شطـــآن الفرات والنخلة التي ذابت حبـــاً بسمرائها.. ترتل مآذن السماوة من القران المجيد ماتندمج به النفس الإنسانية حباً لشهر رمضان الذي انزل فيه القران..فالشهر واحة النفوس في مضايف الرحمن وبه تستقر لترتاح من عناء الشهور الماضية.. انه محطة الاستراحة والتأمل الروحي... لكل مدينة من مدن العراق طقوس وعادات تكاد تشترك في كثير من أمورها بسبب التشابه في البيئة الاجتماعية فالمنطقة الجنوبية والوسطى تشترك كمـــا تشترك مع المحافظات الشمالية في وحدة التاريخ والأرض.. السماوة مدينة تتكحل (بمرود) الفرات العذب حيث يترنم النورس المهاجر على شطآنها بين الماء والطيني ليرسم بسمه الطفل وهو يداعب حقيبته المدرسية..فيض حنان ربة البيت وهي تُعد الفطور لزوجها التي يكافح من اجل لقمة العيش لتملأ البيت حباً وسرورا..وبعد الافطار تتزاور العوائل فيما بينها لشد اواصر المحبة بينها ..فالعراقي طاهر القلب طيب النفس الى ابعد الحدود الانسانية او كما يقولون في اللهجة الشعبية( سمعه حجايه حلوه وأخذ هدومه).. ففي هذا الشهر تظهر عادات وتقاليد وطقوس لم تكن في باقي الايام من جمال ومحبة والفة..مثلما هي الان.

 

قبل الإفطار قصص ودعابات وعصبية

قبل الفطور بساعة ليس ثمة ما يشير الى طقوس رمضان في السماوة غير الحركة العادية اليومية وانعكاسات الصوم على الوجوه والعيون، والرغبة في التبضع من أسواق عامرة بالبضائع والأغذية الطازجة منها خاصة التي يرغب الصائم بشرائها. وهناك ققص ودعابات لطيفة تحدث قبل الافطار. المواطن(نعيم كريم ابراهيم) موظف يقول: بعد انتهاء الدوام أتوجه إلى السوق لغرض التسوق بشكل يومي حيث انشغل بالتسوق لحين موعد الإفطار..والغالب على الناس بصورة عامة هي ان حالة العصبية

اما الموطن(عباس فاضل)موظف كهرباء فيقول: أباشر في قراءة القران والأدعية بعد نهوضي من النوم بعد انتهاء الدوام الرسمي لحين إعلان الإفطار وأول شيء افعله هو شرب سيكارة قبل الإفطار فكل همي الوحيد هي السيكارة.

المواطنة (ام محمد)فتقول:أتهيأ لاعداد الفطور حيث ان زوجي من النوع( المستعجل) واتصور انه في يوم من ايام رمضان جاء زوجي وهو في حالة عصبية وهو يقول ( ليهسه ما مسويه الفطور مو راح آذن) وعندما اخبرته ان الساعة ماتزال الثالثة والنصف عصراً قال ( حته لو).

المواطنة(سعدية محسن)تقول:ان والدي من المدخنين جداً ويصبح(نار)ايام شهر رمضان وتصور انه يقوم بشراء(ثلاث باكيتات)سكائر مع العلم انه لديه (باكيتين) من اليوم الماضي وما ان ينادي المؤذن بالافطار حتى نراه قد انكب على السكائر بشكل رهيب.

المواطنة (ام احلام) ربة بيت فلها مع زوجها قصة ترويها لنا فتقول : إن زوجي من النوع المدخن وذات يوم من ايام رمضان الماضي لم يجد ما يتسلى به فراح يهدم السياج الخاص بإحدى الغرف فأرهقه ( التفليش) وعند ذاك تركه مما دفعه الى اعادة بناءه من جديد من قبل احد العامل؟؟

 

بعد الإفطار

[اللهم أني أفتتِح الثناء بَحمدِك، وأنت مُسددٌ للصواب بمنِك، وأيقنتُ أنك أنتَ أرحمُ الراحمين في مَوضع العفوِ والرحمة، وأشد المعاقبين في موضوع النكال والنقمة، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة، اللهم أذنت لي في دُعائك ومسألتِك، فأسمع يا سميعُ مدحتي، وأجب يا رحيمُ دَعوتي، وأقل يا غفورُ عَثرتي، فكم يا إلهي مِن كُربَةٍ قد فرجتها، وهموم قد كشفتها، وعثرةٍ قد أقلتهاـ ورَحمةٍ قد نَشرتها، وحلقةِ بلاء قد فَككتها..] كلمات من دعاء الافتتاح المروي عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) حيث يُرتل من على مآذن المدينة بعد الإفطار  حيث تتحول مدينة السماوة الى أجواء وطقوس لا يتسم بها غير هذا الشهر المبارك. الجوامع والحسينيات والبرانيات والاسواق والكورنيش والمقاهي والمحال في الشوارع الرئيسة وفي المناطق المنتشرة من مدينة السماوة، وفي البيوت وقبلها في القلوب والنفوس. ينتشر شذا الايمان وعبق رمضان واحاديث لا تبرح في مجالس تدور فيها الحكايات والامثال وقصص الايام المواضي ونوادر الاشياء من رجال اكتنزت صدورهم بالحب والايمان بها لتصبح نماذج ومثلاً عليا، في الحياة تستفيد منها الاجيال وتحتفظ بها الكتب والقلوب وامسيات رمضانية يمنحها هذا الشهر المبارك بكل فضائله وعطاياه للانسان في الشهر الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. المرء في مدينة السماوة يتنقل بين (البرانيات) ومجالسها وهي مضايف المدينة انها ليست من القصب وما يدخل في بناء المضيف في الريف وانما بناء حديث ضمن البيت بأجواء المضايف حيث الدلال والقهوة وانواع الفواكه والحلويات التي تقدم للزائر لتتطيب الافواه وتشنف الاسماع بالحديث المفيد في كل مناحي الحياة الاجتماعية والدينية والتاريخية، ولا تخلو الاحاديث من السياسة وما يدور في المدينة والبلد من احداث واشياء توجب طرح الراي والاستفادة من الحضور غير لمتجانس في الاتجاهات ويسوده الود والاحترام والتقدير بين الجميع. فيما يغدو الكورنيش مزدحماً بالشباب لا لشيء غير الرواح والمجيء تحت اضواء المحلات المشعة على صفحة نهر الفرات الهادئ الذي يمنح الخير للصيادين الذين يرمون الشبك (المحير والعريس) الذي تشتهر السماوة بصناعته. ليقطفوا ثمار جهدهم بالخير الوفير من الاسماك التي تتقافز على حاملات الجسر الخشبي، ليجتمع المارة ويتمتعوا بمنظرها واحياناً يشترون منها ما يلبي حاجاتهم او ما يفتح شهيتهم لهذا المنظر الاخاذ في الاجواء التشرينية الحالية. والكورنيش الذي يلتقي فيه اهالي السماوة ومن كل المناطق والاحياء السكنية لم يعد مزدحماً بالناس فحسب وانما مزدحماً ايضاً بالسيارات الكثيرة هذا العام دون الالتزام بنظام المرور واذا ما وجد فليس هناك من يستجيب لرجل المرور!

 

السوق المسقف والبرانيات

والشاخص الجميل في المدينة سوقها المسقف الذي يمتد مسافة اكثر من 500 متر، حيث يفترش الناس ارضيته (ودكات المحال) ليرتشفوا الشاي والحليب والقهوة من اصحابها الذين يبيعون في هذا الشهر فقط. حيث تراهم كلما ذهبت وحيثما حللت ليلبوا رغبات الجالسين والواقفين. حتى يخيل اليك وكأنك في اكبر مقهى في العالم يلتقي فيه الناس من غير ميعاد ليستمر بهدوئه وهمسات القادمين اليه، حتى تأتي اصوات الطبول منبهة الى موعد الرحيل والسحور وبدء يوم ثان من ايام الصيام والخير والبركة. ومجاميع (ابو طبيلة) هي السمة المميزة الراسخة في الاذهان من الطفولة بل كلما امتد الزمن وتغيرت الحياة واسباب السهر من اجهزة الستلايت والتلفزيون يظل هؤلاء يشكلون موروثاً جميلاً وصفه اجمل في هذا الشهر حيث يشعرك بجزء مهم من طقوسه ومن البرانيات والمجالس المعروفة في السماوة، برانيات آل سيد جوهر وآل عبادة وآل عبيد ورعد شنان آل رباط وعبد الكريم الفطن وجبار هرو وعبد الامير الشيخ كاظم وكاظم الحاج خضير ومحمد عبد العزيز وعبد علي كلو وشاكر الحميدي وغيرها من البرانيات التي تهدف الى تعزيز التواصل وتعميق العلاقات الانسانية بين ابناء السماوة وتلكم من الخصال الجميلة التي تتسم بها هذه المدينة الهادئة بحب ابنائها وعلاقاتهم الاجتماعية والاسرية والعشائرية فهي عشيرة كبيرة بطبيعة حضرية ومدنية. كانت من اسبابها الاولى هذا الاستقرار والامن والحب الذي يكتنف الصدور.

 

المحاضرات الدينية والمواكب

ويرى السيد حاتم رشيد الديبس ان بعض المظاهر الايمانية الجميلة والمفيـــدة قد ظهرت بعـــد سقوط النظام والتي تمثلت في اقامة المحاضرات الدينية من جهات تابعة للحوزة العلمية في الجوامع واستثمار بعض الحسينيات مثل آل غريب بإقامة هذه العشائر والمحاضرات لرجال دين ذوي علم وفضيلة تربي النشء الجديد على الطاعة لله وتطبيق مفاهيم الدين الاسلامي الحنيف واهمية شهر رمضان الكريم في محاضرات قيمة. فيما اكد السيد صادق باقر حسين ان لرمضان في السماوة نكهة خاصة فقد تتحول الشوارع الرئيسة وارصفتها في المساء الى مقهى(سفري)من خلال الباعة الجوالين او اللقاء بين الاصدقاء والمعارف او الذهاب الى مجالس العزاء ان وجدت حيث تقام بعد الفطور فضلاً عن الزيارات الاسرية بين العوائل لتعزيز صلة الرحم.

إما السيد(رزاق أبو إيناس صاحب مكتبة الطليعة) فقال: إن أهالي مدينة السماوة دأبوا على زيارة الأماكن المقدسة يومي الخميس والجمعة حيث يتوجهون الى مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس(عليهما السلام) في مدينة كربلاء المقدسة والى مرقد الإمام علي في مدينة النجف الأشرف اما في ليالي 19 و 20 و21 رمضان وهي الذكرى السنوية لجرح واستشهاد الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)حيث تتميز هذه المواكب بالحضور الشعبي الكبير الذي يملأ الشوارع الرئيسية في المدينة وهذه الطقوس عادت من جديد للظهور في شوارع مدينة السماوة من جديد

 

وللمحيبس ذكريات

يقول (ابو ايمان) وهو من رياضي مدينة السماوة القدامى: إن في شهر رمضان تبدأ لعبة (المحيبس)وهي لعبة دأب عليها أهالي السماوة عليها حيث يتم اختيار فريقين من المناطق كالشرقي والغربي ليتباروا حول من يستخرج (المحبس) من الفريق الآخر والفريق الفائز يحصل على (صينية) بقلاوة..كما ان هناك مجالس شعرية يتبارى فيها الشعراء في الشعر حيث يتجمع عدد من الشعراء والمثقفين في احد البرانيات الموجودة في السماوة والتي عادت من جديد. انها ذكريات جميلة مازلنا نعيشها رغم تقدم السن فينا.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com