مقالات في الدستور

 

 

الدستور الجديد والمعركة في سبيل العقلانية

لا يكون الانسان حرا الا في دولة حرة

 

 

المهندس سلام كبة

s_i_kubba@yahoo.com

 

نشر اول دستور عراقي في 21/3/1925 ، وكان التعديل الاول في 29/8/1925 بينما جاء التعديل الثاني في 27/10/1943.ثم جاء مرسوم انتخاب النواب رقم 6 لسنة 1952.... ويتضح ان اصول النظام السياسي في العراق بنيت على غرار النموذج الانكليزي.وبناء على توصية الانكليز طبقت في العراق قبل ثورة 14 تموز المجيدة قواعد قانونية خاصة بالعشائر وعلى رأسها نظام دعاوي العشائر الجزائية والمدنية. ونصت المادة 2 من القانون المدني العراقي " اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف " ونصت المادة 88 من القانون الاساسي (الدستور) العراقي الملغى على ان الفصل في قضايا العشائر يكون بحسب عاداتهم المألوفة. لقد تحسن تمثيل الاغوات والمشايخ في البرلمان العراقي الملكي باضطراد ليصل الى نسبة 35% عام 1958 أي قبل 14 تموز.. تشكلت في العهد الملكي 59 وزارة و 645 موقع وزاري شغلته 177 شخصية عراقية. واكد الدستور العراقي وتعديلاته اللاحقة ان الحكومة مسؤولة عن سلوكها امام البرلمان الا انه لم تسقط حتى وزارة واحدة نتيجة التصويت السلبي للبرلمان ضدها خلال 39 سنة... بل على نقيض ذلك كان البرلمان اداة بيد الحكومة تحله متى ما اعتبرته غير ملائما !. ويصنف العهد البرلماني الملكي عادة الى:

· الجمعية التاسيسية 1924

· برلمانات فيصل الاول 25 - 1933

· البرلمان الذي تبناه العسكر 1937

· برلمانات عبد الاله ونوري السعيد 43 - 1958.

 جاء في الدستور المؤقت الصادر في تموز 1958 " العرب والكرد شركاء في هذا الوطن ، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية ".... كما نصت المادة (46) من الدستور المؤقت لعام 1970 على تأسيس المجلس الوطني حسب قانون خاص ( العراق هو الدولة الوحيدة في العالم التي تسودها الدساتير المؤقتة منذ ما يقارب النصف قرن في ظل استمرار حالة الطوارئ والمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة)..وأسس النظام المقبور مجلسه الوطني بقانون رقم (50) لسنة 1980..وفي 20 /6 من نفس العام ظهر أول مجلس وطني بعضوية 250 مرتزقا بينهم كردا.. وجاء قانون المجلس رقم (26) لسنة 1995 تكريس للضحك على الذقون. وحرص النظام على فسيفساء التنوع القبلي والولاء المطلق للطاغية معيارا لعضوية هذا المجلس - المسخرة الذي كان في منزلة التابع لما سمي في حينه مجلس قيادة الثورة حسب التدرج المراتبي في الدولة ،ولأول مرة في التاريخ البرلماني الدولي كان المجلس الوطني العراقي لا يتمتع بأية صلاحيات تشريعية ومهمته انحصرت في رفع التوصيات الخجولة المؤدبة في عرف الطاغية الأرعن.أما مهازل المبادرات السلطوية الدورية باتجاه التعددية فكانت مزاحا ثقيلا على بطانة السلطة أنفسهم وعشائريتها وتعشيرها. وكان صدام حسين قد عين قبل ذلك أعضاء المجالس التشريعية والتنفيذية الكردستانية المنصوص عليها في اتفاقية 11 آذار 1970 على قاعدة العشائر الكردية الموالية له بالضد من مصلحة الشعبين الكردستاني والعراقي. هكذا أعاد صدام حسين الى الواجهة النسخة البرلمانية الملكية بزي جديد ميكافيلي والاحتفاظ بجوهرها في انعدام القوة الأخلاقية والثقة الشعبية والاستمرار في كونها مختارة بدلا من أن تكون منتخبة لتتحقق نبوءة أمين الريحاني عندما قال في أوائل الثلاثينات بعد زيارته بغداد " اني أرى مستقبل هذه البلاد في سجونها لا في برلماناتها ". كان المجلس الوطني ديكورا ديمقراطيا أخفى وراءه اشد أنظمة الاستبداد في عالمنا المعاصر ولم يملك القوة الضرورية كمؤسسة تشريعية كونها خارج الفسحة الضيقة التي سمح له بالتحرك والتفكير داخلها.

 الدستور قضية سياسية تخص جميع أبناء الشعب ومن حق كل مواطن إبداء رأيه في صياغته إن أراد. فقد جاء في المادة: الستون، الباب التاسع ـ من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية- في البند الخاص بمرحلة ما بعد الانتقالية: "على الجمعية الوطنية كتابة مسودة للدستور الدائم للعراق. وستقوم هذه الجمعية بإداء هذه المسؤولية بطرق منها تشجيع المناقشات بشأن الدستور بواسطة اجتماعات عامة علنية ودورية في كل أنحاء العراق وعبر وسائل الإعلام، واستلام المقترحات من مواطني العراق إثناء قيامها بعملية كتابة الدستور".

 

· قانون ادارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية هو الاساس

 نص قانون ادارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية على أن العراق لكل العراقيين، ونص على ضمان حق مواطني كردستان العراق في فيدرالية سياسية جغرافية وعلى أن جرائم التعريب في كردستان، في كركوك بالتحديد، التي ارتكبها نظام البعث المقبور لا تسقط بالتقادم الزمني. يستنتج المرء لماذا الارهابيون وأنصارهم والبعض من المغفلين عادوا، من بين ماعادوا، قانون ادارة الدولة في المرحلة الانتقالية! الاساس الذي سيستند عليه الدستور الدائم الجديد. هكذا حشدت جبهة الارهاب كل طاقاتها لإفشال المشروع الوطني الديمقراطي في العراق وهذا ما تطلب من الحكومة ومؤسسساتها والاحزاب الوطنية والمنظمات الديمقراطية والمواطنين جميعاَ، التعاون والتكاتف ورص الصفوف والقيام بدورها لقطع الطريق امام الارهاب والجريمة والفساد والجهل والتجهيل... وتطلب الاهتمام بالمجال السياسي والاقتصادي في اشاعة العدالة والمساواة وتوفير فرص العمل وسيادة القانون. واذ لم يكن المجلس الوطني المؤقت بالمؤسسة ذات الصلاحية التشريعية الكاملة ، لكنه أيضا لم يكن جهازاً استشارياً. هذا هو حال المجلس الوطني المنتخب (الجمعية الوطنية الانتقالية) ايضا حيث يعتمد نشاط المجلس وعمله الى حد كبير على جدارة أعضائه وهمتهم ونشاطهم، وتنسيق جهودهم، وتحويل المجلس الى مؤسسة فاعلة في الحياة السياسية تمارس دورها الرقابي على أداء الحكومة وعامل تحريك لمشاركة الجماهير في الحياة السياسية والتعبير عن طموحاتها المشروعة.... وانجاز مسودة الدستور العراقي حيث سيتم إقراره بعد طرحه للاستفتاء العام، ثم تجري بعد ذلك انتخابات الجمعية الوطنية العراقية في أواخر عام 2005. ويبقى هناك امل في ان تترسخ عملية تكوين مؤسسات دولة القانون الوطنية. والامل بان تلتزم كل المكونات الاجتماعية في العراق بالولاء الثابت لروح العدل والمساواة والشرعية السياسية التي تجسدها دولة القانون. بخلاف ذلك فان الصراع على موارد الكيان المركزي الاقتصادية والسياسية والمعنوية سيدمر العملية الديمقراطية في مهدها. لا يمكن للعملية الديمقراطية ان تنمو وتترعرع في العراق بدون حكم القانون. ولاحكم للقانون بدون اقامة مؤسسات الدولة الفاعلة والعاملة بعدل وشفافية. ان شلل قدرة مؤسسات الدولة في تطبيق القانون وفرض احكامه وتفعيل الدستور هو احد المعرقلات الكبرى لتنمية العملية الديمقراطية، كا تشير تجارب كل البلدان التي ارادت بناء الديمقراطية. لذا فان النخب السياسية والثقافية وعبر تعبئة اعداد متزايدة من الجماعات الاجتماعية المختلفة للانخراط في سياق الحركة المدنية الجديدة لترسيخ مؤسسات الدولة الوطنية الديمقراطية الوليدة هو الضمانة الوحيدة للتغيير الديمقراطي في العراق. ولا يمكن في هذا الصدد تجاوز سياسات الولايات المتحدة الأمريكية السيئة في الشرق الأوسط ليس من منطلق مصالحنا الوطنية فحسب ، بل حتى من منطلق المصالح الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد، وهي بسبب سياساتها الفعلية المعبرة عن تشابك غير مسبوق بين الإيديولوجية الاقتصادية والإيديولوجية الدينية، والتداخل الشديد بين ذهنية الليبرالية الجديدة للمحافظين الجدد وبين القناعة بالإرادة الإلهية التي يحقق مشيئتها جورج بوش الابن على الأرض. وهذا هو العامل المشترك الذي ربط الحكومة الأنتقالية الشيعية الحالية بالمصالح الاستراتيجية الاميركية... ان عدم قيام الحكومة الأنتقالية الشيعية بوظيفتها في المبادرة ببناء علاقات اجتماعية جديدة تؤدي الى بناء الديمقراطية نابع من طبيعتها الطائفية ، في الوقت الذي تتطلب فيه آلية التحرر من الاحتلال اولا واخيرا التخلص من الفاشيين البعثيين والاصوليين والمتمشدقين بالولاءات اللاوطنية ، وهو تنفيذ لسياسة قوى الاحتلال التي تعرف بأن بقائها والحفاظ على مصالحها مرتبط بطبيعة النظام القائم وانتماءات قادته الطبقية وقوته جماهيريا. وتعيق الطائفية الشيعية الى جانب التعشير والتبعية والافتقاد الى الدستور العلماني المدني ، والاوضاع الاستثنائية وحالات الطوارئ والاحتلال والتدخلات الاجنبية ، وتهشم القضاء والاعلام ، وانتشار الطغم الثيوقراطية ، وتمركز السلطات والبيروقراطية ، والافتقار الى الوعي المجتمعي... تعيق جميعها المؤسساتية المدنية والمجتمع المدني. لكن العقلانية تقطع الطريق على العقل الإيماني الذي يعيد إنتاج الدوغما والفئوية والخطاب الذي ينادي بصرامة بالدولة الدينية المؤسسة على الحاكمية وتحويل الدين الى مجرد وقود سياسي….. وتخشى العناصر اللاطائفية في المجتمع شيوخ الولاءات اللاوطنية الجدد الذين يمكن إن يفرضوا قوانينهم الوضعية على العراقيين. فهذه المخلوقات تشكل التراتبات الجديدة التي تتغير فيها التحالفات باستمرار. وتبقى المهمة هي اعداد دستور دائم للعراق يضمن التطلعات التاريخية والثقافية والسياسية لجميع مكونات الشعب العراقي من ( العرب - الكرد - الاكراد الفيلية - التركمان - الايزيدية - الصابئة المندائية – الكلدان، الاشوريون ، السريان - الروم الارثولكس - الشبك - الارمن - اليهود ) ،وفي اطار بناء عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي دستوري موحد مزدهر تحترم فيه خصوصيات هذه المكونات التي تشكل فسيفساء تكوينية اجتماعية وتاريخية جميلة ،ويلبي طموحات الشعب العراقي الذي ظل ينتظره عقودا عديدة قدم فيها مئات الآلاف من الضحايا الشهداء من مختلف فصائل الحركة الوطنية العراقية وخاصة تلك التي واجهت القمع والبطش والتنكيل المتواصل بدءً من تسلط ما يسمى بالدولة الوطنية أوائل عشرينات القرن الماضي وانتهاءً بالدكتاتورية البعثية.بمعنى آخر المهمة هي صياغة دستور وطني ديموقراطي فيدرالي ، لعراق يتمتع به العراقيون بالمساواة الكاملة أمام القانون ، المرأة بالرجل ، والحق المتساوي لكل الأديان والقوميات والطوائف والمذاهب لممارسة طقوسها والتمتع بكامل حقوقها ، مع ضمان لحرية الفكر والمعتقد ، دون تدخل للدين ومرجعياته في الحياة السياسية ، هذه وغيرها من الأهداف الوطنية التي تؤمن للمواطن العراقي حياة أفضل دون الشعور بالعوز والفاقة في بلد غني بعقول أبنائه وكفاءاتهم وبثرواته الوطنية. من الصعوبة بمكان إجراء تعديلات على الدستور في المستقبل، لذا يجب تفادي تكريس الانقسامات الطائفية والعرقية التي يعيشها العراق في الوقت الحاضر، فهي طارئة ومؤقتة وقابلة للزوال في المستقبل القريب.

 

· تناقضات الدستور الاسلامي الايراني

 انتجت الدولة الاسلامية في ايران الهرمية والتراتبية فعزلت نفسها عن الشعب... انها حكم رجال الدين – السادة الجدد – الذين الغوا سيادة الشعب والاحكام الاسلامية.... انها حكم آخوند سالاري اي حكم الكهنة واغتراب الحكام عن الدين.. انها الشعبوية... والخميني فيها أبوا الفقراء. ورغم محاولة إضفاء هالة من القدسية على مسألة ولاية الفقيه، إلا أنها لم تستطع أن تکون کذلك خصوصا بعد وفاة الخميني و الخطوات الدراماتيکية السريعة التي تم إتخاذها لتنصيب الخامنئي خليفة له رغم وجود الأکفأ و الأعلم منه(بموجب البند الدستوري الخاص بذلك) لتزيح الستار عن خلفية داکنة للصراع على السلطة في إيران والذي يعتبر الولي الفقيه لولبه و محوره الاساسي. وتتناقض المظاهر العلمانية لدستور الجمهورية الاسلامية مع بعضها البعض وتنفيها. فسيادة الفقه الاسلامي الشيعي الدوغمائي تنفي سيادة الشعب ، والمجتمع الاسلامي قائم ضد الامة الايرانية ، والتعاليم والمبادئ الاسلامية تحد من حقوق الشعب ، ومجلس الصيانة يجرد البرلمان من السلطة ، ويقمع القائد رئيس الجمهورية ، ويجعل مفهوم ولاية الفقيه من فكرة الجمهورية عبثا. ان الذي جمع بين مبدأ ولاية الفقيه الشيعية و خلافة الملا عمر في إمارة أفغانستان، هو فرض الحکم الاسلامي على الدولتين بالاستناد على کل ما يسمح بذلك ولاسيما القوة من خلال اللجان الثورية الاسلامية أو فرق الامر بالمعروف و النهي عن المنکر وحتى الاجهزة الامنية من شرطة و مخابرات وما اليها والتي وظفت جميعها لأجل دعم و ترسيخ و تطبيق الاسلام المسيس في البلدين.لقد فصل رجال الدين المتشددون في ايران الدستور بما يتناسب مع مقاساتهم الفاسدة ومسألة بقائهم الابدي في هذه السلطة الفانية دون السماح بتداول السلطة وممارسة الديمقراطية على غرار ما يعمل به عباد الله في الدول المتقدمة. واليوم يدفع الشعب الايراني الثمار المرة... التراجع في الوضع الاقتصادي والكبت للحريات العامة والفتك بالمعارضين والهدر للمال العام والهروب للعقول والخبراء الايرانيين خارج الحدود والتوتر الاجتماعي والزيادة في تناول المخدرات والبغاء الشرعي وغير الشرعي والفساد الاداري المستشري في ادارات الدولة والشلل للمحاكم التي سيطر عليها رجال الدين المتشددين بعد ان تم عزل جميع القضاة والعزلة الدولية والبطالة والغلاء الفاحش. وشغل رجال التشدد الديني كل مناصب الاجهزة القمعية والبوليسية وادارة المال العام والشركات المؤممة ووصل الامر الى تسلطهم على وكالة الطاقة النووية وتدخل مجلس الخبراء بشؤون الحكومة الى حد فرضه لمسألة تخصيب اليورانيوم دون ان تتخذ الحكومة قرارها بذلك. واضحى وضع ايران اليوم اكثر سوءا من الوضع الذي ساد في عهد الشاه محمد رضا بهلوي المطرود. وادى ذلك الى تراجع الدعم الذي قدمه الشعب الايراني للتيار الديني المحافظ بعد ان اعطاه غالبية الاصوات بعيد الثورة عام 1979.

 

· القرآن ليس دستورنا

 ان اختيار برلمان منتخب كسلطة تشريعية وانتخاب رئيس للسلطة التنفيذية مع اقرار مبدأ الفصل بين السلطات واقرار قدسية حقوق الانسان ودولة المؤسسات لا يعارض الاسلام بل هو انسجام مع التطور والرقي الانساني ولابد ان يتضمن الدستور الجديد هذه المباديء التي تنسجم مع جوهر الاسلام دين التسامح والحب وضمان الحقوق.. لكن اشترار الاحكام ببلادة من الماضي ومحاولة تطبيقها على الحاضر هو الطعن القاتل في الدين الاسلامي اولا ويمهد للانقلاب الشعبي الجارف ثانيا. ويردد الأصوليون دائما إن القرآن دستورنا.... لكنه ليس دستورنا ؛ بل القرآن هو الكتاب المقدس للمسلمين ، والكتاب الذي أنزل على النبي محمد (ص) ، والذي يستمد منه المسلمون عقائدهم و حكمتهم وقصصهم وأمثالهم وأحكامهم الشرعية المختلفة فضلا عن المصادر الشرعية الأخرى للأحكام الاسلامية وفي مقدمتها السنة الشريفة للنبي محمد ( ص ) و آل بيته الأطهار.الدستور- وثيقة قانونية أساسية تحدد لنا شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة السلطات والعلاقات بينها وحقوق الأفراد وحرياتهم والقيود التي تحد فيها من سلطات الحكام ، وهو مجموعة القواعد القانونية المدونة أو العرفية أو الاثنين معا التي تحدد شكل الدولة والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها وطبيعة العلاقات بين السلطات المختلفة في الدولة واختصاصات كل منها والحقوق والحريات الأساسية للأفراد. وهذه القواعد توضع مع إنشاء كل دولة جديدة. إن المعركة الأصعب والأهم اليوم وبعد سقوط الدكتاتورية، ستكون معركة كتابة مسودة الدستور الدائم، وتنوير الناس للتصويت له. إن هذه المعركة تستلزم من كل القوى الليبرالية والديمقراطية والإسلامية المتنورة ان ترص صفوفها وتشحذ يقظتها لتكافح من أجل دستور تتوازن فيه جميع القيم الإنسانية النبيلة لمكونات مجتمعنا وتحذر الناس من الاعيب ومناورات تمرير الأفكار المتطرفة مهما كان مصدرها وخاصة تلك التي تختطف الدين الإسلامي الحنيف وتتمترس وراءه. وأن يصار الى كتابة الدستور على ضوء قانون إدارة الدولة، وذلك لضمان سد ذرائع التدخل الأجنبي في شؤون بلادنا ولتحقيق أحلام الفقراء في العيش الكريم والأستقلال الناجز. إن محاولات الألتفاف على قانون إدارة الدولة والتهرب من التقيد بنصوصه – رغم قصوره عن تحقيق كل طموحاتنا – وإثارة مظاهر التوتر السياسي تستهدف تشتيت وأضعاف جهود القوى الديمقراطية وأبتزازها، وتمرير مشروع دستور يجهز على احلام شعبنا. كلما أكد الدستور على المواطنة وحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون وتمسك به الحكام، كان ذلك دليل على رقي ذلك الشعب ونزاهة حكامه. ان الدستور في البلدان الديمقراطية يضمن الحريات الدينية لجميع الاديان والمذاهب والعقائد دون تمييز.... وبشرط ان لا ينعكس ذلك على نظام الدولة والحكومة، اي بمعنى اخر لا يتدخل الدين بشؤون الدولة والحكم او في صياغة القوانين والتشريعات او في الاقتصاد والسياسة والقضاء او في الحياة الثقافية العامة. للجمعيات الدينية الحرية في العمل والنشاط والنشر والدعوة لعقائدها ومبادئها وبرامجها بل وان تدلي برأيها في الشؤون السياسية والاقتصادية والانتخابات لكن دون المطالبة بتغيير الدستور او القوانين العامة التي تمس الحريات الشخصية او الحريات الدينية وحرية التعبير وغيرها. كما يمكنها ان تدعم بعض المرشحين في الانتخابات او تؤيد احزابا سياسية معينة. على الدستور الجديد في العراق أن يحرّم قيام الأحزاب السياسية على أسس دينية أو مذهبية بأي حال و يسمح للأحزاب السياسية أن تؤسس على أساس برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العامة. وأن يرفض الدستور توزيع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية على اساس المحاصصة بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة ، إذ أن في ذلك إخلال حقيقي بحق المواطنة وحقوق الإنسان ،وأن يحرم على الأحزاب والمنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تنشر الكراهية والأحقاد بين الأديان والمذاهب المختلفة أو بين القوميات أو إزاء الاتجاهات الفكرية والسايسية الديمقراطية ويضع قواعد تعاقب من يخرق هذا التحريم ، وأن تحترم الأحزاب السياسية في برامجها مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق مختلف الأديان والمذاهب ورفض إيقاع الأذى بأتباعها أو التجاوز على حريتها وحقوها وأداء طقوسها الاعتيادية ،ووجب تحريم ممارسة التمييز بين الناس على أسس دينية أو مذهبية أو فكرية، سواء على نطاق الحياة العامة والحياة السياسية أم التعيين في الوظائف في السلطات الثلاث. ان طبيعة المرجعيات الدينية هو الذي يحدد مسيرة الديمقراطية في العراق. وستعمل (المرجعيات) المتشددة والمتطرفة على هدم النظام الديمقراطي لانها لا تتمكن من التنافس مع التيارات الاخرى بالوسائل االسلمية، لذلك تلجأ لاساليب اخرى غير الحكمة والموعظة الحسنة كما يريد القرآن الكريم من المسلمين في تعاملهم مع الآخر المختلف دينيا او مذهبيا او وطنيا او قوميا. وهنا وجب الحذر من أسلمة العراق اي تحويل النظام السياسي العلماني الأساس الى نظام ثيوقراطي يشبه نظام الجمهورية الاسلامية، وهو امر شديد الخطورة ويهدد مستقبل العراق وأمنه.. وقد عبرت قطاعات غير قليلة من النساء العراقيات عن قلقهن البالغ، وتعرض كثير منهن للاعتداءات اللفظية والجسدية، من جانب جماعات اسلاموية الاتجاهات، تعاظم نفوذها وتريد فرض نظرتها السلفية عليهن ، وجريمتهن في نظر المتشددين، هي استمرارهن في طريقة الملبس والمعيشة والنشاط الاجتماعي والتعليمي والتثقيفي التي شببن عليها وتعودن عليها. واذا أصرت المجموعات الشيعية على المضي في طريق الجمهورية الاسلامية وفرض هذا الأسلوب، فستكون كارثة، حيث تستبدل ايدولوجية البعث القومجية، بأيدولوجية شمولية اخرى هي الاسلاموية السلفية المتشددة.

 ينص قانون ادارة الدولة المؤقت والذي وقعته اطراف الحكومة العراقية المؤقتة وبصريح العبارة في المادة الثانية عشرة على ما يلي:

أ‌- الحريات العامة والخاصة مصانة.

ب‌- الحق بحرية التعبير مصان.

ت‌- ان الحق بحرية الاجتماع السلمي وبحرية الانتماء في جمعيات هو حق مضمون، كما ان الحق بحرية تشكيل النقابات والاحزاب والانضمام اليها وفقا للقانون، هو حق مضمون.

ث‌- للعراقي الحق بحرية التنقل في انحاء العراق كافة....الخ.

ج‌- للعراقي الحق بالتظاهر والاضراب سلميا وفقا للقانون.

ح‌- للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وممارسة شعائرها ويحرم الاكراه بشأنها.

كما تنص المادة الحادية والعشرون على مايلي:

 لا يجوز للحكومة العراقية الانتقالية او حكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات او الادارات المحلية ان تتدخل في حق الشعب العراقي في تطوير مؤسسات المجتمع المدني سواء كان ذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني او باي شكل اخر.

 وهنا وجب بناء الأسس الثقافية والتأهيلية لمنظومة حماية الأشخاص والجماعات في الوعي الجماعي والدستور لوضع ترسانة وقائية مزروعة في الثقافة العامة والحماية القانونية.... وتدشين مشروع وطني جديد على أسس جديدة تضع الأشياء بموضعها الصحيح وفق اعتبار الأهلية العلمية والثقافية والولاء للوطن وتراثه وقيمه قبل أي اعتبار أخر. والتأكيد ايضا ان المسؤولية الاخلاقية حجر زاوية للفعل الديني والسياسي في ان واحد ، الامر الذي يستلزم ادانة صمت المرجعية على الافعال التي تجبر الناس على اتباع اوامر رجال الدين وعن قتل الناس وعن انتهاك حرمات المنازل وعن ابداء الراي في تلك الجرائم التي ارتكبتها العصابات الارهابية ولازالت ، وعن اعلان بعض الاحزاب بانها تعمل تحت امرة المرجعية ( لا تملك المرجعية احزابها على الساحة ) ، وعن اساليب الابتزاز اليومية التي تقوم بها مافيات الفساد. والزام الحكومات العراقية تقديم من ساهموا بارتكاب المجازر والانتهاكات ضد حقوق الانسان الى القضاء العادل ليقول كلمته النهائية بهم وامام اهالي الضحايا الذين لهم الحق باسقاط حقهم بعد اعتراف الطرف الاخر بجريمته! والتسامح لا يمر عبر اعادة هؤلاء للعمل من اجل الاستفادة من خبراتهم ؟ ولا باعلان التوبة !ولابد من التطرق الى ثقافة الطفل في الدستور الجديد، بأعتباره عضو اساسي من اعضاء المجتمع ،وتشريع الفقرات التي تحمي الطفل ، وعدم اقحام الدين في حياة الاطفال في كل الظروف والاحوال.

 يجب أن يؤكد الدستور الجديد على فصل الدين عن الدولة واحترام التعددية السياسية والدينية والقومية والمذهبية والفكرية...الخ ،واستقلالية القضاء، وضمان حرية الصحافة،ووضع الثروات الوطنية كالنفط والكهرباء.. الخ خارج حدود امكانيات الخصخصة.... واستثناء رجال الصف الأول في الدولة، ومنتسبو الجيش والمخابرات بحمل أكثر من الجنسية العراقية ،والاشتراط أن يكون كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عراقيين بالولادة.

 يجب أن توضع للجنة التي تكتب الدستور الدائم للبلاد بتركيبتها الحالية ضوابط يتوجب مراقبتها كي تكون بعيدة عن التأثيرات السياسية التي تتعارض مع المبادئ الأساسية التي يجب أن يعتمدها الدستور وبالاخص ضمان خصوصيات المجتمع العراقي والمنظومة الأخلاقية والثقافية للمجتمع، وليس خصوصيات طيف عراقي معين.ومثلما لا يجب أن يكون لأي جهة كانت الحق بصياغة مستقبل العراق على مقاسها، فالوطن للجميع والدين لله، ولا يمكن للإنسان أن يعيق حركة التاريخ...لا فائدة من وضع الدستور الجديد أمام إستفتاء شعبي ودعوة الناس للتصويت عليه دون أن يكون المواطن العراقي قد إستوعب فعلا ماهية هذا الدستور والكلمة التي سيختارها ومدى قناعته بها... وسط سياسة الجهل والتجهيل والشعوذة وسيادة الولاءات اللاوطنية ، ولهاث هذا المواطن وراء رغيف الخبز وقطرة الماء النظيفة والدواء الضروري النادر الحصول عليه والأمان في بيته ومحل عمله وطريق ذهابه وإيابه وتلبية أبسط متطلبات الحياة الإنسانية ، بعد ان بقي حقبا طويلة من الزمن لا يفكر إلا بمثل هذه المشاكل اليومية المتكررة التي أبعدته عن الإهتمام بأفكار أخرى حتى وإن كان يرغب في ذلك ، إذ أن للضرورة أحكام موضوعية غير الاحكام المنظورة.فالعقلية الظلامية والطائفية والعشائرية شمولية الطابع صدامية المضمون تبيح استخدام القوة والارهاب لإزاحة الخصوم وصولا الى السلطة … وتنفي حق الرأي الآخر حيث تستسهل القسر والعنف وسيلة لبلوغ الأهداف في اقصر وقت افتراضي بدلا من استخدام أساليب العمل السياسي الاخرى ، وتسترخص الحوار الهادف البناء... وتحول المواطن إلى دمية يمكن شطبها من اجل أوهام جماعات حالمة نافذة وتبيح قتله من اجل أحلام رخيصة.. وتنفي ثقافة حقوق الانسان الثقافة الظلامية والطائفية غير القادرة على التحاور والقبول بالآخر والتعايش مع الرأي المغاير والتي تنفر من اللوحة الملونة " من ليس معي فهو عدوي " والتي لا تقر بحق الاختلاف ولا تعترف للإنسان بحرية ، وتهدف إلى ان يكون الجميع على صورة واحدة وبنسخة واحدة... لأنها ثقافة خائفة مرتجفة من كل تغيير.ولن تجدي مع الطائفية عواطف المجاملات السطحية وحملات العلاقات العامة، ولا الولائم المتبادلة المضحكة التي يقيمها رموز الطوائف لبعضهم بعضاً، وإنما باعتبارها قضية سياسية- اجتماعية تنتهي بانتهاء أسبابها.

 

 راجع للكاتب :

حقوق الإنسان في العراق و كردستان

http://www.rezgar.com/m.asp?i=570

 

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com