|
مقالات في الدستور
ملاحظات أولية حول كتابة الدستور الدائم
وداد فاخر / فيينا
تدور رحى مناقشات حامية بين مختلف فئات الشعب العراقي منذ بداية تشكيل لجنة آل 55 المنبثقة عن الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة لكتابة دستور دائم للعراق بعد أن عاش الشعب العراقي مدة 47 عاما تحت سلطة دساتير مؤقتة، ومراسيم جمهورية تتوافق موادها ومزاج القائد خاصة في الثلاث عقود ونصف من الحكم الدكتاتوري الفاشي، وتحت سلطة رجال القرية، وقوانين مجلس قيادتها. وتمثل هذه المناقشات الحامية مناخا صحيا لم يشهد الوطن العراقي مثيلا له حتى في فترة الحكم الملكي يوم كان هناك برلمان شكلي يكون فوزه غالبا بالتزكية، ولم يشكل طموحات الشعب العراقي الحقيقية. وقد أضيف بموجب قرارات توافقية 15 شخصا من ممثلي العرب السنة كما اصطلح على تسميتهم، ممن لم يشارك في العملية الديمقراطية بانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية والذين لا تتفق عضويتهم في اللجنة مع (قانون إدارة الدولة العراقية المؤقتة)، مع عشرة أعضاء آخرين يكونون كمستشارين خارج اللجنة. وهناك خلافات تدور داخل اللجنة حول الفقرة الرابعة من (قانون إدارة الدولة) المتعلقة بالفيدرالية وحل مشكلة مدينة كركوك، ومن جهة الموافقين على الفيدرالية فقد اختلف الطرح بين نوعين من الفيدرالية (فيدرالية الأقاليم) و (فيدرالية المحافظات). إضافة للجدل الدائر حول كون دين الدولة، أي الإسلام ومطلب البعض بكونه المصدر الوحيد للتشريع. وبتناول الحديث أولا عن موضوعة مهمة تتعلق بالتخلص نهائيا من مركزية الدولة العراقية التي أثبتت فشلها من خلال هيمنة بلدات أو قرى في العهود المتأخرة على السلطات الثلاث، وجر العراق والمنطقة لمشاكل وحروب عبثية. فالشكل الفيدرالي للعراق هو الحل الأنسب للحكم وفق قانون ينظم التشكيلات الفيدرالية للعراق الجديد وصلاحية مجالس المحافظات والمجالس البلدية. ويبرز الشكل الإقليمي للفيدرالية نفسه كحل انسب للتشكيلات الفيدرالية في العراق. لأن الحديث عن الفيدرالية يتعلق كليا مع توصيف الدولة العراقية التي يفضل أن تكون كمادة ضمن الدستور (العراق امة تتكون من قوميتين رئيسيتين العربية والكوردية وأقليات أخرى هي التركمانية والكلدو- آشور والشبك والأرمن والايزيدية ولها جميع الحقوق بالتساوي). لأن العراق نسيج متكامل لا يقبل التجزئة ضمن شراكة أبدية لجميع مكوناته، لذا لا يحق إطلاق أية تسميات خاطئة حوله.، لأن إطلاق أية تسمية كما كان في الدساتير السابقة يكون تجاوزا على شركائه الآخرين في الوطن. وأحسن وصف للنسيج العراقي هو (الأمة العراقية) لأن جميع مكوناته تعيش سوية ضمن الوطن الواحد العراق، وتتقاسم كل ما يحصل في السراء والضراء، بينما لم يقاسمه من يشترك مع أي من مكوناته القومية في اللغة طوال فتراته العصيبة أي محنة أو مشكلة مرت به. ولم يشكل الدين أي عائق في سبيل نهوض امة، أو تطوير قابلياتها العلمية، وبالتالي فحرية الدين يجب أن تكون مصونة للجميع، على أن يكون هناك نص بأن يكون الدين الإسلامي كأحد مصادر التشريع، وليس المصدر الوحيد كي لا يخل ذلك النص بالتركيبة الاجتماعية العراقية التي يتوجب أن يكون لكل منها تشريعاته التي تختص بأمور الأحوال الشخصية التي تتضمنها شريعته السماوية. ويجب أن يولي مشرع الدستور اهتماما كبيرا بشرائح مهمة وكبيرة من الشعب العراقي وسن القوانين للحفاظ على حقوقها التي تجاوزت عليها الأنظمة المتعاقبة، كالطفل والمرأة،والشباب، والشيوخ والعجزة، على أن لا تهيمن أفكار فئة على أخرى في سياق تضمين الدستور لحقوق المرأة خاصة، وبالأخص حقوقها المدنية في قانون الأحوال الشخصية الذي سيصدر مستقبلا وفق بند يشكل ركيزة أساسية لحقوق المرأة كاملة في الدستور الدائم. وهناك شريحة عراقية كبيرة وقع عليها ظلم كبير من قبل النظام الدكتاتوري، متمثلة في المهاجرين والمهجرين الذين فقد الكثير منهم ممتلكاته ومستمسكاته الثبوتية الرسمية، وحرم من رؤية أرض وطنه، لذا فعلى المشرع القانوني وضع صيغة إنسانية مقبولة لحماية حقوق أولئك المواطنين، واسترجاع كافة حقوقهم التي صادرها النظام الفاشي، تتوافق مع ما جاء في احد فقرات ديباجة قانون إدارة الدولة المؤقت التي تقول (ووضع آلية فيما تهدف إلى إزالة آثار السياسات والممارسات العنصرية والطائفية ومعالجة المشاكل المرحلية). لذا يجب التوافق بين مواد الدستور المقبل وتلك العبارة في تضمين مواده تشكيلة الشعب العراقي، ومقدار الحيف الذي وقع على فئات منه، وهو ما يستلزم توزيع عادل للثروة بين أبنائه دون استئثار جهة أو فئة على أخرى، وتطبيق حرفي لمقولة (الدستور عقد اجتماعي بين المتعاقدين). وعند الحديث عن فقرات مهمة وأساسية يجب أن لا يغفلها الدستور القادم لا يعني إننا نترك القضايا الملحة الأخرى التي تهتم بحقوق المواطنين القانونية، وشكل الهيئات البلدية والأمور المالية، والحفاظ على الثروات الطبيعية، وقوانين الجزاء والمحاكم، التي يجب أن تحفظ حقوق جميع العراقيين وتحافظ على ثرواتهم الطبيعية، وتحترم حقوق الإنسان، وتهتم بتطوير القدرات العلمية من خلال تأسيس المعاهد والجامعات والمدارس المهنية، والاهتمام بذكر فقرة يتضمنها القانون بتوفير الخدمات الصحية والوقائية، وفق قانون للضمان الصحي. وهناك خلل تشكله الفقرة " ج " من المادة 61 التي تقول (يكون الاستفتاء العام ناجحا ومسودة الدستور مصادقا عليها عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلث الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر). وبالتوقف عند هذه الفقرة تتلاشى أية ملامح للديمقراطية التي يجب أن تمثل الأكثرية، ولا يحق للأقلية أن تتحكم بها، خاصة في ظروف العراق الحالية، وبظهور خطوط سياسية دينية طائفية، إلى جانب فكر شوفيني عنصري قومي يمثله من فقدوا مصالحهم وهيمنتهم بذهاب النظام الدكتاتوري السابق، وعدم تقبلهم لأي تغيير لا يتناسب ومصالحهم الذاتية السابقة. لذا فإن الاعتماد على الفقرة السالفة الذكر يشكل خللا في التوجه الديمقراطي المستقبلي، ويكون فرصة لكل من يقف بوجه أي قانون وطني يضمن مصلحة الجميع، وخاصة القوانين الخاصة بالمراة، وتنظيم المجتمع، وحقوق الأقليات. لذلك يجب التريث طويلا قبل تضمين الدستور الجديد تلك الفقرة التي ستكون سلاحا ذو حدين، ومدخلا لحل الجمعية الوطنية التي يجري الحديث عن تحالفات في الخفاء لانتخابات بديلة تتوافق مع خارطة الطريق العراقية التي يراد بها تمرير(غاية في نفس يعقوب).
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |