مقالات في الدستور

 

 

العبرة، في احترام الدستور

 

نزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

ينشغل العراقيون حاليا، بأمر صياغة مسودة الدستور، التي من المفترض أن ترى النور منتصف آب القادم، لمناقشتها، قبل أن تعرض على الاستفتاء الشعبي العام.

صحيفة (المشاركة) البغدادية، حاورت نــــزار حيدر، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، من خلال طرح الأسئلة التالية، بشأن مسودة الدستور المرتقب، فكان الحوار التالي:

 السؤال الأول: برأيكم، ما هي الملامح الرئيسة التي ستميز الدستور العراقي المرتقب عن سواه ؟ وما تظنون موقفه من الدين ومن الفيدرالية ؟.

 الجواب: نظريا، سوف لن يختلف الدستور العراقي المرتقب كثيرا عن الدساتير العراقية التي دونت في الفترة الممتدة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، في العام 1921، ولغاية العام 1963، الذي شهد بداية التدهور الخطير بالعراق، نظاما وشعبا، بل وحتى سيادة، والذي انتهى إلى ما نراه اليوم.

 فباستثناء مبادئ الفيدرالية واللغة والرؤية الجديدة لفلسفة المواطنة، وكذلك ما يتعلق بقيادة القوات المسلحة، فان الدستور المرتقب سيكرر المبادئ التي نصت عليها أغلب الدساتير العراقية السابقة.

 إلا أن الجديد في الدستور، هو آليات تطبيقه، والقوى الاجتماعية والسياسية التي ستتحمل مسؤولية السهر على احترامه، والحيلولة دون تعرضه إلى خروقات من أي نوع، ومن قبل أية جهة كانت.

 كما أن الدستور الجديد سيختلف عن الذي سبقه، كونه أول دستور عراقي يتم اعتماده من خلال الاستفتاء الشعبي العام، وليس بإرادة ملكية مثلا، أو بقرار رئاسي، أو ما أشبه، ولذلك، فان الشعب العراقي، هذه المرة، ستكون له الكلمة الفصل في قبول أو رفض مسودة الدستور المرتقب، وأنه سيتحمل تبعات كل ما يدون في الدستور، بشكل مباشر.

 كذلك، فان الدستور الجديد سيتميز بالنص على الدور المتميز للمرأة العراقية في الحياة السياسية العامة، والتي ظلت مهمشة بدرجة كبيرة طوال العقود الماضية من الزمن.

 كما أن من المنتظر أن يتحدث الدستور المرتقب، وبشكل واضح لا لبس فيه، عن حقوق الأقليات، بمختلف أشكالها، سواء حقوقها السياسية أو الثقافية أو الدينية أو غيرها.

 كما سينص الدستور المرتقب على قيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان والمساواة والشراكة الحقيقية بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، وحرمة المواطن، وكذلك على مبدأ التداول السلمي للسلطة، وعن التعددية والسلم الأهلي والإقليمي والدولي، على اعتبار أن العراق الجديد سيكون عنصرا مساعدا على تحقيق كل ذلك، وغيرها من القيم الأساسية.

 وفي الدساتير، كل الدساتير، كما هو معروف، فان العبرة ليس في النصوص، وإنما في التطبيق، وهذا ما نتمنى أن نلمسه في نصوص الدستور الجديد، إذ يلزم أن تحتوي على كل ما من شأنه أن يصونه من التلاعب والانتهاك.

 والا، فان كل الدساتير في العالم العربي والإسلامي، مثلا، تتحدث عن حقوق المواطنة، والفصل بين السلطات، كما تؤكد على التعددية والحرية وكرامة الإنسان، إلا أن جل هذه الأنظمة التي تتشدق بنصوص دساتيرها البراقة، عمدت إلى سحق كيان الإنسان، بكل السبل والوسائل المتاحة، تحت عناوين ومسميات قوانين الطوارئ

والتحديات الكبرى، وما إلى ذلك، والتي يقررها عادة (الزعيم الأوحد) من دون العودة إلى الشعب أو نوابه، أو حتى استشارة حكومته.

 حتى قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، أتخم بالعبارات الرنانة حول حقوق الإنسان، وصك آذان المواطن بالشعارات التي يسيل لها اللعاب، إلا أننا لم نلمس شيئا من كل ذلك، لسبب أو لآخر، فيما قاربت المرحلة الانتقالية على الانتهاء.

 ما ينتظره العراقيون، هو أن يقرأوا نصوصا تمكن المواطن من ممارسة دوره في صيانة الدستور والسهر على تطبيقه، وكذلك، دوره في المشاركة والمساءلة والمحاسبة والمراقبة، من خلال شرعنة هذا الدور، حتى لا يؤخذ عليه بالقانون، إذا ما أراد يوما أن يشير إلى خرق قانوني، أو إلى تجاوز دستوري، ومن قبل أية جهة كانت.

 صحيح أن مهمة صيانة الدستور وتفسيره، تقع على عاتق المحكمة العليا، التي يجب أن تكون مستقلة عن السلطة، لتمارس دورها بكل قوة، إلا انه يبقى للشعب دور في هذا الصدد، من خلال مؤسسات المجتمع المدني، والشفافية التي يلزم أن تصطبغ بها الحياة السياسية الجديدة في العراق.

 الأمر المهم الآخر، هو أن الدستور الجديد سيدون في ظل وعي سياسي متميز، يتصف به العراقيون اليوم، بسبب التجارب المرة التي مروا بها طوال العقود الماضية، ولذلك أعتقد بان العراقيين، أحرص اليوم على الانتباه إلى كل ما سيدون، من أجل أن يأتي المولود كامل الخليقة وسليما ومعافى، وغير مشوه، ما يساهم في ولادة دستور جديد، يلبي طموح العراقيين في الحياة الكريمة، بكل أدواتها.

 أما بالنسبة إلى موقف الدستور المرتقب من الدين والفيدرالية، فأعتقد أنه سوف لا يختلف كثيرا عما ورد في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، إذ من المتوقع أن تنص مسودة الدستور على أن الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع، باعتباره دين الأغلبية الساحقة من العراقيين، وكونه الملهم لثقافة وتاريخ وقيم العراقيين على اختلاف مشاربهم، من دون أن يعني ذلك، مصادرة حقوق الأقليات الدينية، التي ستحتكم إلى ما تعتقد و تؤمن به، خاصة فيما يتعلق بالأحوال المدنية، كما كان معمول به في الفترة الزمنية المشار إليها.

 بشأن الفيدرالية، فأنا أعتقد بأنها تعتبر اليوم تحصيل حاصل في النظام السياسي العراقي الجديد.

 فبعد إقرار جل الأحزاب السياسية العراقية بها (إبان فترة النضال ضد الاستبداد والديكتاتورية) ثم ورودها في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وأخيرا النص عليها بالقرار الدولي رقم (1546) تكون الفيدرالية تحصيل حاصل، سيرد نص بشأنها في مسودة الدستور، بكل تأكيد.

 إن اختلاف وجهات النظر بشأن الفيدرالية، ليس في أصلها، وفيما إذا كانت لازمة من لزوميات النظام السياسي الإداري الجديد أم لا؟ وإنما في نوعيتها، وحدودها، ومهامها .

 فبينما يرى قوم أنها يلزم أن تكون فيدرالية إقليمية، أي أن تتشكل من أقاليم متعددة، يرى آخرون بأن من الأفضل أن تكون فيدرالية جغرافية تتمتع بها كل محافظة على حدة، إلا إذا ارتأت بعض المحافظات أن تندمج في إقليم فيدرالي واحد، كما هي رغبة الكرد مثلا، طبعا باستثناء العاصمة بغداد ومحافظة التأميم (كركوك) اللاتي اتفق العراقيون على أن لا تلحقا بأية فيدرالية، سواء تم تشكيل الفيدراليات على أساس الأقاليم، أو على الأساس الجغرافي لكل محافظة، وذلك بسبب خصوصيات كلا المحافظتين.

السؤال الثاني: هل يرى الأستاذ نزار حيدر، أن هذا الدستور سيمر بسلام من مأزق الفقرة (ج) في قانون إدارة الدولة ؟ وقبل هذا ، هل يرى أن لجنة صياغة الدستور ملزمة بهذه الفقرة ؟ .

 الجواب: إنما نص قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، على الفقرة (ج) من المادة (61)، لتوكيد مبدأ التوافق على صياغة الدستور المرتقب، من أجل ضمان أوسع موافقة شعبية عليه.

 وبالرغم من الإشكالات الكثيرة التي وردت على نص هذه الفقرة إبان تدوينها، وبالرغم من التحفظات التي سجلت عليها، حتى من قبل العديد من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي المنحل، والذي كان قد وقع أعضاؤه على القانون المذكور، إلا أن قانون إدارة الدولة، ملزم بكليته لمختلف الأطراف السياسية التي وقعت عليه، من دون أن يعني ذلك أنه سيكون السقف القانوني الذي لا يجوز لأحد تجاوزه، حال تدوين مسودة الدستور الدائم، والا انتفت عنه صفة (المؤقت) التي وصف بها حال الإعلان عنه.

 نعم، فان كل الأطراف ستسعى للتوصل إلى توافقات سياسية بشأن النصوص المختلف عليها، كمكانة الدين من التشريع وهوية العراق (الإسلامية والعربية) والصيغة المناسبة للتعبير عن ذلك، وكذلك ما يخص الفيدرالية والحريات العامة، وما إلى ذلك، ما يعني أن كل الأطراف ستسعى لأن تتوافق على مسودة الدستور المرتقب، قبل عرضه للاستفتاء الشعبي العام، لضمان عدم رده من قبل الشعب العراقي، الذي ستكون له الكلمة الفصل في قبول أو رفض الدستور، على اعتباره صاحب المصلحة الأول والأخير في كل ما سيرد فيه من مواد دستورية.

 مبدئيا، فإننا لا نشك في نوايا مختلف الأطراف العراقية التي تواصل الحوار حاليا من أجل التوصل إلى صيغ معقولة ترضي كل العراقيين، فليس بين هذه الأطراف من يبيت نوايا سيئة، لإسقاط مسودة الدستور عند عرضه للاستفتاء الشعبي العام، لأن الجميع يعرف جيدا، بأن مثل ذلك، سيعرقل تقدم العملية السياسية برمتها، وسيدخل البلاد في مأزق دستوري كبير، لا أعتقد أن من مصلحة أي طرف عراقي، أن يصل بالظروف إلى تلك المرحلة، خاصة، في مثل هذه الظروف والتحديات الكبيرة التي يمر بها العراق، وعلى رأسها تحدي العنف والإرهاب، وتدهور الظروف المعاشية والحياتية للمواطن العراقي.

 لذلك، أعتقد أن على كل طرف من الأطراف العراقية المتحاورة، أن تتنازل عن بعض امتيازاتها، خاصة تلك التي ينظر إليها وكأنها مطالب تعسفية يحاول هذا الطرف أو ذاك، استغلال الظروف الحالية، لفرضها في الدستور العراقي الجديد.

 وكلنا ثقة، من أن حكمة ووعي وحرص مختلف الأطراف، على مصلحة العراق وشعبه، ستدفعه لأن يقدم المصالح العليا للبلاد، على كل المصالح الفئوية الأخرى، وان كانت بعضها تمس في بعض الثوابت والخطوط الحمراء لهذه الشريحة أو تلك، أو هكذا يخيل له، من أجل أن نجتاز المرحلة الحالية، لننتقل إلى المرحلة السياسية الجديدة.

 وعلينا جميعا، أن نتذكر دائما، بان الدستور ليس وحيا غير قابل للتغيير والتبديل، بل انه نصوص قانونية، ستثبت الأيام ما إذا كانت تصلح للعراق أم لا ؟ وهذا يعني أن بالامكان إعادة النظر بمواد الدستور كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، كما هو شأن حتى أعرق الأنظمة الديمقراطية في العالم، والتي عمدت إلى تغيير أو إضافة مواد من أو إلى دساتيرها، كلما رأت مصلحة في ذلك.

 ولذلك، فمن المؤكد أن الدستور الجديد سينص على مادة خاصة تحدد آلية إعادة النظر في الدستور (حذفا أو إضافة) كلما اقتضت الضرورة ذلك، والتي ستناط مهمتها بالشعب العراقي حصرا، وليس بالسلطة كما هو معمول به في البلاد الاستبدادية والشمولية.

 صحيح، أن النصوص الاستراتيجية الأساسية يجب أن تكون من المتانة بحيث تلبي حاجة الشعب العراقي في الحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص، وغير ذلك من القيم الحضارية التي نصت عليها كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، إلا أن ذلك لا يعني أن كل الدستور سيكون ثابتا لا يقبل التغيير.

السؤال الثالث: البعض يرى أن الشارع السني المتخوف (بفتح الواو) من عدم تصويته لصالح الدستور، غير متفق على مرجعية محددة، يمكن أن تدعوه للمقاطعة، هل تعتقد ذلك ؟ .

 الجواب: إن شريحة السنة العرب، كأية شريحة من شرائح المجتمع العراقي، لا زالت تعيش مخاوف التهميش، بسبب الظروف القاسية التي مرت بها، منذ سقوط الصنم ولحد الآن.

 وبالرغم من أن جل هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، إذ أنها مجرد أوهام سعى المغرضون إلى النفخ فيها، لإبعاد هذه الشريحة عن العملية السياسية، تارة بالعنف والإرهاب، عندما تخندق الإرهابيون خلفهم، أو بسبب التدخل السافر لعدد من الأنظمة العربية الطائفية التي حاولت أن تصور ما يجري في العراق منذ التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الآن، وكأنه محاولات استحواذ ضحايا النظام الشمولي البائد على السلطة، مع إبعاد كامل لهذه الشريحة، عن أي دور سياسي لها.

 وللأسف الشديد، فان الكثير من أبناء هذه الشريحة، خدعوا بكلام الوسواس الخناس، ولذلك اتخذوا موقفا سلبيا من العملية السياسية الجديدة، بالرغم من كل الجهود التي بذلها الزعماء الجدد وقادة الأحزاب السياسية العراقية، وقبل كل هؤلاء، المرجعيات الدينية، من أجل طمأنتهم والسعي لإقناعهم بالمشاركة في العملية السياسية، التي تعني كل العراقيين من دون استثناء.

 إلا أن ما يبشر بخير، هو أن عقلاء هذه الشريحة بدأوا يفكرون بطريقة جديدة وصحيحة، عندما بادر بعضهم إلى إدانة كل أعمال العنف والإرهاب، داعين إلى المشاركة في العملية السياسية الجديدة من أجل مصلحة العراق وشعبه، بل ومن أجل مصلحة هذه الشريحة، على وجه التحديد.

 هذا الموقف، طبعا، لم يرق للإرهابيين وزعاماتهم، ومن يقف وراءهم من أنظمة طائفية وأجهزة استخبارات إقليمية ودولية، ولذلك هددوهم بالقتل والتصفية إذا ما شاركوا في العملية السياسية، خاصة في مشروع تدوين مسودة الدستور، إلا أننا على يقين وثقة من أنهم سوف لن يستسلموا للإرهاب هذه المرة، وسيصمدون أمام تحدي العنف، كما صمد بقية العراقيين طوال العامين الماضيين، بالرغم من كل التضحيات الجسام.

 طبعا، من الممكن أن يمارس الإرهابيون نفس السياسة ضد هذه الشريحة، فتضطرهم التحديات إلى عدم المشاركة في العملية الدستورية، سواء في مرحلة التدوين أو في مرحلة الاستفتاء، إلا أننا على يقين من أن بقية شرائح المجتمع العراقي ستضمن حقوقها، كما أنها ستعمل على ضمان حقوق كل العراقيين من دون استثناء.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان مقاطعة أية شريحة من شرائح المجتمع العراقي، للعملية السياسية، وفي أية مرحلة من مراحلها المتواصلة، ستحرمها من حق التمتع بحقوقها في المشاركة الفاعلة، والتأثير على مسار الأحداث.

 إذ أننا نعرف جيدا، بأن مراحل العملية السياسية سوف لن تتوقف إلا بعد أن تكتمل كل حلقاتها، مهما صعد الإرهابيون من أعمالهم الإجرامية، ومهما عظمت التحديات والتضحيات، فلقد بات العراق أمام مفترق طرق، فإما أن ينهض من جديد في إطار نظام سياسي جديد بكل معنى الكلمة، وهذا يتطلب أقصى درجات الصبر على التحدي إلى نهاية المشوار، أو الاستسلام للإرهاب وأهدافه، وتسليم البلاد إلى القتلة والمجرمين، ما يعني العودة بالعراق إلى عهد المقابر الجماعية وحلبجة والأنفال والحروب العبثية والتهميش، ولا أعتقد أن عاقلا يمكن أن يختار الطريق الثاني، أو يقبل لنفسه وشعبه، بأن يعود إلى الوراء.

 ولذلك فان العملية السياسية الجديدة، ستتقدم إلى الأمام، مهما كانت الظروف، يبقى أن يقرر من قاطعها أو اضطر إلى مقاطعتها في السابق، إلى الالتحاق بها قبل فوات الأوان، ليتمتع بحق المشاركة والتأثير الذي تضمنه له العملية السياسية ذاتها.

 لهذا، لا أعتقد أن العرب السنة سيتفقون (بالإجماع) على مقاطعة العملية الدستورية، ليس فقط لافتقادهم إلى المرجعية الواحدة، وإنما كذلك، لشعورهم بأهمية المشاركة، خاصة بعد أن أحسوا بالندم من عدم مشاركتهم فيما مضى، على الرغم من أنها لم تكن مقصودة بالنسبة لأغلبهم، إلا أنه كان من المفروض بهم أن يتحدوا الضغوط ويشاركوا في العملية السياسية، من أجل مصلحتهم ومصلحة العراق، فسياسة المقاطعة، وكما أثبتت الأيام والتجارب، لم تعد تجدي نفعا في التحولات التاريخية.

 لذلك اعتقد بان السنة العرب مصممون هذه المرة على المشاركة في العملية السياسية، بعد أن تأكدوا بأنها لن تتوقف لسواد عيون أحد، لأن العراق أهم من عواطف وخواطر كل الأطراف، كما أنهم شعروا بخطأ مقاطعتهم لها في الفترة الماضية إلى درجة الندامة، ولذلك ينتابني شعور بأنهم سيشتركون هذه المرة مهما كانت الظروف، والى هذا المعنى أشار رئيس الوقف السني والمتحدث باسم المؤتمر العام لأهل السنة في مؤتمره الصحفي الذي عقده في بغداد يوم الاثنين (4 تموز) الماضي بقوله:

 نحن نعلن أن هناك أناسا لا يريدون أن يشارك أبناء السنة في الانتخابات، ويفتعلون أمورا لعرقلة مشاركة أبناء السنة، كما فعلوا في الأحداث التي سبقت الانتخابات الماضية.

 وأضاف: سنصدر فتاوى من علماء أهل السنة تنص على دعوة أبناء السنة للمشاركة في الانتخابات، وسندعو الأطراف المختلفة للهدوء أيام الانتخابات، إننا مصممون على المشاركة في الانتخابات القادمة.

 وأضاف يحث العرب السنة على المشاركة في العملية السياسية، بقوله:

 أطالب السنة العرب في جميع العراق، لأن يهبوا وان يشمروا عن سواعدهم وأن ينظموا أنفسهم وأن يبثوا الوعي فيما بينهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وآمل من جميع أبناء السنة المشاركة في الانتخابات (ليبينوا حقيقة التركيبة السكانية في العراق).

 أعتقد أن على من (تخلف) عن العملية السياسية الجديدة في المرحلة السابقة، ومهما كانت الأسباب والمبررات، عليه أن يعيد النظر في موقفه، قبل فوات الأوان، وأن إعادة النظر هذه بحاجة إلى الإيمان بأمرين استراتيجيين، هما؛

 أولا: إن العراق شراكة بين جميع أبنائه، ليس لأحد فضل على الآخر، إلا بما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج، إذ ينبغي على الجميع احترامها، فهي الفيصل الوحيد في تحديد إرادة الشعب وبوصلته السياسية.

 ثانيا: لا يجوز الحنين إلى الماضي، أبدا، فالعراق يجب أن يتقدم إلى الأمام، من دون النظر إلى الخلف، إلا بما يؤمن للعراقيين، تجارب يستفاد منها في بناء الديمقراطية، والحيلولة دون عودة الاستبداد والديكتاتورية والأنظمة الشمولية.

السؤال الرابع: بدا الموقف الشيعي رافضا لفكرة الفيدرالية بعكس الموقف الكردي، مع أن البعض يرى فيها صمام أمان للوقوف بوجه نبرة الاستبداد عند البعض. فما هي حقيقة الموقف الشيعي، من هذه المسألة برأيك؟

 الجواب: أكيد، فان الفيدرالية التي تعني النظام اللامركزي، من خلال منح الأطراف صلاحيات إدارية أوسع، على حساب تمركز السلطة في المركز، هي صمام أمان للحيلولة دون عودة تجارب الأنظمة الاستبدادية الشمولية المركزية.

 أما بشأن الموقف الشيعي إزاء الفيدرالية، فلا أعتقد بأنه رافضا بالمطلق لها، إذ أن هناك انقسام في الآراء إزاءها، وان كانت الأغلبية الكبيرة من الشيعة، تميل، بل تتبنى الفيدرالية بمفهومها كنظام لا مركزي، إلا أن الاختلاف، برأيي، هو في نوعية الفيدرالية، كما ذكرت ذلك انفا.

 أما اللذين يتخذون من الفيدرالية موقفا سلبيا، فأعتقد أنهم سيغيرون وجهة نظرهم، إذا ما ناقشوا الفكرة بتأني وروية، بعيدا عن المخاوف الوهمية التي يثيرها البعض، ومن دون دليل مقنع.

 لقد دفع العراقيون ثمنا باهضا، في ظل الأنظمة الشمولية الاستبدادية المركزية، وليس من المعقول أن تتكرر التجربة مرة أخرى، كما أنه من غير المعقول أن لا يفكر العراقيون ببدائل جديدة من أنواع النظم السياسية القائمة في هذا العالم، للحيلولة دون تكرار تجارب الاستبداد.

 والفيدرالية، هي واحدة من أفضل التجارب على هذا الصعيد، والتي ساعدت شعوب كثيرة، على تجنب التورط مع الاستبداد، وبناء أنظمة ديمقراطية مستقرة.

 أما من يتصور بان الفيدرالية هي مقدمة مشروع تقسيم، فانه، برأيي، على خطأ، لأن مشاريع التقسيم، عادة، لا تعتمد على نوع النظام السياسي، وإنما تستند إلى إرادة ما، سواء كانت داخلية أو خارجية، وهو الأمر السالب بانتفاء الموضوع في الحالة العراقية.

 بل العكس هو الصحيح، فان أية مركزية جديدة في العراق، ستفضي إلى تقسيمه، أو على الأقل تهديده بذلك، لأن العراقيين لا يمكن أن يتحملوا المزيد من التهميش والتمييز والتقتيل على أساس الهوية والانتماء، وكل ذلك من مميزات الأنظمة المركزية، التي تتجبر عادة بمجرد أن تتحكم بالسلطة المركزية.

 نسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع، وان يجنب العراق والعراقيين، كل المخاطر المحدقة بهم، انه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com