مقالات في الدستور

 

 

الشريعة الإسلامية في الدستور العراقي

 

محمد الموسوي

باحث قانوني

almosawy1967@yahoo.com

 

يثير وضع الإسلام في الدستور أو موقع الدين من الدولة عموما جملة من الإشكاليات الفلسفية والواقعية التي لايمكن إغفالها البتة بسبب أنها تؤثر بشكل كبير على عقد التعايش السلمي في المجتمعات لما للدين من اثر كبير على السلوك البشري بوجه عام، وقد نتجت هذه الإشكاليات مما شاهده البشر ومنذ قرون عديدة من استبداد وعنصرية مورست بأبشع أشكالها على بني ادم مستخدمة الدين شعارا وستارا لتحقيق أهدافها المصلحية للحصول على السلطة والثروة، وهذا الاستخدام هو ما يمكن أن نسميه بأدينة المصالح.

إن هذه الادينة جعلت الناس تنفر عند بحث موضوع الدين بأي مجال من مجالات حياتها لأنها لم تحصد منه غير الاستبداد والتفرقة والجهل والتخلف مما زاد التعاطي لحل هذه الإشكاليات مشاكل كثيرة وخلط في الأوراق كبير.

ولم تقتصر أدينة المصالح على الإسلام فقط بل قد عاشت أوربا قديما تحت نير تجار الدين المسيحي الذين أحرقوا الفلاسفة والعلماء وقتلوا روّاد التغيير بحجة مخالفة تعاليم السماء وغرقت أوربا بالجهل والتفرقة والفساد والاستبداد إلى أن تمكن الفلاسفة والثوار من تحرير الدولة والمجتمع من الادينة فاستعاد الناس فيها حرياتهم وعقولهم وبدئوا بالعمل وهو عين مايريده الله من البشر وسنّة الكون التي أقرها على بني ادم وأرسل الشرائع منظمة وراشدة بعد أن جعل العقل مناط فهمها وأساس التكليف فيها ، وكذلك ما نلاحظه من بشاعة استخدام اليهودية من قبل الحركة الصهيونية التي رفعت شعار إسرائيل اليهودية التي استهوت الكثيرين ممن أصبحوا وقودا لنار هذه الحرب ( المقدسة) وقتلوا وشردوا من خلالها ملايين البشر وهم اليوم يعانون مشكلة فلسفية كبيرة حول منح الجنسية الإسرائيلية ذات الطابع اليهودي للعرب من غير اليهود من المقيمين في حدود الدولة الدينية وهو الأمر الذي نرى مستقبلا فيه من العوامل الكاشفة لزيف أدينة المصالح والذي سيحرج الإسرائيليين قبل غيرهم من أصحاب المصالح المرتبطة.

ولم يكن الإسلام بمنأى عن هذه الادينة فقد مورست بأسمه أبشع الدكتاتوريات وأفضع الجرائم بحق الإنسانية إلى الحدّ الذي وصل بتجار الدين إلى حرق الكعبة بالمنجنيق وقتل آل الرسول (ص) لضمان عدم مزاحمتهم في الاستيلاء على السلطة والثروة ولان هؤلاء العترة الطاهرة قد علموا من الدين ما يستقيم به أمر الناس وما يكون للعقل فيه من سبيل للخلاص ، وما نلاحظه اليوم من حرب على الإسلام من الغرب بسبب الادينة خير شاهد على فساد هذا المبدأ إضافة إلى حرب الادينة الخفية على الإسلام وبهذا فقد اجتمعت علينا حربان من الداخل والخارج إحداها أشرس من الأخرى لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره.

إن الادينة المتاسلمة قد استمدت قوتها من خلط الأوراق الذي مارسته لعقود طويلة من الزيف والتحريف والتوظيف الماكر للدين الإسلامي لتحقيق مآربها الدنيئة إلى الحد الذي جعل من الصعوبة بمكان فرز الغث عن السمين والصالح عن الطالح بفعل حركة كبيرة من الفتاوى والتأليف التي قادها وعاظ السلاطين وإجراء الشيطان ممن امتلكوا المعلومة الدينية حتى أصبحت بعض هذه الانحرافات من الأسس التي يرجع لها الكثيرون ويعدونها تعبدا وهو ما يبرر للبعض الآن من القتل العشوائي للامنيين من المسلمين وغيرهم والذي نعتقد صعوبة تنقيته الآن مما يخلق مشكلة عويصة أمام لجنة كتابة الدستور فيما بينها من جهة وبينها وبين المجتمع الدولي من جهة أخرى وبينها وبين الشعب العراقي المتعدد المكونات من جهة ثالثة وللخروج من هذه المشكلة نقول:

 أولا:-

 إن استخدام تعبيرات مثل (الإسلام مصدر التشريع) أو (عدم جواز إصدار تشريع يخالف الشريعة الإسلامية) لاتكون سديدة بل تثير العديد من الاعتراضات المصحوبة بتساؤلات اغلبها مشروعة مثل أي إسلام تقصدون هل هو الإسلام السلفي أو الشيعي أو السني وأي القواعد منه تطبقون وعلى من وما وضع غير المسلمين وهكذا لاتنتهي الأسئلة وكلها محقة والسبب كما قلنا هو ما عاناه الناس من الادينة للمصالح ، ثم إذا طبقنا الإسلام على الدولة هل تكون الدولة الإسلامية هي مثل الدولة الأموية أو المر وانية أو العباسية أو الصفوية أو العثمانية أو الصدامية أو الإيرانية وكلها لاتخلوا من الويلات التي لاداعي لذكرها لان الناس دفعت أعمارها ثمنا لاستبدادها ولو بنسب متفاوتة على أحسن تقدير.

ثانيا:-

 حيث أن الدين عند الله الإسلام وان جميع الأنبياء قد جاءوا بالإسلام دينا واحدا وبشرائع متعددة ختمها المصطفى(ص) وقد اتفقت جميع هذه الشرائع على كل القواعد العامة التي تبني للبشرية صرح سعادتها وأوجبت على العقل الإنساني سلوك سبل الاستنباط للتوصل إلى قواعد تؤدي إلى نفس الغرض من خلال الاسترشاد بالأسس السماوية ، عليه تكون قواعد الدين –دون أن نحصره باسم معين- والقواعد التي يستنبطها العقل لخير الإنسانية هي مصدر التشريع وبهذا نقترح أن يكون النص الدستوري في دستور العراق هو ( الدين وما يستنبطه العقل لخير الإنسانية هما مصدر التشريع ولا يجوز إصدار أي قانون يخالف القواعد العامة لهما)، وبهذا النص نحقق ما نريده دون الدخول في السجالات التي خلقتها أدينة المصالح ونضمن مجتمعا سويّا لايبيح الزنا أوالخمر أو الفساد الاجتماعي والأخلاقي وغير ذلك مما يرفضه الدين عموما والعقل أيضا.

ثالثا:-

 حيث إن القاعدة في الدين هي عدم الإكراه (لا إكراه في الدين) وحيث أن المنطق يشير إلى وجوب اعتماد العقل في ضبط الغرائز فان الحقوق الشخصية مصانة ولا يجوز المساس بها أو فرض أي نمط يتعارض مع الحرية الشخصية ضمن حدود الدين والعقل بالمعنى المشار إليه في الفقرة السابقة ، وعليه لابد من النص في الدستور على هذه الحقيقة ونقترح بشأنها النص التالي ( الحرية الشخصية مصونة ولا يجوزالتدخل بحرية العقيدة للأفراد بما لايتعارض مع قواعد الدين والعقل).

رابعا:-

 أما ما يتعلق بالعقوبات الشرعية في الشريعة الإسلامية سواء الحدية منها أو التعزيرية فنجد إن الإسلام فرض هذه العقوبات بعد أن كفل للناس جميعا مصالحهم وضمن عدم وقوع الظلم عليهم وعليه فان تطبيق العقوبات يقتضي تطبيق العدل قبل ذلك والى حين تحقق ذلك لنا عودة.

خامسا:-

 حدد الإسلام المبادي العامة التي من شانها تنظيم حياة البشر وتحقيق سعادتهم ولان الحياة في تطور مستمر والعقل في بحث دءوب لم يحدد الخالق طريقة فنية للدولة بل اشترط أن تكون عادلة في الحكم وتضمن مصالح الجميع بدون استثناء وان الذين يلزمون أنفسهم بشكل معين من الدول الإسلامية في التاريخ يكونوا قد جانبوا الحقيقة فلكل زمان دولة ورجال والدولة الصالحة هي الدولة التي تحقق سعادة الناس أما شكلها وطريقة إدارتها فمتروكة للتطور والزمن وعليه فان الفيدرالية كشكل من أشكال الدولة ونظام الحكم الديمقراطي الذي يعتمد التداول السلمي للسلطة ويعمل من خلال المؤسسات لايكون حراما ولا يوجد ما يمنع دينا وعقلا من استخدامه أو العمل به ، حيث أثبتت تجارب العقل إن الإدارة الفيدرالية هي الأنجع في طرق إدارة الدولة لأنها تضمن توزيع السلطة والثروة بشكل عادل أما نظام الحكم سواء الرئاسي أو البرلماني خير من أنظمة الاستبداد المتادينة أو المتعولمة،عليه لابد أن ينص الدستور العراقي على هذه الطريقة في شكل الدولة وشكل النظام السياسي وان لايستمع ممثلي الشعب إلى صيحات الاستبداد الرافضة للفيدرالية لأنها تخفي ورائها ما خلّفته نظريات أدينة المصالح.

سادسا:-

 فيما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية فلا اعتقد أنها تثير مشكلة إذا ما نظمت القوانين هذه العملية فالمسلمين لهم قواعدهم والآخرين لهم قواعدهم أيضا ولا نجد ضيرا من أن تنظم قوانين الأحوال الشخصية كل هذه الأمور بشكل مستقل وتترك للفرد حرية الخضوع لأي من الأحكام التي تنسجم مع عقائده فلا إكراه في الدين ومن باب أولى لا إكراه بمثل هذه المواضيع إلا إذا نصبّنا أنفسنا نوابا عن الله في الدنيا ومن يمتلك السلطة هو صاحب الحق المطلق.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com