|
مقالات في الدستور
دستور علماني: درع للدين والفرد والمجتمع علي بداي
مع تطلع العراقيين لرؤية دستورهم الذي يتناسب مع ماقدموه من تضحيات ويتوج سلسلة الحضارات المتعاقبة التي ابدعها اسلافهم منذ اكثر من ستة الاف عام ، تنشط قوى، وافراد ومؤسسات لاتطيق العيش الا في عتمة الماضي من الزمان متغذية على اساطيرة، خالطة الاوهام بالحقائق، لتربط عنق انساننا الى عنق ناقته، وتسمر قدمية الى وتد الخيمة في عمق الصحراء باعتبارها قدره ومصدر تميزه، قالبةجلد تاريخنا جاهدة لترقيع ما اهترى منه ساعيةلاضفاء صفة القدسية عليه. وفي الغالب الاعم تستند هذه الطروحات المتخلفة الى بقايا افكار ونظريات زرعت في خفايا العقل العربي الاسلامي تزعم ان العلمانية وفصل الدين عن الدولة ماهو الا عمل موجه ضد القيم والاخلاق فالعلمانية كفر والحاد وتهتك وابتذال ومجون واباحية وفسق ومروق وماالى ذلك مما تكتض به لغة المتخلفين حين يتصدون لمناقشة قضية ما. وفي خضم الفوضى التي تثيرها هذه الجماعات ، والتجاءها المتكرر للتخويف الديني والترهيب من جهنم التي ستفتح ابوابها للعلمانيين، تتجاهل هذه الجماعات المنطق, كعادتها وتنحو نحوا ساذجا، فتفتح اوراق خطابها الوعظي المفتقر لاي محتوى واقعي وتسال باستغراب :"لماذا التخوف من الاسلام وهو خاتم الاديان، لماذا التخوف من المرجعية الرشيدة ايها العلمانيون ومرجعيتنا لاتريد "ولاية الفقيه" بل "ولاية الامة عن نفسها"؟ لقد بعث الله رسوله هاديا ومبشرا ونذيرا وكان على خلق عظيم فلماذا يخشى العلمانيون حكم سلالة الرسول؟لماذا نرفض الاسلام الذي يمنح المرء اكثر مما ياخذ من لائحة حقوق الانسان ولماذا يركض البعض وراء العلمانية التي سوف لن نجني منها سوى التهتك والخلاعة والمجون؟" ان هذا الخلط، واقحام المقدس، الذي ينبغي ان يظل بعيدا عن الالاعيب، في اليومي المستند اصلا الى الاعيب التوازن والمصالح يضر قبل كل شئ بالدين نفسه ويضبب الصورة امام الفرد الذي يتوجب ان لايقاد ثانية الى استبداد باسم اخر، مهما كلف الثمن. فالمسالة لايمكن ان تحل بحسن نوايا البعض من الاسلاميين بل باختصار هو اختيار بين احترام العقل البشري واختياراته او مصادرة هذا العقل نهائيا لمصلحة المفسرين ونواب اللة على الارض الذين يطلقون النار على العلمانية قبل ان يعرفونها ويقتربوا منها ويفهمونها كما هي عليه لا كما يريدون ان يفهموها. هذه القوى، والافراد والمؤسسات لاتسمح لاحد باثارة اسئلة من قبيل: من صنع هذه الحضارة التي تجاوزتنا بقرون والتي ندور جميعا في فلكها؟ وكيف يغزو الانسان المتهتك الغارق باللهو والفسق والمجون الفضاء الخارجي؟وكيف يتسنى للامم العلمانية المتهتكة ان تصمم اخر برامج الكومبيوتر التي تبث الصور من المريخ الى ارضنا المبتلاة بالمتخلفين ؟ ولم تحل مشاكل الاسكان والصحة والتعليم في تلك الديار الفاسقة ونظل نحن ندور من مجلس قيادة ثورة الى اخر ومن مهيب ركن الى ملك معظم ومن حرب لاخرى ومن كارثة لثانية؟ ان امما غارقة لاذنيها بالفجور، ترقص حتى الصباح وتنعم بالليال الملاح ( كما كان عليه قادتنا خلفا ء العرب الامويين والعباسيين) لايمكن لها ان تبني حضارة تقوم بالاساس على عمل كل فرد بالغ ، ففي اوربا واليابان واميركا ينصرف الرجل والمراة كلاهما بجل وقتهما الى العمل لذاتهما وللمجتمع ، وفي الكثير من هذة الامم يكتسب العمل ابعادا اعمق من ماهو مالوف لدينا اذ يتجاوز هدف توفير الاحتياجات الحياتية وينطلق باتجاة البحث عن "تحديات" تشعر الفرد بقدرته على تجاوزها وتثير في اعماقة "متعة الانجاز" و"التغلب على المشاكل" . كما يحضى الوقت واستثمارة والتحكم به اهتماما لاتعرفة مجتمعاتنا ذات"الخصوصية المقدسة"التي تهدر من الوقت بقدر ما تهدر من الجهد والدم لمحاربة طواحين دون كيشوت التي تحاول تدمير "مقدساتنا وعروبتنا". وفي واحدة من هذه العلمانيات الصغيرة كهولندا التي لايتجاوز سكانها ال 15 مليون انسان والتي تسهم ب4% من اجمالي الانتاج العالمي، يحمي الدستور العلماني فيها المتدينين بتوفير حرية العبادة لكل مؤمن ويمنع تدخل الدولة في الدين باعتبار الدين اختيارا فرديا مقدسا للمرء، كما تمنع الدولة العلمانية اية فئة دينية من اضطهاد اية فئة دينية اخرى مهما كانت. وكنتاج للحرية الممنوحة للدين والفرد معا وتحرير الفرد من كل اشكال الضغط بغية اختيار دين او معتقد معين، تجد ان من يتبع ديانة معينة هناك، يتبعها بفهم واخلاص وعمق وبقناعة بعيدة عن الخوف من سطوة مرجعية او ارتجافا من عاقبة فتاوى قرضاوي او غنوشى او ماشابههما. لذا فان من اكثر انواع الكذب انحطاطا هو الافتراء الذي يلصق بالاوربيين العلمانيين سمة "كراهية" الاسلام والمسلمين، هو كذب قبل كل شئ لان كونك مسلما اوغير مسلم لايدخل في اولوليات الاوربي الذي يقيم الانسان بما ملك من انسانية، في حين ان الدين بالنسبة له علاقة شخصية للكائن بخالقة بل وابعد من ذلك تعامل المؤسسات العلمانية المسلم باحترام حتى وهو في اضعف حالاتة قانونيا كحالة طالب اللجوء السياسي الذي لفضتة دولتة وحكومتة "المسلمة" ورفضت اعتباره انسانا، حيث تراعى خصوصيات المسلم في عدم الاكل و طقوس شهر رمضان. وفي ارجاء الارض كلها ومن بينها ارضنا المسلمة، الفقيرة، الجائعة ينخرط الاف الاوربيين المسيحيين باعمال تطوعية انسانية في اماكن تغص بالمخاطر لالنشر ديانتهم المسيحية والتبشير بها كما علمتهم دولهم الدينية في القرون الوسطى بل من منطلق انساني كما علمتهم دولهم العلمانية الحديثة. والطفل في الدولة العلمانية الحديثة يتربى منذ الصغر على اجمل الصفات فيتجنب الكذب والغش ويتربى على احترام خلق الخالق حيث من المعيب التهكم على عاهة انسان لانه اعرج او مشوه او بدين فيما تغص شاشات تلفزيوناتنا الاسلامية بقصار القامة والاقزام المستخدمين لاضحاك المشاهدين مدفوعين بسخرية المجتمع وتربيته اللاانسانية لعرض قصورهم الجسدي الذي لاذنب لهم به وسيلة لكسب العيش والشهرة المريضة . ان الدولة العلمانية تفتح امام العقل البشري حرية الاختيار، وتمهد الطريق للراغبين بمعرفة الله والاقتراب منه دون خوف او تهديد، وهي بتوفيرها اساسات الحياة لابناءها انما تقف بموقع اقرب الى الرسالات السماوية من الدولة الدينية التي عبرت ممرات التاريخ خائضة بدماء ملايين البشر زورا باسم الله !
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |