مقالات في الدستور

 

 

قراءة أولية في مسودة الدستور العراقي

محسن صابط الجيلاوي

Mohsen_khashan@hotmail.com

نشرت الصحف والمواقع الالكتورنية النص المقترح لمشروح الدستور الدائم والذي سيطرح لاحقا للمناقشة، ولحد هذه اللحظة لا أستطيع أن اصدق أن هذا الضجيج الذي ساد جلسات الجمعية الوطنية وسائر الحياة السياسية في البلاد، وبعد أن تصدى أكثر من 70 شخصية مع باقي أعضاء الجمعية الوطنية لكتابة هذه المسودة، والنتيجة هذه الخلاصة البائسة حقا والتي تشير إلى واقع وشكل العراق الجديد في ظل سلطة ( التدين ) مهما حاول هؤلاء ان يقدموا من أداء إعلامي يدعي الديمقراطية والحرية..لقد قلنا مراراً ان ما يجري على الأرض يؤشر إلى مشروع متكامل يأخذ التوازنات وسائر العوامل الداخلية والخارجية بنظر الاعتبار معولاً على تكتيك ذكي يراد به تحقيق ذلك عبر تدرج مدروس ، فعلى الأرض ضبطوا شكل وإيقاع الحياة على مقاساتهم واليوم يزحفون إلى الأهم وهو الدولة وشكل نظامها السياسي عبر دستور يتيح لهم تفسيره باتجاه بناء سلطتهم المطلقة..هذا المشروع لا يمكن ان يقرأ دون ان نتلمس ذلك الأفق الذي يراد به لي المجتمع وفق إرادة واضعي المشروع...

ملاحظات

الباب الأول:-

- م 1- الجمهورية العراقية ( الإسلامية الاتحادية ).....، ذكر إسلامية يعني وضع العراق على طريق إيران، هذه التسمية فقط يجب أن تثير فزع الجميع على مستقبل العراق وما يُخطط له لاحقا...

- م 2- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الأساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها ويصون هذا الدستور الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي ( بأكثريته الشيعية وسنته) ويحترم حقوق الديانات الأخرى.)

 تعتبر هذه المادة أخطر ما جاء في هذه المسودة السيئة حقا فبدلا من كون الإسلام أحد مصادر التشريع استعيض عنها مصدر أساسي وهذا ما يتيح للإسلام السياسي أن يحطم بلدا كاملا ويفتح الأبواب كاملة أمام قرار137 السيئ الصيت وسيضع قوانين البلد برمتها أمام سندان المشرع الإسلامي في كافة الحقوق المدنية من ارث وزواج وطلاق وحقوق المرأة وكذلك الموقف من الثقافة والفنون وسائر الحياة الإبداعية، ويهدد كامل التنوع العراقي المعروف، ولا أعرف مَنْ يحدد ثوابت المجتمع ووفق أي مدرسة دينية تصاغ هذه الثوابت ؟ وما الذي يهدد الهوية الإسلامية ؟ وما الهدف من إضافة ( شيعته وسنته ) غير تلك الطائفية البغيضة، ؟! ان سائر ما جاء في هذه المادة خرابي حقا ويشكل وضعها بهذا الشكل خطرا أمام حاضر العراق ومستقبله، وبتثبيت هذه المادة يعني لا فصل للدين عن الدولة ولا مستقبل لدولة علمانية، ولا لدولة يتساوى فيها الناس بكافة مذاهبهم ومعتقداتهم...ان هذه الفقرة هي لب الدستور وما عداها تفاصيل حتى الايجابي فيها سيداس أمام براعة تشريع ومفاهيم سلطة الإسلام السياسي القادم...! الأدهى ان احدى عضوات الجمعية الوطنية في مقابلة تلفزيونية تعتقد أن هذه المادة ستتغير بحيث يصبح النص كالتالي ( الإسلام دين الدولة الرسمي، والقرآن هو المصدر الأساسي للتشريع...) وبعدها كما يبدو سيشرح حقوقنا عمار الحكيم أو مقتدى الصدر أو عضوات الجمعية الوطنية اللواتي في ألفية جديدة يستغربن من فكرة المساواة بين المرأة والرجل...أي كارثة تحيق بهذا البلد القائم على حضارة تمتد 5000 الآلاف سنه ؟ هل علينا أن ننسى ذلك...؟؟

- م 3- يتكون الشعب العراقي من قوميتين.....الخ ) تم تعداد جميع القوميات دون ذكر الأرمن رغم أنهم يشكلون أقلية مهمة في العراق...! كما لا يوجد هنا أي تأكيد على الوطنية العراقية عبر إعادة بعث هوية العراق عبر أمّة عراقية يتمازج ويُغنى بها تنوع العراق القومي والديني والمذهبي والطائفي وبهذا تصبح المواطنة هي الأساس والمعيار للحقوق والواجبات وبالتالي إبعاد العراق وتنوعه عن وهم فائدة الارتباط الخارجي وذلك الجدل ( القومجي ) بشعارية الأمم- المشكوك في وجودها علميا وعمليا- كأمة عربية أو كردية أو غيرها، نحن بحاجة إلى أمة عراقية متماسكة تؤمن وتُشرع التساوي في المواطنة عبر ديمقراطية سياسية ذلك باعتقادي هو الحل الوحيد والأمثل لمشاكل العراق المستعصية منذ أمد طويل...

- م 9- ( الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على طابعها العراقي الأصيل القائم على المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية والوطنية...)

لا أعرف لماذا لا يكون الفرد أساس المجتمع لزيادة حقوق هذا الفرد في فضاء الأسرة والمجتمع ككل وكحالة شاملة...؟ كما ان عبارة المبادئ والقيم الدينية تتيح تفسيرات مختلفة، هل المبادئ والقيم الدينية هي متساوية في الفهم والتصور لدى جماعة الصدر أو الدعوة أو السستاني أو الحزب الشيوعي، أم أن ذلك سيفصله عمائم بالنيابة عن الأمة ؟؟!!

- م 13- ( تلتزم الدولة العراقية بالمعاهدات الدولية بما يتعارض مع أحكام الدستور ) هذه العبارة تتيح لأي سلطة تفسير القوانين الدولية التي تكرس الحقوق المدينة وحقوق الإنسان والمرأة والطفل ومئات من القوانين الدولية التي هي نتاج جماعي للعقل البشري بطريقة اختزالية ويجعل من إمكانية التنصل من هذه القوانين أمرا واردا خصوصا ان الكثير من هذه القوانين لا يؤمن بها الإسلام السياسي...

- م 14 - لم توضح إذا ما كان هناك حق لإفراد القوات المسلحة في التصويت..؟

- م 15- ( للمرجعية الدينية استقلاليتها ومقامها الإرشادي....الخ)، هذا يعنى به بشكل واضح المرجعية الشيعية، لماذا يُعطى لهذه المرجعية مكانة أعلى من مرجعيات دينية أخرى..؟ وهي متعددة في بلد متعدد المذاهب والديانات، وما علاقة دستور الدولة بتضخيم مكانتها...؟هل المرجعية هي التي ستحدد شكل حياتنا لاحقا...؟ هذه العبارة زائدة بكل المقاييس..

 

- الباب الثاني:-

- م4 –( الجنسية العراقية حق ح لكل عراقي لا يجوز إسقاطها عنه لأي سبب من الأسباب وهي أساس مواطنته ومصدر حقوقه وواجباته وله حق طلب استعادتها إذا أسقطت عنه ويجوز تعدد الجنسية ) الجملة ملتبسة ومتناقضة فإذا كانت الجنسية حق لا يجوز إسقاطها لماذا في نفس النص ( طلب استعادتها إذا اسقطت عنه ) هذا الباب يتيح تفسيرات وتاويلات ذات أوجه مختلفة في موضوع خطير مثل حق المواطنة...!! كذلك لم يتم تحديد الفترة الزمنية لمنح الجنسية لمن يعيش على ارض العراق ويرغب بذلك..؟!

 - م 6-( تكفل الدولة الحقوق الأساسية للمرأة ومساواتها مع الرجل في الميادين طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية....الخ) هذه المادة هي الأخطر فيما يتعلق بالحريات العامة، كونها ستضع حقوق المرأة وفق تفسيرات دينية مختلفة وستضع مكانة المرأة في خطر حقيقي، ان عقدة العمائم هي المرأة ومن خلال نجاحهم في تشريع ذلك سيتاح لهم الدوس على سائر الحريات والحقوق للرجال والنساء معا...وجود هذه الفقرة يعني عودة الأخذ بالقرار 137 عمليا..!!

- م 11- ( يحق لكل فرد التعبير عن الرأي بكل الوسائل التي يكفلها القانون على ان لا يخل بالنظام العام والآداب ) لا أعرف ما هي الوسائل وما هو سقف الآداب في التعبير عن الرأي..؟ التأويل الديني للآداب يعني الدخول في أدق التفاصيل مثل الحجاب وشكل الملابس وسماع الموسيقى والذهاب إلى السينما أو الحانة والموقف من المسرح..الخ، إن تكرار كلمة آداب في أي موضوع يتعلق بحرية الناس هو مرادف لتقنينها وتدجينها في نهاية المطاف بحيث تصبح وفق مقاس المشرع الإسلامي حيث مصدر التشريع هو الإسلام لا غيره...!

الباب الثالث:-

- م 3- لا أعرف كيف تتم العملية الانتخابية لاختيار الجمعية الوطنية، وكيف تم حساب 100 ألف لكل مقعد، وهل ستسمر العملية الانتخابية وفق الدائرة الواحدة التي أثبتت الحياة عدم صحتها بالنسبة لواقع العراق فقد غبنت وغيبت محافظات كاملة عن دائرة القرار وفق قوائم الأحزاب التي تخضع لاعتبارات مناطقية وخاصة في تمثيل يتناسب وعدد سكانها...؟!

م4 – يشترط في من يرشح لعضوية الجمعية الوطنية ما يأتي:-

أ‌- ان يكون عراقيا من ابوين عراقيين بالولادة

ب‌- ان لا يقل عمره عن 30 سنة

لا أعرف لماذا يُشترط من أبوين عراقيين بالولادة؟ فهناك مئات الآلاف العراقيين المرتبطين بزيجات عربية وأجنبية سواء كانوا رجال أم نساء لا أعرف سبب حرمان أبنائهم من حق ممارسة العمل السياسي...؟ كذلك هذه الفقرة تنتقص من المساواة بين المواطنين العراقيين وعدم التمييز بينهم..ذلك شرط ينم على تخلف وضيق أفق كاتبي هذا المشروع، الشيء الآخر تحديد العمر بـ 30 سنه يعني حرمان الشبيبة العراقية من 18-30 سنة من حقها في عملية البناء وهذه الشريحة الشبابية هي المهمة والنشطة اليوم في الحياة السياسية ويبنى عليها مستقبل الحداثة والتقدم والبناء في العراق، ان هذا الشرط يعني عدم الثقة بأكثر من جيل خارج توا إلى الحياة والعمل، وبالتأكيد إصرار المتدينين على ذلك بكون هذا القطاع العمري وبكثير من الدلائل غير موال لسياستهم ونهجهم الفكري وهذا ما شهدناه في أحداث جامعة البصرة وغيرها من ألاماكن حيث كان الشباب عرضة للابتزاز والقهر من عصابات الإسلام السياسي...

- في مجال حقوق وواجبات عضو الجمعية الوطنية لا توجد فقرة تتعلق بالعضو الذي يتغيب باستمرار وهذا ما نشاهده الآن فقادة الأحزاب لا يحترمون هذه الجمعية ولا يحضروا جلساتها إلا في المناسبات البروتوكولية...

الباب الرابع:-

لم توضح هذه المادة كيفية إجراء الانتخابات في الإقليم وهل تترافق مع الانتخابات العامة ؟ولا أعرف لماذا يحدد عمر رئيس بـ 40 عاما ؟ في حين لم أجد تحديد لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء ؟كما لا يوجد ذكر لوجود جيش أو شرطة فدرالية في الإقليم ؟ عكسها تتحول الدولة إلى( دولة بطيخ) لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام حتى عصابات التهريب...!

الباب الخامس:-

حول المحكمة الدستورية تتكون من أربعة أعضاء من فقهاء الشريعة وأساتذة قانون، لا أعرف ما المقصود بفقهاء الشريعة ؟

 

هذه جملة من الملاحظات الأولية يضاف لها تلك الركاكة في الصياغات وجملة من المتناقضات في كامل المسودة، إنها مسودة حمالة أوجه سيستفيد منها بشكل كبير الإسلام السياسي، كذلك من الضروري الضغط لكشف محاضر وجلسات و نقاشات اللجنة الدستورية لكي يتسنى للمواطن العراقي معرفة وجهات النظر المختلفة وراء كل بند في هذا المشروع الخائب وبالتالي نستطيع معرفة الأفق الذي يطمح له واضعي هذا المشروع...كما أن الفكرة التي مفادها ان إقليم كوردستان سيكتب دستور خاص به تبدو لي مساومة مع الأكراد لغض الطرف طالما أن حقوقهم بدستور خاص والموارد سَيحُفظ ،وما عداه شأن جنوبي خاص ...!تلك هي وجهة نظري أتمنى أن أكون مخطئا...! كما ان كل إقليم في الاتحاد الفدرالي في حال كتابة دستور خاص به هل سيكون بالضرورة دستور ديمقراطي، أم انه سيخضع للحالة السياسة هنا أو هناك، ؟ التاريخ قدم لنا نماذج غير ديمقراطية للفدرالية أو الاتحاد كما في الاتحاد السوفيتي السابق وفي روسيا حاليا وفي الاتحاد اليوغسلافي سابقا ، يبدو أننا سنغم فدراليات لا ديمقراطية فيها وبهذا سنتجاوز مشكلة العراق السياسية المستعصية ألا وهي ضرورة وجود ديمقراطية سياسية حقيقة، والتي يبدو- وفق هذا المشروع- أنها شان بعيد المنال وبهذا ستستمر دورة المشاكل والصراعات إلى نهاية ليست بالقريبة أبدا...!

المطلوب من كل القوى الحية في المجتمع ومن كل القوى التي يهمها مستقبل العراق وبالاعتماد على القوى الديمقراطية والخيرة في هذا العالم ان تقف بالضد من هذا المشروع..إن تمرير دستور بهذا الشكل يعني ان القادم أسوء، في الأفق سلطة دينية قوامها فتاوى وعصي وعودة لسلطة الحريم وتجريم الآخر...!

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com