مقالات في الدستور

 

الدستور العراقي ..وطني أم طائفي ؟؟ القسم الأول

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktob.com

شرعت الكثير من الدساتير للعراق منذ بداية الحكم الوطني ، منها الدائم ومنها المؤقت ، كان أولها دستور 1924، وآخرها مسودة ما هو بين أيدينا ، الذي ساهمت في صياغته لجنة مختلطة ، غالبية أعضائها من الجمعية الوطنية والبعض الآخر من خارجها ، وكانت أكثرية التشكيلة المقررة للصياغة هي من التحالف القومي الكوردي والإسلامي ـ الطائفي ، الذي يقود السلطة السياسية ، وهذا ما طبع مسودة الدستور بوجهة نظر هذه التشكيلة ، على الرغم من معارضة بعض المساهمين في الصياغة للكثير من هذه المواد وخصوصا المبادئ الأساسية لهذه المسودة ، وكان بودنا لو أرفق نشر هذه المسودة بملاحظات المعترضين وانتماءاتهم القومية والدينية والطائفية والفكرية والسياسية ، ليطلع الشعب العراقي على وجهات نظر كل من ساهم في مناقشة وصياغة هذه المسودة المهمة ، باعتبارها الوثيقة الأساسية والأهم المنظمة للحياة المدنية والمستقبلية للشعب ، وبمقدار ما تتماشى مع تطور العصر والتقدم العلمي ، وما تتضمنه هذه الوثيقة من حقوق لكل مكونات الشعب العراقي ، تضمن استقرار وتقدم المجتمع العراقي ورفاهيته ، وبعكسه تسود حالة قلق وعدم استقرر تدمره وتعيق تطوره وتقدمه وتؤثر على بنيانه ونسيجه الاجتماعي ، وبالتالي تؤدي إلى انتكاسات خطرة تجعله فريسة سهلة للطامعين ، وما أكثرهم في ظرفنا الراهن ، نتيجة لامتدادات التنوع الطائفي والقومي الذي يتسم به المجتمع العراقي،والذي تحاول أن تستغله لصالحها بعض الدول المجاورة ، حتى وإن كانت فيه المصائب لشعبنا .
إن ابتداء مقدمة الدستور بعبارة \" نحن ممثلي شعب العراق بإرادة الله ورغبة الشعب الحرة ... لتحقيق الأهداف الآتية إقامة العدل على أسس راسخة لضمان حق كل إنسان ومواطن ... \" وحتى نهاية الديباجة ، تضفي طابعا إلهيا على هؤلاء الممثلين ، وهذا ما يكرس المرجعية الإلهية للسلطة وليس مرجعية الشعب ، التي له ومن أجله تشرع الدساتير والقوانين وأنظمة الحكم ، ومن هذه العبارة يفهم ، أيضا ، أن المجتمعين يعملون على تأسيس نظام حكم إسلامي ـ طائفي ، وهذا ما يخالف وجهة النظر، المعلنة ، التي تستبعد إقحام الدين في السياسة ، ليس للقوى الكوردستانية الشريك في الحكم ، بل حتى لليبراليين من ضمن قائمة الائتلاف الطائفي التي تعارض زج الدين في السياسة ، كما يفهم كذلك أن المجتمعين قد صاغوا محتويات مسودة الدستور وفق رأي الأكثرية الطائفية ، وليس وفق القواسم الوطنية المشتركة ، كما أشاعوا قبل البدء بالصياغة ، وعبارة \" حق كل إنسان ومواطن \" المصاغة بصيغة المذكر تعني تجاهل المرأة واعتبارها كما\" مهملا لا حقوق لها ، وإلا لم الصياغة بصيغة المذكر دون أن ينص كذلك على \" حق كل مواطن و مواطنة \" إن تجاوزنا لفظة الإنسان واعتبرناه مجازا يشمل المرأة الإنسان على هذا الحق .
هذه المسودة ُتشَرع ، كما أعلنت الجمعية الوطنية ، تنفيذا لقانون إدارة الدولة الذي يتضمن المبادئ الديموقراطية لشكل نظام الحكم ، وقد نصت المادة الأولى من مسودة الدستور : \" الجمهورية العراقية ( الإسلامية الاتحادية ) دولة مستقلة ذات سيادة ، نظام الحكم فيها جمهوري ديموقراطي اتحادي ( فيدرالي ) \". فهذه المادة تحمل التناقض بين ثناياها ، فإن كانت ديموقراطية فلن تكون إسلامية ، وإن كانت إسلامية فهي غير ديموقراطية بالمرة ، فمبادئ الإسلام لا تقر ولا تعترف بالديموقراطية ، كما أن كل المفاهيم الديموقراطية في العالم لا تتبنى صيغا دينية للحكم ، بل تعتبرها مناقضة لكل أشكال الديموقراطية ، التي هي علمانية في واقعها ولا تقر الدين اسلوبا من أساليب الحكم ، ثم حصر (الإسلامية الإتحادية ) بين قوسين تعني فيما تعنيه أنها البديل لعبارة ( جمهوري ديمقراطي اتحادي ( فيدرالي ) ، كان المفروض بلجنة الصياغة أن تكون أكثر شجاعة وتفصح وألا تتردد فيما تريد أن تثبته منعا للالتباس .
المادة الثانية : \" الإسلام دين الدولة الرسمي ، وهو المصدر الأساسي للتشريع ، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه (ثوابته المجمع عليها ) ويصون هذا الدستور الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي ( بأكثريته الشيعية وسنته ) ويحترم جميع حقوق الديانات ألأخرى . \" هل بعد هذا القول يمكن الحديث عن حقوق قومية وديموقراطية للفرد أو للمجتمع ؟ كان المفروض بعد هذه المادة أن يقفل باب الخطاب وتتم صياغة مواد الدستور وفق حكم القرآن وما يقرر ، فكل ما هو قادم معلوم ومعروف أهونه قطع الرقاب ، والعودة بنا إلى عهود ما طبق فيها الإسلام من بعد النبي محمد ، فكل من جاء بعده من الخلفاء طبقه وفق رؤيته وفهمه للدين ، حتى وإن تعارض مع النص الصريح للآيات القرآنية ، وهذا ما تسبب في الويلات التي لا زال البعض يجترها وينوح لها ، ولا أعتقد أن علماء الدين ، من شيعة وسنة يجهلون هذا ، فكيف بمن جاء للحكم بعد عشرات القرون وقد امتلأت صحفهم بكل حق وباطل ، مغاير ومخالف ، لما يدعيه أطراف آخرون وليس طرفا واحدا ؟ فالشيعة فرق وطوائف والسنة والسلفية والوهابية مثلهم ، وكلهم يختلفون فيما بينهم على الحكم الواحد ، والبعض يكفر البعض منهم ، فأي طائفة لها القول الفصل والحكم الصحيح في الإسلام ؟ اختلفت طوائفهم منذ 1400 عام فهل هم قادرون على التوحد الآن ؟ إذن ليتوحدوا أولا وليتحدثوا باسم الإسلام ثانيا ، ومن لم يصدق ما أقول فليرجع إلى كتاب \" الملل والنحل ،للشهرستاني \" وسيرى العجب العجاب من الفرق والطوائف الإسلامية وكلها تقول بالشهادة وكلها تؤمن بالقرآن وما حوى ، وكلها تقاتل بعضها وتنكر عليها إيمانها ، فهل أصحابنا غير هؤلاء ؟ ومسودة الدستور وما تحدثوا به في المادة الثانية ، عن الشعب وهويته الإسلامية و\" .. أكثريتة الشيعية وسنته ..\" لا ينازعهم فيها منازع ، وما ذكر هذه العبارة إلا من باب الغلو في الطائفية والتبجح بها ، فهم ( الطائفيون ) غير مصدقين أنهم أغلبية الشعب دون يثبتوا في الدستور أن الشيعة هم أكثرية الشعب ، وهذا لعمري هو العجب العجاب ، نحن الآن في عصر لا يحترم فيه الإنسان إلا لإنسانيته وقدرته على خدمة المجتمع الذي هو فيه ، وما يقدمه للبشرية من جهد لتحقيق المحبة والتآخي بين الشعوب والقوميات ، وليس على إيمانه بهذا الدين أو المذهب الذي يزرع الموت والدمار لكل كائن حي ، ونحن العراقيين نحصد منه يوميا بالعشرات . \\ فعرب وين وطنبورة الطائفية وين \\.(مع الاعتذار لطنبورة لاقحامها في أمر ليس من شأنها ).
ففي الفهم المغاير لمنطوق هذه المادة ـ المادة الثانية ـ لا يحق لغير المسلم ، مواطن أو مواطنة ، تولي أي حق من الحقوق التي نص عليها الإسلام للمسلم ، لأن الحقوق هنا بنيت على أساس الإسلام الطائفي وليست على أساس المواطنة ، وهذا ما يؤسس عليه الواقع العراقي حاليا ، وبناء على هذا يبقى المواطن غير المسلم ناقص الحقوق ، وهذا ما يتنافى مع المبادئ الديموقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص في التعليم وتسلق الوظائف العمومية والتمتع بخيرات البلد ، وكل ما أقرته مبادئ الأمم المتحدة وشرعتها ومواثيقها ومعاهداتها التي أقرت بحقوق الإنسان وكفلت مساواته مع غيره من البشر ، بعيدا عن المعتقد والفكر والدين والقومية والجنس ، والتي وقعها العراق باعتباره عضو مؤسس لهذه المنظمة ، وما يصرح به منطوق المادة الثالثة من أن قوميات ومذاهب وطوائف الشعب العراقي \"... يتساوون كلهم في حقوق وواجبات المواطنة \" يتناقض كليا مع المادة الثانية ، التي أوجبت أن يكون الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع ، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه ، فالمسلم هو فقط من يتمتع بهذه الحقوق ، وهذا ما يشطب على كل حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة ومواثيقها إن لم تكن منسجمة مع الإسلام ، إذن أين المساواة بين المواطنين المختلفين في العقيدة أو الدين ، وما هو الحكم لمن لا يؤمن بدين ما ؟ وهم كثر في ظرفنا الراهن ! وما هو موقف العراق من المعاهدات والمواثيق التي وقعها مع الأمم المتحدة والملزم بتنفيذها ؟ وهل ما تنص عليه المادة الثانية بكل قيودها سيجعل منا سرب غربان ينعق في صحراء قاحلة ، أم شركاء للإنسانية في واحة التقدم والتطور..؟!
مسودة الدستور في المادة الثالثة ، تعرضت لذكر القوميات ، وأغفلت ذكر قومية الكرد الفيلية ، وكما هو معروف لدى العراقيين قاطبة أن الكورد الفيلية شريحة وطنية واسعة ، مهمة ومؤثرة في المجتمع العراقي ، ولعبت أدوارا نشطة في الإقتصاد والصناعة والثقافة والسياسة والحركة الوطنية العراقية والكثير من المجالات الأخرى ، وقدمت الكثير من الضحايا لهذا الوطن ، فلم يكن وجودها عابرا في أرض العراق ، بل متجذرا أكثر بكثير ممن أراد أن يتجاهلها أو ينسبها لغير قوميتها ، ولم يكن الحكم القومي ـ العنصري بمختلف أدواره ، مناهضا لهذه الشريحة لأنها شيعية أولا وكردية ثانيا ، ولكن لأنها أولا وأخيرا كانت عراقية ، متمسكة بتربة هذا الوطن ، ووطنية حتى النخاع ، ومنحازة للفكر اليساري منذ بدايات الحركة الوطنية العراقية ، لأنها كانت تشعر بظلم وقهر التمييز القومي والطائفي الواقع على كل العراقيين ، وهي جزء من هذا النسيج ، ومن هذا الباب يدخل العداء لهذه الشريحة الوطنية ، الذي لا زال يحمله لها الكثير ممن هم في الحكم حاليا ، وممن هم في لجنة صياغة الدستور تحديدا ، ومن هذا المنطلق تم تجاهلهم وتجاهل تاريخهم وتضحياتهم ، لينكأوا جراحهم التي لم تندمل بعد جراء تهجيرهم وتشريدهم ، ولم تشفع لهم عذاباتهم التي عايشوها وشهدائهم حين تفجرت الأرض حمما تحت أقدامهم ، وهم يجتازون حدود الوطن باتجاه المجهول ، بعد أن ُسلب منهم كل ما يملكون ، وبعد أن ُجردوا من كل ما كانوا يخفون من وثائق عراقيتهم العزيزة عليهم ، وشبابهم الذين دفنوا أحياء في المقابر الجماعية ، والتي تسول عليها حكامنا ، الحاليون ، طائفيا وقوميا بالأمس لنيل أصواتهم ، تنكروا لهم جمعيا ، ليصمهم البعض بالفارسية ، ولا عيب في هذا إن كانوا كذلك ، فالفرس كانوا أصحاب مجد تالد ، ولكن الكورد الفيلية ، شريحة عراقية تعتز بوطنيتها وبقوميتها ، تستحق منا كل حب وإكبار ودعم لنيل حقوقهم وتبوء للمقام الذي يستحقون وفق مبدأ المواطنة دون النظر لأي اعتبار آخر ، فإذا كان حال الوطنيين العراقيين اليوم غمطا لحقوقهم ، قبل أن يتمكن الحكم الطائفي ـ القومي من ترسيخ مواقعه في الدستور ، فكيف سيكون الحال إن حققوا ما يخططون له ؟ لذا من أجل ألا يحقق أعداء الوطنية هدفهم بالنفاذ إلى نسيج مكونات الطيف العراقي يقتضي حذف كلمة (الفرس) الموضوعة بين قوسين في مسودة الدستور، واستبدالها بالكورد الفيلية ،أسوة بما ذُكر من القوميات والطوائف ، مع تحريرها من الأقواس البغيضة ، باعتبارهم نسيجا وطنيا أصيلا من المكونات القومية للشعب العراقي .
أما المادة السادسة : \" السيادة للقانون ، والشعب مصدر السلطات ، يمارسها بالاقتراع العام السري المباشر أو بالانتخاب والاستفتاء السري المباشر(وعبر مؤسساته الدستورية )..\" فهي مادة غير واضحة المعالم والقصد ، كان المفروض أن تحل محلها المادة الخاصة بإجراء الانتخابات العامة ، والنص على كيفية إجرائها ، فالدستور وحده له الحق في تسمية الانتخابات وشكلها ، لا أن تخضع لقرار هيئة ما ، و تقدم للجمعية الوطنية دون تهيئة الوقت اللازم لدراستها من قبل الكتل البرلمانية المختلفة ، وعرضها على الجمعية لمناقشتها ، دون اكتمال النصاب القانوني للمجلس ودون حضور رئيس الجمعية الوطنية ، وهي من القضايا المهمة التي تتطلب الحضور الكامل والمساهمة الجادة في مناقشتها ، لا كما هو حاصل فعلا حيث كان حضور الأعضاء أقل من النصف ، وهذا يعتبر استغفال للجمعية الوطنية ، وقرصنة تمارسها كتلة تتمتع بالأغلبية ، في أعلى سلطة تشريعية ، وهذا الفعل سبق أن مارسته نفس الكتلة عندما مررت القرار رقم 137 في نهاية شهر كانون أول من العام 2003 الذي تم بموجبه إلغاء قانون الأحوال الشخصية المرقم 188للعام 1959 .وهذا ما يدلل على أن الحكومة بأغلبيتها \" الساحقة \" تحاول دائما التدليس وانتهاز الفرص من المعارضين لتمرير قوانين تخدم غرضها الطائفي ، لعلمها أن الشعب العراقي يمقت الطائفية ، وإنها ما وصلت إلى السلطة نتيجة برنامجها والسياسي أو الاقتصادي ، إنما نتيجة التلاعب بالمشاعر والعواطف الطائفية ، واستغلال اسم المرجعية التي يمثلها السيد السيستاني أبشع استغلال ، إضافة لأساليب قذرة أخرى لم تخلو من التهديد والوعيد ..
للموضوع تتمة .


 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com