|
مقالات في الدستور
الدستور الديني الجديد يسجن ديمقراطيا الحرية المدنية
بقلم: د. لميس كاظم إن مناقشة موضوع الدستور الديني تختلف تماما عن كون الدين رسالة سماوية تفرض احترامها على المُتعبد والمُبتعد. انا ارجوا ان لايفهم من نقاشي هذا اني اتجه نحو الالحاد كما يتلذذ البعض في مناغاتنا، نحن اليساريون، وانما عليه اقناعنا بأحقية دستوره وانا ان اقتنعت بأفكاره سأنادي بكل ما املك من فكر لرسالته بشكل ديمقراطي. نحن ايها العراقيون الافاضل، نؤسس لمجتمع مدني حضاري في القرن الواحد والعشرين، يتطلب ان تحترم فيه كل ملاكات المواطنين ومشاعرهم، بغض النظر عن معتقداتهم، بأعتبارهم ابناء هذا الوطن ولهم نفس الحقوق والواجبات. فهناك الكثير من الدول، التي اغلبية مواطنيها من المسلمين، لكنها لم تؤسس دستورا دينيا وبالوقت نفسه احترمت الدين الاسلامي في حق العبادة والابتهال وممارسة الطقوس الدينية ونشر الرسالة. وصاغت تلك الدول دستور علماني ( لنسمية ليبرالي كي لا يخدش مسامع الأخرين) إذ زاوجت بين العادات والتقاليد والمذاهب والافكار والحرية المدنية فأنتجت دستورا عصريا يلبي طموح المسلم والمسيحي والبوذي والسيخي والأيزيدي والارمني وغيرها من الاديان والطوائف وكذلك يلبي طموح الشيوعي واليساري والقومي والديني والجمهوري والملكي وغيرهم من حملة الافكار الوطنية وعاشوا بسلام كل يحترم الاخر ومحمين بالقانون. وابرز تلك الدول هي تركيا واندونيسيا ولبنان ذات الاغلبية المسلمة. إن فصل الدين عن الدولة هو العصب الرئيسي لكتابة الدستور الجديد وان نجح المشرعون في حسم هذا الجدل الرئيسي سيمضون قدما نحو شطأن الديمقراطية الحقيقة التي ستتطور ابوابه وموادة لخدمة المواطن، ككرة الثلج تكبر، مع تعاقب الحكومات والازمنة. اما إن صيغ الدستور بنزعة دينية مسلمة، بكلا شقيها، سيساهم في خنق الكثير من اشكال الحريات المتعارضة مع النص الديني وسيقيد الدستور بأبواب ومواد دستورية تسعى لخنق الحياة المدنية وتؤخر تطور المجتمع ديمقراطيا. وبأعتبار ان الدين ملاذ روحيا يتنسك به عُبادّه في طقوسهم وابتهالاتهم مع ربهم بشكل طوعي ولايتسم بالاكراه ولكن يلزمهم بالعبادة والايمان وسيلزم الدولة بقوانينه التي تقفز على حدود التشريع والقضاء وتطبق القانون بسلطة مطلقة غير خاضعة للجدل والابداع. الدستور هو المرجع الذي ينظم حدود العلائق بين الفرد والمجتمع، والوطن، والبيئة، ويصون حقوق كل الاطراف من التجاوزات والمصادرة والاجهاز. يفترض ان تمتلك الدولة سلطتها التشريعية، المنفصلة عن كل الأديان، متمتعة بعلاقة مبنية على احترام كامل لكل الأديان السماوية واولها الدين الأسلامي الحنيف بأعتباره دين يمثل غالبية ابناء الشعب العراقي الذين ولدوا مسلمين. فإحترام الدين الاسلامي واجب كونه دين اغلبية الشعب العراقي وكذلك الحال يفترض ان تحترم بقية الاديان السماوية. لكن صوغ الدستور ضمن ثوابت الدين الأسلامي يحد من مرونة المدنية ويقلص من حيوية تطبيقه ويضعف من فعالية الدولة للاسباب التالية:
ان تجارب الدول التي اعتمدت على الدين الاسلامي بإعتباره المصدر الرئيسي في الدستور أفضت الى نوع من القمع الديمقراطي للحرية الشخصية والمدنية والسياسية. فإلزام المواطنين بالحجاب وتحديد مظاهر المتعة والترف وحرمان المواطن من ممارسة الحرية الشخصية والأجتماعية افضت الى قمع مدن واجتماعي وفكري وحددت مصادر الثراء الفكري والابداع الادبي. انا اعتقد ان الشعب العراقي لا يمكن ان يختار بحرية تامة الدستور الديني، فيما لو خير بدون فتوى محددة او اكراه مبطن او قمع. لسبب بسيط جدا هو، ان جذوره الفكرية والسياسية لعقود من الزمن، كانت علمانية محافظة على التقاليد الاسلامية والقيم الاجتماعية الطيبة لكن النظام الصنمي والتأثير الخارجي، خصوصا فيالعقدين الاخيرين، اثر في اضفاء صبغة جديدة على مزاج ونزعات الشعب العراقي. وما ممارسات الاحزاب والحركات الدينية المتطرفة الحالية في العراق الا لخنق المدنية والحرية الشخصية. ان الصمت على تلك التجاوزات افضى الى تعميقها وقد تم مصادرة كل ماهو مدني في العراق. فأي دستور ديمقراطي يمنع الفتيات من لبس بنطلون الجيز واي دستور يسمح بزهق حياة الكثير من الحلاقين والحلاقات لانهم يقصون الشعر بالطريقة الامريكية واي حرية دستور يمنع السافرات أو بغلق الحانان أو محلات بيع الخمرة وتفجر اماكن السهر باسلوب ديمقراطي. اننا امام مشهد متردي خطير جدا في ظل الديمقراطية الجديدة ، إذ يتزاوج فيه المصالح الوطنية والأجنية ومع المصالح الدينية لترويع المواطن وابعاده عن التمتع بحريته الشخصية بسلوك دموي ، تصفوي، ترهيبي وبأسم الديمقراطية. لي كملة اخيرة لعشاق الدستور الديني. دع المساجد للعباد تناجي ربهم ودع الاخرين يتمتع بحريته الشخصية بدون قمع او اكراه او فتاوي وعندئذ ستتضح الصورة بجلاء لاي طريق سيتجة الشعب العراقي. اما مايجري حاليا فهو انتهاك صارخ لحقوق المواطن بأسم الدين والحرية والديمقراطية.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |