|
مقالات في الدستور
الدستور الحضاري وقانون المشاركة السياسية للطفل في الانتخابات
محمد سعيد المخزومي
لقد فرح الديمقراطيون حينما قالوا بالمساواة السياسية بين المرأة والرجل, وحق لهم أن يفرحوا لأنهم أبصروا الديمقراطية من بعد سنين عجاف مرّت على عالمهم الغربي, وهذا أمر جيد في حد ذاته . كما ابتهج المسلمون بها لكثرة ما قد عانوا من استبداد النظام العربي بقوميته الحاقدة, ودينيته الزائفة, واشتراكيته المظلمة, وتحرريته الكاذبة. ابتهجوا بها لأنهم عرفوا أن الديمقراطية تعطي للرجل والمرأة الحق في المشاركة السياسية وتقرير المصير. فاستهلوا فرحا ظنّا منهم أن فيها الحلول السحرية لمشاكل الحياة وانها الحل المبين لمشاكل البشرية اجمعين, ونسوا أن هذه المساواة بين المرأة والرجل إنما جاءت إلى عالم الغرب بعد قرون من استعباد الإنسان الأبيض لأخيه الأسود وإسترقاقه, إمرأة كان المُسْتَرَقُ أو رجلا, صغيرا كان أو كبيرا. وقد جهل المسلمون أن هذا الانجاز المدني الكبير مقارنة بالتقييم الحضاري لنهوض الأمم وتكامل الأفكار ونضج المناهج قليل جدا. لقد اعلن القرآن الكريمُ, والإسلامُ في اطواره السرية, منذ اكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان: أن المرأة والرجل متساويان في كل الحقوق السياسية, والمشاركة الفاعلة في ميادين بناء الحياة على اوسع الابواب, في وقت كانت البشرية تعيش قرون الظلام وعهود الإستبداد (وسنعطي هذا الأمر حقه في بحث لاحق بحول الله). وحينما أعطت الديمقراطية المرأة حقها أعطتها حريتها ناقصة ( كما سننشر هذا البحث في حينه), وبخست حق الإنسان الثالث في المجتمع ألا وهو (الطفل) بعد (الرجل) و(المرأة). وهو الأمر الغريب على الاذهان, والجديد على مسامع الإنسان, ولعله سيثير ألف غرابة ودهشة ! فالطفل يشارك الكبار في العملية السياسية في ظل الأنظمة المستبدة والديمقراطية على حد سواء, وكمثال على ذلك نأتي على ذكر الشواهد التالية: 1. حيما يقتل النظام المستبد أبا الطفل أو أمه فإنما يقتله أو يدفنه حيا معهما, أو يشطره بالسيف نصفين امامهما, أو يلقمه رصاصة بدل اللبن. 2. وحينما يعاقب أبويه كلاهما أو أحدهما فإن الطفل يشاركهما هذا المصير الأسود (بفضل؟!) النظم القومية الطائفية كما حصل في عراق المقدسات. والأمثلة على هذا المنوال كثيرة وكثيرة. 3. وفي العالم الديمقراطي الحر فإن الطفل هو الآخر شريك في نتائج العملية السياسية التي تتمخض عن ديمقراطية التصويت بمشاركة المرأة والرجل في الانتخاب الديمقراطي الحر, وذلك يوم يتمّ انتخاب نظام للحكم أو يقوم بتسمية الحاكم الأعلى للبلاد, ثم يقدم النظام على اشعال حرب مدمره تجبر المواطنين على دفع الضرائب الباهضة لتأمين نفقات الحروب, عندئذ يدفع الطفل من قُوُتِهِ ولقمة عيشه مقدارا من تلك الضريبه التي يجب أن يدفعها من دَخْلِهِ الذي يؤمّنه له أبواه أو أحدهما في الحياة. 4. أو حينما يقدم النظام الديمقراطي على حرب ما, حقا كانت تلك الدوافع أم باطلا, وتأكل الحرب من الرجال أو النساء حصتها, ويكون أبوه من بين ضحاياها, فيدفع الطفل بذلك ضريبة سياسة هذا النظام, ويصبح يتيما منذ نعومة اظفاره, وعليه أن يعاني ما يعاني مُشاركةً منه في نتائج العملية السياسية التي اقبل عليها أبواه في انتخابهم النظام الحاكم أو رأسه. 5. أو إذا اقبل النظام المنتَخب بفعل مشاركة الرجل والمرأة المعنيان بالدخول في العملية السياسية, وأبهض النظام الحاكم شعبه بميزانية فادحة تأميناً لتكاليف حرب النجوم مثلا, والتسابق في ميادين الفضاء, او ثمن سياسة استعمارها الشعوب والأمم, أو ما يسمى بالحروب وكالةً, فإنه سيجبر الطفل على أن يدفع قسما من مصالحه المالية لنفقات سياسة النظام الحاكم, وذلك من خلال ما سيؤديه ولي أمره لذلك النظام من التزامات ماليه وضرائب. 6. أما إذا اقبل الناس على التصويت لصالح نظام سياسي ديمقراطي يوافق على تقسيم البلاد إلى دويلات وتمزيق أبناء البلد إلى أقاليم, فإن الطفل سيدفع هنا ضريبه هذا الموقف السياسي وسيقبل تبعات هذا الاستفتاء الدبمقراطي الحر رغم انفه من دون أن يكون قد ساهم أو شارك في الأمر. وبالنتيجة فإن الطفل سيدفع ثمن المشاركة السياسية لأبويه أو مشاركة المجتمع الذي ينتمي إليه, سواءا في الأحوال التي يمر بها المجتمع الحر في النظم الديمقراطية, أو المجتمع المضطَهَد في النظم الاستبدادية على حد سواء. وهنا ينطلق سؤال يلحّ على العقل الإنساني السليم بقوله: إذا كان الطفل دون السن القانونية يدفع ثمن العلمية السياسية نيابه عما قد تصرف به أبواه أو المجتمع عبر الانتخاب الحر, فلماذا لا يشارك هو بالعملية السياسية عبر ابويه كذلك ؟ ولماذا لا يقبل المجتمع منه المشاركة عبر أولياء أموره ؟. وإذا كان العقل والشرع وكل النظم العقلانية في العالم تؤيد أن ينوب الأب عن ولده الصغير أو طفله وطفلته في الشؤون الاقتصادية والأمنية ورعاية مصالحه, فلماذا يُحْرَمُ الطفل من المشاركة في المسائل السياسية عبر أولياء أموره المسؤولين عن رعاية مصالحه. خصوصا وأن الواجب عليهم يحتّم رعاية تلك المصالح والنظر إليها في عين الاعتبار. وهنا يلزمني القول متسائلا: اليست السياسة من مصالحه؟ أليس انتخاب النظام السياسي المهيمن عليه, من مصالحه التي يجب أن يرعاها له أبواه من خلال النيابه عنه في المشاركة ؟ أليس الدستور من مصالحه التي يجب إن يشارك هو في تأسيسه مباشره أن كان راشدا, أو بواسطة من بنوب عنه في رعاية مصالحه في حال القصور. خصوصا وأن الدستور سيكون هو الحاكم عليه إلى ما شاء الله من الزمن. وقد يتسائل البعض كيف إذا قرر وليّ أمر الطفل ما ليس في مصلحته, فماذا سيكون الأمر عندئذ ؟ أقول في معرض الجواب إن: هذا الأشكال نفسه يمكن أن يَرِدَ بالنسبة إلى المصالح الاقتصادية, والشؤون الأمنية, والمشاريع المستقبلية التي تخص الطفل, وبالتالي فسيكون حُكم المصالح السياسية كحُكم المصالح الأخرى. وقد يستغرب البعض إذا ما قلنا أن الإسلام قد رفع شأن المرأة قبل الديمقراطية بقرون كثيرة, كما يزدادون غرابة إذا قلنا أن الإسلام يرى للطفل حق المشاركة في العملية السياسية وإن كان قاصرا من الناحية الشرعية لكونه دون السن القانونية ؟ الحق لا غرابة في الأمر لأن الإسلام دين البشرية منذ أن خلق الله آدم حتى يوم القيامة, وأنه النظام الدائم للحياة ما دام هناك على الأرض إنسان, وما دام عليها وجود وحياة. وبهذا فيكون للطفل الحق في الانتخابات الحكومية وفي السياسة وتقرير مصيره وفي اختيار النظام الذي يريد ان يحكمه وان كان قاصرا عن أداء تلك الأدوار لصغر سنة, الا انه كإنسان له من الحقوق التي يجب القيام بها إما مباشره إن كان قادرا عليها, أو أن تُصان له عبر من يتولى عنه الأمور بالنيابة إن لم يتمكن من القيام بها بنفسه, وبيان ذلك يحتاج الوقوف عند النقاط التالية: النقطة الأول: الطفل إنسان وبما أن لكل إنسان حقوقه الكاملة في الحياة مهما كان له من العمر, فله الحق في ان يزاولها ويمارسها ويتصرف بها. النقطة الثانية: للإنسان كامل الحقوق وبناءا على ذلك فلإنسان الحق في مزاولة التدخل في الأمور التي تؤثر في مصيره وتتحكم به, لكونه إنسان في الأمة وعضو فاعل في المجتمع. النقطة الثالثة: الطفل المواطن الثالث في المجتمع وبما أن الطفل المواطن الثالث في المجتمع بعد المرأة والرجل, وأن النظام الحاكم هو الحاكم عليه, والمتصرف بحقوقه في إطار تعامله السياسي مع المجتمع الذي يكون الطفل أحد أعضاءه, صار لابد من ان يكون له مشاركة في النظام الذي يحكمه ويتصرف ببلده وحقوقه خصوصا وانه يتحمل تبعات العملية السياسية, ويشارك الرجل والمرأة في المجتمع من حيث المصير والمعاناة السياسية سلبا كانت المردودات أو ايجابا. النقطة الرابعة:جعلت الشريعة أمر فطام الطفل لولي أمره لغرض سعادته ولما كان من حقوق الطفل العيش الكريم, والسعادة في الحياة, من دون أي إجحاف في حقه أو تقصير أو ظلم, فقد جعل الإسلام موضوع مصيره مرهونا بما يقرره له أولياء اموره, وكمثال على ذلك أنْ جعل قرار فطامه من الرضاع تابعا لرأي الشورى في داخل الأسرة التي تتولى رعايته, ولم يجعله تابعا لقرار فردي محض, أو أن يهمله سدى, وقد قال تعالى في كتابه الكريم: ]فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [ وذلك هو التراضي لمصلحة الطفل, والتشاور بينهما ومع الآخرين في الأمر كيلا يضر الفطام بالطفل, وكيلا يناله ضرر, ولا يتعرضا إلى اللوم والمسؤولية لكونهما المسؤولَين عن سلامة الطفل وصحته ومصلحته ومستقبله. النقطة الخامسة: الشورى حاكمة في شؤون طعامه فكيف بشؤون سياسته بناءا على ذلك فإن الإسلام الذي لم يترك لهذا لإنسان أمر طعامه وفطامه إلا أن يكون عن تشاور في الرأي بين أولياء أموره من جانب والتشاور مع الآخرين من جانب آخر, وأوجب أن تكون الشورى حاكمة في شؤونه بجعل أمر فطامه والتصرف في طعامه ومنهج إطعامه منوطا بيد من كانت ولاية أمره بيده, وهم الوالدين أو من ينوب عنهما حال الوفاة أو ما شابه, فكيف يترك المستقبل السياسي للطفل ومستقبل البلد الذي يعيشه مرهونا بنظام حكم يهيمن على مستقبله ويتحكم في مصيره ويؤثر في مستقبل بلده الذي يسكن من دون أن يحسب له حسابا, أو يكون له رأيا في الأمر أو دَخَلاً ؟ فهل يعقل أحد أن تُهمَلُ مواطنته فلا يكون له رأي في مسالة الحكم والسياسة ؟. النقطة السادسة:حق الطفل بشؤونه السياسية عبر ولي أمره ولكونه طفلا صغيرا لا يعي ولا يستطيع القرار بنفسه من جانب, ولابد ان يمارس دوره في الانتخاب والإدلاء برأيه في هذا الأمر من جانب آخر, صار لابد أن يتولى هذا الشأن وليُّ أمره كما رأينا في حال الرضاع والفطام والطعام. خصوصا وأن النظام السياسي لا يتحكم فقط بطعامه وانما يتحكم بمصيره كطفل, ومصيره كرجل للمستقبل, كما سيكون للنظام السياسي التأثير البالغ على مستقبل الطفل وحياته منذ ايام طفولته وقبل كبره, فضلا عن تأثير النظام السياسي على تكوين شخصه وشخصيته. من هنا لَزِمَ ان يبدي رأيه في الحكم الذي يحكمه ونظامه السياسي الذي يؤثر فيه, ولكن عبر ولي أمره الأحرص على مصلحته. النقطة السابعة: الله جعل لولي الطفل ولاية التصرف بشؤونه إن قوانين السماء والارض تجعل لولي الطفل الولاية عليه في جميع شؤونه التي لا يستطيع التصرف بها لطفولته وصغره. وهذه حقيقة منطقية, وحق مشروع للطفل في الحياة. النقطة الثامنة: للطفل التصرف بشؤونه السياسية كما هو الحال في الشؤون الاقتصادية إن شأن الطفل في قضايا الانتخابات والأمور السياسية كشأنه في الأمور الاقتصادية مثل الرضاع في طفولته وصغره. وكما في الإسلام فإن عالم الغرب يسمح للطفل أن يفتح حسابا مصرفيا ليودع فيه امواله ويوفرها لمستقبله ولكن تحت ولاية الوالدين أو أحدهما وبتوقيع من ولي الأمر. ولمجرد ان يُبرز الأب أو الأم أو كلاهما البطاقة الشخصية للطفل, يتم فتح الحساب بالنيابة عنه. النقطة التاسعة: الولاية في رعاية شؤون اليتامى حيث جعل الله في نظام الإسلام وليّا على اليتامى القاصرين ليقوم بإدارة شؤونهم ورعاية أموالهم, فَخَوّلَ الولي بالتصرف في ذلك كالمتاجرة والمضاربة والبيع والشراء وكل ما فيه مصلحة اليتيم نفسه, فيقوم الولي بكل المعاملات اللازمة من حل النّزاعات والخلافات في شؤون الربح والخسارة وتوابعها, ويجهد في ذلك لتحقيق المصلحة العليا للطفل في المعاملة, كما قد حذر الوليَّ من عدم الالتزام بوجوب الاهتمام والدقة والحيطة في شان اليتيم وامواله, لكونه ضعيفا قاصرا عن تقرير مصيره بنفسه . وبالتالي فقد أوكل الأمر إلى الولي ليقوم بدوره فيما يخدم مصلحة اليتيم حتى يكبر ويبلغ اشده, فإذا بلغ اشده سلَّمه أمواله وكامل شؤونه التي كان وليّاً له عليها أثناء طفولته, فقال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً الا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ الله أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )([1]) كما جعل الله تعالى الولاية مسؤولية كبرى لولي الأمر في توخّي رعاية المنفعة في مصالح الطفل اليتيم إبتداءا من حال يُتْمِهِ حتى بلوغه سن الرشد فقال: ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً ) ([2])
النقطة العاشرة: النيابه عن السفيه والضعيف في الشريعة وكذلك الامر بالنسبة إلى الرجل السفيه أو الضعيف الذي لا يستطيع إدارة أموره بنفسه أما بسبب عقلي أو نفسي أو غيره, فان الإسلام قد جعل له الحق في ممارسة أموره, وحفظها له, ولكن من خلال ولاية وليٍّ عاقلٍ ينظر له المصلحة ويرعى له الفائدة, فقال سبحانه وتعالى: ( َإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) ([3]) حادي عشر: الولاية في التصرف نيابة عن المقتول ظلما ومن كان مظلوما في الدنيا بأي نوع من المظالم فإن الله قد جعل له الحق في المطالبة بظلامته, وإن لم يستطع لسبب أو آخر فإن حقه باقٍ من خلال وكيل يوكّله للدفاع عن ظلامته والمطالبة بحقوقه. أما من مات مقتولا مظلوما فهو مغصوبٌ (حق الحياة) وله المطالبة في حقه. ولما كان غير قادر على الأخذ بحقه والمطالبة به, فقد جعل الله له ذلك الحق في الدنيا قبل الآخرة, حيث جعل لوليه الأخذ بهذا الحق. وهذا يدل على دِقَّةِ الاسلام في حفظه الحقوق وحمايته لها, ولكن مع كمال الاعتدال والعمل وفق قانون مراعاة العدل لقوله (فَلا يُسْرِفْ) ولا يتمادى, كما قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله الا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) ([4]). وفي كل الاحوال فلن يترك الله تبارك وتعالى للإنسان حقا إلا وقد مكّنه من الأخذ به سواء بنفسه مباشرة, أو بواسطة وكيل عنه. النقطة الثانية عشرة: لولي أمر الطفل مزاولة السياسة نيابه عنه إذا كان الإنسان الضعيف أو المريض نفسيا, بما فيهم اليتيم والطفل الرضيع قد جعل الإسلام لهم الحق في تقرير مصائرهم بواسطة أولياء أمورهم, أو من ينوب عنهم في إدارة شؤونهم المالية والاقتصادية وباقي المعاملات الرسمية فكيف يترك الإسلام شؤون الطفل في خصوص نوع الحكم وتأثير السياسة على مستقبله, والحقوق المصيرية الكبيرة, والمستقبلية الخطيرة التي لا يمكن التهاون بها لما لها من التأثير البالغ عليه ؟ إذا فللطفل في نظام الإسلام الحق في الانتخابات وتقرير مصير بلده السياسي, ومستقبله الذي تحدد معالمه الحكومات التي تتعاقب على الحكم وهو في حال الصغر, علما انه عضو في هذا المجتمع الكبير الذي يريد ان ينتخب له حاكما أو نظاما يكون مسؤولا عن إدارة شؤونه, فلابد من أن يمارس الطفل هذا الحق بواسطة وليّه كما قال الإسلام, وهذا ما لم يصل إليه الغرب بديمقراطيته وحريته, وقد أقرته الشريعة منذ اكثر من أربعة عشر قرنا. النقطة الثالثة عشرة: لا انتخابات حقيقية إلا بمشاركة الرجل والمرأة والطفل على حد سواء ومما سبق فقد بيَّن الاسلام ان من له حق الانتخاب والشورى في المجتمع هو: المرأة والرجل والطفل, وولايته بيد أبوبه لكونهما أولياء أموره, وكما لهما الولاية عليه في إدارة شؤونه المعاشية والاقتصادية وحفظ أمنه وحمايته وادارة شؤونه الرسمية وغيرها فكذلك من شؤونه التي يجب على الأبوين حفظها ورعايتها هي الانتخاب والشورى التي هي من ابرز مصالح الولد أو الطفل, وهذا ما ينفرد به الإسلام عن العالم الديمقراطي الحر, والمتقدم في الكثير من أموره المدنية. وهنا يقول الفقه الإسلامي كلمته الفريدة في هذا المقام من خلال إعلان الإمام الشيرازي (قدس الله سره) رأيه الصريح ونظره الشجاع فقال: (لقـد ذكرنا في بعض المباحث المفصَّلة: » إنّ النساء أيـضاً لهن الحق في ذلك- الشورى- إذا توفر الشرط، أي كأن شيئا من المال مرتبط بهنّ، أو كأن شيئا من التصرف- كالشؤون السياسية والاقتصادية وغيرها- مرتبط بهن. وكذلك حال الأطفال، الا أنّ الإجازة بيد أوليائهم الشرعيين, حسب ما قرر في الفقه)([5]). ويقول في الفصل الثالث من كتاب الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام, تحت عنوان: حق التصويت للمرأة والطفل: ( في كثير من بلدان العالم إلى اليوم نصٌ يحرّم على المرأة المشاركة في الانتخابات العامة، بينما قد تقدم أن الإسلام جعل الحق لهن في البيعة في الآية: (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله .... فبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهََ) الممتحنة: آية/12. بل نجد أنه يحق لأولياء الأطفال المشاركة في البيعة نيابة عن أولادهم، لأن الحاكم يتصرف في شؤونهم أيضاً. فمثلاً: الأب الذي له أولاد أربعة (يكون) له خمسة أصوات: صوت لنفسه وأربعة أصوات للمولّى عليهم، فإذا شاء الأولياء كان لهم الحق في ذلك، بينما لا يوجد حق كهذا للآباء في القوانين الحاضرة، وكذلك قرر الإسلام عدم جواز الاقتراب من أموال الأطفال إلا بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)([6]). إلى غيره من نصوص متعددة. فبشكل أولى لا يصح انتخاب حاكم الدولة (الذي يتصرف في شؤون الأطفال أيضاً، وفي كل المجالات المتعلقة بالطفل) إلا مع مراعاة مصلحة الطفل بالنحو الأحسن وذلك لا يتم إلا بأن يكون للأطفال أيضاً حق التصويت ويعطى هذا الحق للأب باعتباره ولياً عليهم ) ([7]). وهذه نظرية إسلامية رفيعة, ومبدأ حضاري كبير, واستنباط فقهي عال. النقطة الرابعة عشرة: ضرورة معرفة حضارية الإسلام وذلك أن العالم قد خلط بين الإسلام كنظام حضاري وبين المسلمين كأمة مضْطَهَدَةٍ عصفت بها العواصف منذ أن غاب رسول الله عن الحياة, ودخلت في ثقافتها ما لا يمتُّ إلى الإسلام بأدنى صِلَةٍ. كما أن العالم قد جهل الإسلام ولم يعرفه إلا من خلال الإعلام الموجّه ضد الإسلام, والمؤسسات الدراسية الناقصة من حيث المعرفة والهادفة من حيث التحريف. كما قد خلط بين الإسلام كدين حضاري وبين الإرهاب المقنّع بقناع الدين. ولم يفرّق بين العالِم النحرير والفقية الحضاري القدير ممن (يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة على لسانه, يستوحش من الدنيا وزهرتها, ويأنس بالليل وظلمته), وبين أشباه الرجال من الذين تلبّسوا بلباس الدين فصاروا طائقيين إقصائيين, وحزبيين أنانيين لا يحبون إلا أنفسهم ولا يميلون إلا إلى من يكذب عليهم, فيصفّق لهم كذبا وزورا . فللإسلام معنى وصورة ومصداقا غير التي عمل به الجهلاء, وأن للعلماء الفقهاء ورجال الحضارة الاتقياء مصداقا غير الذي يعملون على تخريب الحياة, وتمزيق الإنسانية, ممن لا ينفع الناسَ فكرُه, ويضر بالمجتمع سلوكُه, ويتعذر على الآخرين منفعتهُ وعطاءهُ. من هنا لزم أن نقول إلى العالم: 1. أن الإسلام قد احترم الرجل والمرأة على حد سواء فجعل لهما من الحرية ما لم يكن في غيره من النظم والقوانين على وجه الأرض, مع اعتبار الفارق بين الإسلام وعادات المسلمين. 2. أن الإسلام قد أعلن عن حرية المرأة في المشاركة السياسية على أوسع الأبواب قبل اكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان, واعطاها حقها في الانتخاب والتاثير في العملية السياسية قبل أن يقرر العالم الديمقراطي هذا اليوم. 3. ثم أن الإسلام قد ذهب إلى الأبعد في ذلك, فلم يجعل تقرير المصير حكرا على الرجل والمرأة بل تعدى إلى ما لم تصل إليه اذهان مفكري الغرب الديمقراطي وسياسيّيهم, حيث بيّن أعاظم مفكري الإسلام وأكابر فقهاء الشريعة أن من حق الطفل المشاركة السياسية في الانتخاب والتعبير عن الرأي لغرض المساهمة في تقرير المصير. وبعد هذا وذاك أقول يا أيها العقلاء (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ([8]) [1] سورة الانعام/ آية 152 [2] - سورة الاسراء/ آية 34 [3] - سورة البقرة/ آية 282 [4] - سورة الاسراء/ آية 33 [5] - الشورى في الاسلام ص22 [6] - سورة الإسراء / آية 34 [7] - الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام , الفصل الثالث – تحت عنوان الحرية في الإسلام [8] - سورة يونس / آية 32
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |