|
مقالات في الدستور
الدستور العراقي في سباق المائة متر!!
د. عبدالخالق حسين Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
لم يبق أمام الزعماء العراقيين ولجنة صياغة الدستور الدائم إلا ساعات قلائل من الآن، مساء الأحد 14/8/2005، لتقديم المسودة إلى الجمعية الوطنية في الوقت المحدد غداً، 15 آب الجاري وأمامهم 18 نقطة خلافية حادة، كل نقطة منها تحتاج إلى أيام وربما أشهر من المداولات المضنية لمناقشتها والوصول إلى تسويتها لإرضاء الجميع أو ما يسمى بالحل الوسط compromise . لا أدري كيف وبأي حق يمكن إصدار أهم وثيقة بحياة الشعب العراقي في مثل هذه العجالة وبمثل هذه الأجواء المتوترة، ولا أدري ما الضير من تأجيل كتابة هكذا دستور إلى الوقت المناسب أكثر ملائمة. لا شك أن الزعماء العراقيين يتعرضون إلى ضغوط خارجية وخاصة من واشنطن للانتهاء من كتابة المسودة في الوقت المحدد ليثبتوا للعالم أنهم التزموا بالجدول الزمني وأنجزوا المهمة بالتمام والكمال بالوقت المحدد!! أغلب الظن أنهم سيقدمون هذه الوثيقة ولكنهم يقدمونها ليست ناقصة فحسب، بل ومفخخة بالعبوات الدستورية الناسفة لا تقل خطورة على الشعب العراقي من تفخيخ الانتحاريين الزرقاويين وسيارات البعثيين، ستتفجر الواحدة بعد الأخرى أشبه بسلسلة التفاعلات النووية المتتالية chain reaction. والدستور المفترض به أن يكون واسطة لإسعاد الجميع سيكون مصدراً لشقاء الجميع. وعندها ستنطبق عليهم الحكمة الطبية التي تقول في عدم تحضير المريض تحضيراً جيداً للعملية الجراحية: (العملية كانت رائعة ولكن المريض مات. the operation was perfect but the patient died ). ومن هنا فالجراح متلهف على إظهار براعته في سرعة إجراء العملية دون الاهتمام بنتائجها.
الفيدرالية الشيعية ولزيادة الطين بلة، تقدم السيد عبدالعزيز الحكيم رئيس مجلس الثورة الإسلامية الأعلى، بمشروعه "العظيم" بفيدرالية الوسط والجنوب تضم تسع محافظات شيعية مقابل موافقته على الفيدرالية الكردستانية. وبذلك يدق الإسفين في الوحدة العراقية أرضاً وشعباً وتكريس الطائفية إلى الأبد ويقدم شيعة العراق لقمة سائغة إلى إيران، وبذلك فمثل ما أفشل الإسلاميون انتفاضة آذار 1991 عندما رفعوا صور الخميني وشعارات الجمهورية الإسلامية في إيران والشعارات الطائفية مثل (ماكو ولي إلا على ونريد حاكم جعفري..الخ)، تلك الشعارات التي أثارت الذعر في دول المنطقة، مما حدا بأمريكا أن تسحب دعمها للانتفاضة والسماح لصدام بسحقها، كذلك يكرر الحكيم اليوم نفس اللعبة ليعيد ذات المأساة والملهاة بعد سقوط الفاشية عسى أن يتحقق حلم علي خامنئي بانسحاب الأمريكان من العراق قبل الأوان ويتخلص نظامه الإسلامي من ذات المصير الذي لقيه نظام البعث الصدامي. يريد الإسلاميون الشيعة اللعب بالمشاعر الدينية لأبناء الطائفة الشيعية لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الفئوية على حساب مصلحة الوطن وذلك بتكريس الطائفية على حساب وحدة الشعب العراقي. فنسمعهم يبررون الفيدرالية الشيعية بالمظالم التي قام بها نظام البعث الصدامي ضد أبناء الطائفة. ونقول لهؤلاء لا يجب معالجة الخطأ بخطأ أفظع. إن معالجة مظالم البعث لا تتم عن طريق تأسيس كانتونات هزيلة في المناطق العربية. الفيدرالية الكردستانية لها مبرراتها وخصائصها القومية والتاريخية والجغرافية. هذه الخصائص لا تتوفر في الاختلافات المذهبية بين أبناء القومية الواحدة ودين واحد. هذه الصراعات والشعور بالمظلومية من قبل الشيعة والتناحر الطائفي هي مؤقتة وناتجة عن مخلفات النظام الفاشي الذي سقط إلى غير رجعة. فإلحاح الحكيم وأتباعه على فيدرالية شيعية في الوسط والجنوب مصيره الفشل والندم والخسران المبين. الحل الصحيح هو (نعم للفيدرالية الكردستانية ونعم للامركزية المحافظات في المناطق العربية ولا للفيدرالية الطائفية). على الشيعة إذا كانوا فعلاً يشكلون الأغلبية في العراق، أن يصروا على بناء عراق ديمقراطي الذي يصون لهم حقوقهم وحقوق غيرهم، ويصوغوا دستوراً يمنع ظهور دكتاتور جديد أو نظام مستبد ظالم. فالديمقراطية هي وحدها الكفيلة بتحقيق طموحات الشيعة وغير الشيعة. أما العزف على وتر الطائفية النشاز بتشكيل فيدراليات طائفية، فمن شأنه إغراق السفينة العراقية وهلاك الجميع. وعبدالعزيز الحكيم ليس لأول مرة يرتكب مثل هذه الشطحات يحرج بها الشيعة ويعرض الشعب العراقي للخطر، بل كان من "بركاته" التي اتحفنا بها عندما تسنم الرئاسة الدورية لمجلس الحكم الانتقالي قبل عامين، فاستغل غياب الأعضاء العلمانيين الديمقراطيين، وأصدر القرار 137 سيئ الصيت الذي ألغى بموجبه قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 والذي يعتبر من أفضل القوانين التقدمية في العراق. وكان بول بريمر الأمريكي هو الذي وقف إلى جانب الشعب العراقي فألغى ذلك القرار البغيض وأبقى العمل بقانون الأحوال الشخصية. وبعد أيام من ذلك "الإنجاز العظيم" طالب الحكيم العراق بدفع مائة مليار دولار لإيران كتعويضات للحرب العراقية-الإيرانية، في الوقت الذي كانت أمريكا قد كلفت وزير خارجيتها الأسبق، جيمس بيكر، للتفاوض مع الدول الدائنة ومطالبتها بالتخلي عن ديونها على العراق. وفعلاً نجحت أمريكا في ذلك فألغيت حوالي 90% من الديون. وبذلك فقد أثبتت هذه الوقائع أن أمريكا أكثر حرصاً على مصلحة الشعب العراقي من السيد عبدالعزيز الحكيم وأمثاله في قيادة الأحزاب الشيعية. كتبت مرة مقالاً بعنوان (اللهم أحفظ العراق من العراقيين)، وفعلاً كانت مخاوفي مشروعة. لقد أثبت الإسلاميون جهلهم في إدارة الحكم وما يجري الآن في العراق من مهازل لدليل صارخ على ذلك. هذا هو الدكتور حسين الشهرستاني، العالم النووي، والمثقف من الجامعات الغربية، لم يتحمل رأياً مخالفاً له يصدر من شخصية لها مكانتها مثل السيد حسين الصدر عضو الجمعية الوطنية، فيأمر يطرده من الاجتماع لأنه أراد أن يعرب عن رأيي، مجرد رأيي ليس غير، إثناء اجتماع كان يديره الشهرستاني. هل هذه هي الديمقراطية وروح التسامح مع الأخر المختلف أيها الإسلاميون؟ لا أريد أن أقول (ما الفرق بينكم وبين نظام صدام الذي منع الأخر من التعبير) لأن هذه الجملة صارت تتردد على لسان معظم العراقيين، ولكن أقول هل هذه هي الديمقراطية الإسلامية التي تبشرون بها الشعب العراقي؟
الانتخابات ستستمر بعد نشر مقالتي الأخيرة الموسومة (دعوة لتأجيل كتابة الدستور الدائم) استلمت رسائل عديدة مؤيدة للمقترح. كذلك نشر عدد من الكتاب الأفاضل مقالات مطالبين بالتأجيل. ومما أثار مخاوف بعض الأخوة الحريصين على مستقبل الديمقراطية في العراق أنهم طالبوني بأن كان علي التأكيد على إجراء الانتخابات في ديسمبر القادم حتى في حالة تأجيل الدستور. وهذا حق، وفعلاً ذكرت وجوب إجراء الانتخابات القادمة في اللقاء التلفزيوني على فضائية الحرة مساء 10 آب الجاري. كما وأكد ذلك الصديق الدكتور سيار الجميل عندما سُئل (ومتى تتم كتابة الدستور إذنْ؟) فأجاب حتى ولو استغرق أربع دورات برلمانية. وهذا صحيح. وأؤكد هنا أنه في حالة تأجيل كتابة الدستور يجب إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في شهر ديسمبر القادم لانتخاب جمعية وطنية ثابتة التي عمرها القانوني أربع سنوات والتي ستختار حكومة ثابتة أكثر حزماً. ومن حق هذه الدورة البرلمانية والدورات اللاحقة اختيار الوقت المناسب لكتابة الدستور. نؤكد مرة أخرى، أن الدستور الذي سيلد بهذه العجالة وتحت الضغوط الدولية سيكون دستوراً ناقصاً وكسيحاً لا يلبي احتياجات الشعب العراقي، بل يكون سبباً لعدم استقراره وتكريس التمزق العرقي والطائفي. فالعراق غارق حتى هامته بالمشاكل، وعلى العقلاء من زعماءه التحلي بالصبر والروية وتأجيل حل المشاكل الصعبة المستعصية في الظروف الراهنة والعمل على حل المشاكل التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس اليومية مثل الأمن والخدمات ودحر الإرهاب وبناء القوات المسلحة..الخ وانتخاب البرلمان الدائم والحكومة المستقرة. ومن ثم ستتوفر الظروف الملائمة لتوفير الثقة بين مكونات الشعب العراقي وستتوفر أجواء أفضل لكتابة الدستور الدائم وحل المشاكل الكبرى.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |