المفوضية العليا للانتخابات!
هادي فريد التكريتي
20. آب 2005
hadifarid@maktob.com
التجربة العراقية السابقة للانتخابات لم تدلل بحق أن المفوضية
العليا قامت بواجبها بحيادية، كما تقول تامة، لأنها قد تجاهلت عن
عمد، الكثير من الاعتراضات المقدمة لها من قبل قوى سياسية وأفراد،
وخروقات أقدم عليها ممثلو قوائم انتخابية معينة في مناطق كثيرة
ومختلفة من العراق، تحت علمها وسمعها، كما أن الحكومة، آنذاك، قد
تدخلت قواتها من شرطة وجيش في التأثير على سير الانتخابات، كما
شاركت ميليشيات علنية وسرية في تهديد بيوت وعوائل، وقد أقرت
المفوضية العليا بهذه الخروقات ودون أن تتخذ إجراءات عقابية بحق
مقترفيها، كما اعترفت بحرمان مناطق متعددة من التصويت لعدم وصول
صناديق الاقتراع إليها، ولعدم وصول الاستمارات الانتخابية لناخبين
في مناطق أخرى لأسباب شتى، وحصلت ملابسات تجاهلتها المفوضية، أثرت
بالنتيجة على المحصلة النهائية لنتيجة الانتخابات، ورغم كل ما
اعتور هذه العملية الانتخابية من قصور وأخطاء، فاللجنة لا زالت
تمارس أعمالها، ولم يتضح من أنها قد عملت على تجاوز الأخطاء لاحقا،
كما وعدتنا بشفافية إجراءاتها عند بداية عملها ! ورغم كل الادعاءات
وما قيل عن استقلالية هذه اللجنة، فهي غير مستقلة في عملها وغير
حيادية كذلك، لأنها مرشحة من قبل رئيس الحكومة لصالح جهات طائفية،
ولأنها لم تكن بعيدة عن التعديل الذي جرى على قانون الانتخاب
بتغيير العمل بالدائرة الانتخابية الواحدة للعراق، والذي لم يقر
الإشراف الدولي على الانتخابات لتضييق فجوة التلاعب والتزوير
والتأثير على المقترعين لحظة التصويت خارج وداخل المراكز
الانتخابية، كما لم يرشح من خلال التصريحات والمقابلات التي أجريت
مع بعض أعضائها، أن القضاء سيدخل ضمن هذا الإشراف، وهذه كلها من
سلبياتها في المرة الماضية والتي لم تعمل على تعديلها أو النص على
معالجتها حاليا، وهذا ما يصب في مصلحة الحكم حاليا وتشكيلته
الطائفية، كما لم تكن اللجنة بعيدة كذلك عن استبعاد الناخبين في
الخارج من الاستفتاء على الدستور الذي سيجري في منتصف تشرين أول من
هذا العام، بعد إقراره ـ إن تم الاتفاق على المسودة المختلف عليها
حاليا، فمن له حق انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية ألا يكون له الحق
بالاستفتاء على الدستور ؟، وبالمقابل أليس من حقه الطبيعي كناخب أن
يراقب أداء وعمل ممثليه في الجمعية الوطنية ؟ والدستور هو أهم
وثيقة يساهم في صنعها ممثلوه، فمن حقه إن أتيحت له فرصة الحكم على
ممثليه بالاستفتاء فعليه أن يفعل، فلم استبعادهم ؟ في مقابلة
أجرتها \" العالم الآن \" موضوع على صفحة عراق الغد الالكترونية،
أجاب عن هذا التساؤل، رئيس المفوضية العليا للانتخابات السيد عادل
اللامي، قائلا \" الجمعية الوطنية أصدرت قانون الاستفتاء ولم ترد
فيه إشارة إلى إجراء عملية الاستفتاء خارج العراق \" وقد ربط السيد
اللامي بين هذا الاستبعاد ومادة في قانون إدارة الدولة قائلا \"..
إذا رفض ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات فان عملية الاستفتاء ستفشل،
وبالتالي تحل الجمعية الوطنية . ولأجل ذلك يتطلب أن يتواجد
الناخبون أو المصوتون في محافظات معينة بالذات، أما الذين يسكنون
خارج العراق فهم لا ينتسبون إلى تلك المحافظات فعليا..\" ولكنه لم
يشر إلى نتيجة تصويت الأغلبية على الاستفتاء، سلبا أم إيجابا،
والمتواجدون في الخارج هم جزء من كل، لهم حق الاستفتاء على
الدستور! ورئيس اللجنة ينظر للأمر بمنظار مادي صرف إذ يقول \" حتى
في الانتخابات السابقة كان عدد الناخبين العراقيين الذين صوتوا
بالفعل هو بحدود 290 ألف ناخب، غير متناسب مع كلفة تلك العملية
..\" إذن فالمقياس هو كم كَلَفَت الانتخابات وكم سيكلف الاستفتاء ؟
ناسيا أو متناسيا أن حقوق المواطن لا تقاس بكلفتها المادية، بل
بمدى احترام الدولة للمواطن وحقه في أن يبدي رأيه في ممارسات
أجهزتها وخصوصا السلطة التشريعية، التي تستمد الحكومة منها شرعيتها
! والمواطن العراقي المزروع في الخارج لم تكن هذه هي رغبته، ولم
يترك العراق بوثائق عراقية صريحة ونظامية، إنما هرب ناجيا بجلده،
وهذا ما يعرفه الحكم بكل تلاوينه، وأغلبهم كانوا كذلك، فعلى الدولة
ليس أن تضمن حقه في الانتخاب والاستفتاء فقط، بل بتعويضه ماديا
وترد له كافة حقوقه التي خسرها جراء جرائم الحكم السابق، لابتأييد
لغمط حقوقه من الحكم القائم، و هذا الحق ـ الانتخاب ـ ليس منة من
الحاكم أو من أحد أيا كان بل حق شرعي أقرته مواثيق الأمم المتحدة
وشرعة حقوق الإنسان الدولية . مما يثير الدهشة والاستغراب من عمل
الجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الشعب، قبل الحكومة والمفوضية
العليا للانتخابات، هو تشريع قانون الانتخاب الجديد الذي أصدرته
جمعيتنا الوطنية ذات الأغلبية الطائفية \" الساحقة \" الذي سلب حق
المواطنين في الخارج من حقهم الانتخابي في الدورة القادمة،بسبب
كلفته الباهضة كما قال السيد عادل اللامي، رئيس المفوضية، ولم
تحاسب الجمعية الوطنية رجال الحكم لإهدارهم المال العام ليس فقط
لذهابهم بأربع طائرات للتعزية إلى السعودية بدلا من واحدة وإنما
كذلك لفساد أجهزة الدولة والوزارات ونهبها لميزانيات البنى التحتية
التي ائتمنوا عليها، ونقص وعوز في خدمات المواطنين الذين يتضورون
جوعا وألما من فقدان الطاقة الكهربائية والماء الصافي والبنزين
والبطالة ولا نقول فقدان الأمن والقتل المفخخ وغير المفخخ ! لنقرأ
ما يقوله السيد عادل اللامي \" قانون الاستفتاء الذي أصدرته
الجمعية الوطنية، قبل بضعة أيام، لم يشر من قريب أومن بعيد إلى
مسألة إجراء الانتخابات في خارج العراق ..\" أي بصريح العبارة أن
الحكم قد سلب الملايين من حقهم الانتخابي، بحجة الكلفة المادية،
وليس بتقصير من الحكومة والمفوضية العليا ؟ التي لم توفر في كل دول
اللجوء ما يضمن للمواطن العراقي وصوله إلى المراكز الانتخابية،
القليلة العدد والمتباعدة المسافة، معتقدة أن كل المواطنين في
الخارج، هم من أصحاب الملايين أو العاملين في التجارة ولهم القدرة
على السفر والوصول إلى المركز الانتخابي متى يريدون ووقتما يشاءون،
ومن المأساة عدم إدراك: أن من هم في الخارج أغلبهم وكثرتهم الساحقة
غير قادرة على السفر من مدينة لأخرى وليس من بلد لآخر .
على الجمعية الوطنية أن تعيد النظر في موقفها من قانون الانتخاب
وما احتوى من ثغرات تؤثر على مجرى الانتخابات اللاحقة، نزاهتها
وشفافيتها، وإعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات على أسس
جديدة، بعيدة عن ترشيح رئيس الحكومة، فالهيئة، بتشكيلتها ونظمها
الحالية، لم تكن مؤهلة وغير قادرة لأن تشرف على انتخابات قادمة، هي
على الأبواب، كما أن إجراء انتخابات تشريعية جديدة، تتطلب إعادة
الحق المسلوب من مواطني الخارج، والإكثار من مراكز الاقتراع في
بلدان اللجوء، واستقالة الحكومة وتشكيل حكومة حيادية ومستقلة تحظى
بإجماع وطني، تجري وتشرف على انتخابات ديموقراطية ونزيهة، بإشراف
دولي ومنظمات حقوق الإنسان، العراقية والدولية.